حماس والأولويات: ماذا نريد؟

تطمح حركة حماس الفلسطينية لتحقيق كل أهدافها، تريد أن تحرر فلسطين، وتريد أن تكون على وفاق مع العرب وتركيا، تدوّر الزوايا كي لا تخسر شعرة معاوية مع إيران وإن كانت مجمل العلاقة هذه تشكل من وجهة نظرها إحراجا لا بد منه.

لم تعرف حماس في أسوأ أيام الشرق الأوسط كيف تحمي رأسها.
تسعى الحركة بكل ما أوتيت لتفادي إغضاب الجميع، وهي في آن عاجزة عن إرضاء أحد في ظل التناقضات الضخمة التي تحيط نفسها بها. تخشى أن تصدر بيانا يجلب عليها سخط السعودية، وتؤجل زيارة قد تستفز الإيرانيين، بينما غضب تركيا وقطر بالنسبة لها خط أحمر لا يمكن تخطيه، أمام كل هذا ووسط حقل الألغام القاتل تقف بعيدة عن حدود فلسطين، بعيدة جدا، تراقب سعير الشرق الأوسط الجديد ومهرجان الدماء الذي لا ينتهي، تنتظر ضوءا في نهاية نفق مدلهم السواد، لا أمل في نهاية قريبة له، تنتظر وتنتظر وتنتظر دونما جدوى. في غزة هي محاصرة بين فكي كماشة، إسرائيل من جهة تعصرها، وجارتها الغربية مصر متوجسة منها.  في الضفة هي تحت عين الاحتلال المباشرة