كيف فشلت السعودية بوضع حزب الله على لائحة الإرهاب الأممية؟

في منتصف شهر حزيران/ يونيو المقبل، سيعقد مجلس حقوق الإنسان دورة جديدة وتتوقع الأوساط الدبلوماسية في جنيف أن تعاود السعودية الكرة في طرح وصف حزب الله بالحزب "الإرهابي" من جديد.

جهزت لها السعودية كل ما تملك من قوة ضغط عبر القنوات الدبلوماسية الأممية لتصنيف حزب الله كتنظيم إرهابي
أن يكون حزب الله على لائحة الإرهاب السعودية أو لمجلس التعاون الخليجي، أو لدى الجامعة العربية أو حتى على لوائح الولايات المتحدة أو الاتحاد الاوروبي، فهذا لن يكون له التأثير الكبير على حركة الحزب ونشاطه، أما أن يكون مصنفاً لدى الامم المتحدة كتنظيم إرهابي، تماماً كتنظيمي داعش وجبهة النصرة، فلذلك تداعيات خطيرة وسابقة يمكن استخدامها من قبل كل من يعارض سياسة حزب الله إن في الخارج أو حتى في الداخل اللبناني.

هذه المحاولة قامت بها السعودية مؤخراً في مجلس حقوق الإنسان خلال دورته الواحدة والثلاثين التي انعقدت بين 29 شباط/ فبراير و24 آذار/ مارس الماضيين في جنيف، المحاولة جهزت لها السعودية كل ما تملك من قوة ضغط عبر القنوات الدبلوماسية التي "تمون عليها"، واستندت في حملتها على التصنيف بتسمية حزب الله منظمة إرهابية الذي كان صدر عن الجامعة العربية قبل ثلاثة أيام فقط، لكن المحاولة السعودية لم تكلل بالنجاح، والسبب، لعبة توازنات دقيقة وحسابات للدول الأوروبية تعارضت مع حسابات المملكة بشأن لبنان.
كيف تتطور مشروع القرار منذ عام 2011 وحتى اليوم والجزئية المتعلقة بحزب الله؟ 
ككل دورة لمجلس حقوق الإنسان، عادية كانت أم استثنائية (كل 3 أشهر)، يناقش المجلس تقريراً خاصاً تعده لجنة تقصي الحقائق الخاصة بالوضع في سوريا التي تألفت عام 2011. وككل مرة يناقش فيه التقرير، تقوم "مجموعة أصدقاء سوريا" الـ11 التي تدعم المعارضة السورية، وهي المجموعة المؤلفة من دول خليجية بالإضافة إلى بعض الدول الأوروبية وفي مقدمها فرنسا وبريطانيا، والولايات المتحدة، ومصر وتركيا والمغرب، بتقديم مشروع قرار يدين بشكل دائم وتلقائي القوات السورية ويتهمها "بارتكاب جرائم حرب"، كما يدين حلفاء الجيش السوري في المنطقة بسبب "تدخلهم في الشؤون السورية إلى جانب النظام".

في البداية، أي منذ عام 2011 وحتى نهاية عام 2014، لم يكن حزب الله وارداً بالاسم في أي من مشاريع القرارات، وكانت المجموعة (أصدقاء سوريا) تشير إلى الحزب من دون تسميته في الفقرة 13 التي كانت، في تلك المرحلة (2012 - 2014) تقول التالي: "يدين (المجلس) بشدة تدخل جميع المقاتلين الإرهابيين الأجانب في الجمهورية العربية السورية وتدخل المقاتلين الأجانب الذين يحاربون باسم النظام، لا سيما ميليشيات المنطقـة، ويعرب عن القلق البالغ لأن اشتراكهم، واشتراك ميليشيات أخرى مثل "الشبيحة"، يزيد من تدهور حالة حقوق الإنسان والحالة الإنسانية، الأمر الذي يؤثر تأثيراً سلبياً خطيراً في المنطقة".

خلال هذه الأعوام، كانت "مجموعة أصدقاء سوريا" تحاول تسمية حزب الله بالاسم في الفقرة أعلاه، لكن لبنان وبالتوافق مع مجموعة من الدول الصديقة في مجلس حقوق الانسان، وبتقاطع مع فرنسا "حفاظاً على استقرار لبنان" كان ينجح بإبعاد هذا التوصيف في القرار الأممي، إلى أن نجحت السعودية وقطر بنقل النقاش إلى نيويورك نهاية العام 2014، وهناك اتبعت بعثة لبنان في الأمم المتحدة في نيويورك سياسة السكوت عن الأمر وعدم معارضته، فمر مشروع القرار متضمناً تسمية حزب الله بالاسم، فجاءت الفقرة بعد جلسة نيويورك كالتالي:

"يدين (المجلس) بشدة تدخل جميع المقاتلين الإرهابيين الأجانب في الجمهورية العربية السورية والمنظمات التي تقاتل باسم النظام السوري، ولا سيما ميليشيات مثل حزب الله وعصائب أهل الحق ولواء أبو فضل العباس، ويعرب عن القلق الشديد لأن مشاركتها تزيد تدهور الوضع في الجمهورية العربية السورية، بما في ذلك وضع حقوق الانسان والوضع الانساني، مع ما لذلك من تأثير خطير على المنطقة".

في أولى جلسات عام 2015، وفي أول مناقشة للوضع السوري، حاول لبنان إزالة تسمية حزب الله من الفقرة من جديد، لكنه فشل وكان يواجه من قبل المجموعة الدولية التي كانت تتضامن معه سابقاً وتمنع التسمية بالسؤال التالي: إذا كانت بعثتكم في نيويورك لم تقف ضد التسمية فلماذا سنواجهها نحن؟

تحولت محطة نيويورك الى سابقة وباتت الفقرة التي تتضمن حزب الله بالاسم تعتمد في كل البيانات والقرارات الصادرة عن مجلس حقوق الإنسان طيلة العام الماضي، إلى أن وصلنا إلى الدورة الـ31 التي عقدت في آذار/ مارس الماضي، هنا طالبت السعودية بتعديل الفقرة التي تتحدث عن حلفاء النظام السوري كالتالي: "... ولا سيما ميليشيات مثل حزب الله الإرهابي اللبناني..." كما أضيف الحرس الثوري الايراني الى الفقرة.
كانت مهمة لبنان صعبة جداً في مواجهة هذه الحملة السعودية التي جاءت بعد أيام قليلة من تصنيف الحزب كمنظمة إرهابية في الجامعة العربية، وما زاد الأمر صعوبة أن هذه الدورة تزامنت مع تغييرات حصلت في مجلس حقوق الإنسان المكون من 47 دولة، فقد خرج عدد من الدول التي كانت تتضامن مع لبنان ودخلت دول أخرى مقربة من السعودية. 

إصرار سعودي على حزب الله دون سواه

جرت اتصالات مكثفة بين العراق والولايات المتحدة التي ضغطت بدورها على السعودية والمجموعة المقدمة للبيان ولا سيما بريطانيا التي تتكفل عادة بتقديم الاقتراح أمام المجلس، فتمت إزالة التنظيمات العراقية كافة من جهة، ووافقت السعودية بضغط أميركي غربي على عدم ذكر الحرس الثوري في البيان، عدا حزب الله، فقرار تصنيفه كتنظيم إرهابي صدر من الرياض مباشرة والمطلوب من أعلى سلطة في المملكة عدم التراجع عنه"، ووقف خلفها في هذا المسعى الدول الخليجية كافة (ولو لم تكن جميعها مقتنعة بالأمر) والمغرب.

المفاجأة جاءت من الولايات المتحدة التي التزمت الحياد، ولم تكن تعلق لا بهذا الاتجاه ولا بالاتجاه الآخر أثناء النقاشات المغلقة، لكن المفاجأة الأكبر أتت من إسرائيل التي عادة ما تستغل كل فرصة لوصف حزب الله "بالإرهابي الذي يقتل الأطفال في سوريا" بحسب تعبير المندوب الاسرائيلي، هذه المرة لم يعلق المندوب الإسرائيلي ولم يدخل في النقاش أبداً، وبدا الموقفان الإسرائيلي والأميركي، كمن فضل ترك الأمر للسعودية وبعض الدول العربية الأخرى "لأن أي تدخل إسرائيلي في هذا النقاش قد يعرقل المسعى السعودي، إذ ستتحول المسألة إلى مواجهة ثنائية بين لبنان وإسرائيل، كما يحصل كل مرة، الأمر الذي سيحرج بالتأكيد الدول العربية صاحبة مشروع تصنيف حزب الله إرهابياً"، بحسب توصيف دبلوماسي عربي في المجلس.

الموقف الروسي كان الأكثر عنفاً في دفاعه عن لبنان، في الاجتماع المغلق الذي ناقش مشروع القرار، عبرت المندوبة الروسية بغضب على الاقتراح ووجهت كلامها للدول الكبرى قائلة "لقد توقف بكم الزمن عند عام 2012 ولا تشعرون بأن هذه القرارات لم تعد تتماشى مع التغييرات التي تحدث في سوريا" وختمت "إن ما يجري هنا هو مضيعة للوقت" قبل أن تخرج من القاعة، الموقف الروسي حاز على دعم الصين والجزائر وأندونيسيا، فيما وقفت الدول الأفريقية على الحياد.

عند هذا الحد، تحول المسعى اللبناني إلى الدول الأوروبية، وتحديداً إلى بريطانيا، مقدمة المشروع، وفرنسا، التي تربطها بلبنان علاقات وثيقة و"لا تريد اتخاذ أي موقف في هذه المرحلة قد يؤدي إلى توتير الأوضاع في لبنان"، وتقاطع الموقف الفرنسي مع الموقف البريطاني والدول الأوروبية الموجودة في المجلس كافة، على أساس أن "تصنيف حزب الله منظمة إرهابية سينعكس سلباً على لبنان وقد يطيح بالاستقرار القائم"، بحسب الموقف الفرنسي، وأروبا لا تريد أي تحرك من شأنه ضرب الاستقرار "ما قد يدفع بمئات آلاف اللاجئين السوريين إلى محاولة الفرار من لبنان"، بحسب استنتاجات الدبلوماسي العربي.
تغلبت المصالح الأوروبية على الإصرار السعودي، وقامت بريطانيا صاحبة المشروع بشطب الجملة المضافة من قبل السعودية (حزب الله الإرهابي اللبناني) وأبقت على التسمية كما وردت في القرارات السابقة التي اعتمدت منذ محطة نيويورك، أي "التنديد بتدخل حزب الله في سوريا والذي يزيد من تدهور الأوضاع ويزيد من تدهور حقوق الانسان مع ما لذلك من خطر على المنطقة".

المسألة لم تنته عند هذا الحد، في منتصف شهر حزيران/ يونيو المقبل، سيعقد مجلس حقوق الإنسان دورة جديدة وسيطرح المشروع من جديد، وتتوقع الأوساط البدلوماسية في جنيف أن تعاود السعودية الكرة في طرح وصف حزب الله بالحزب "الإرهابي" من جديد.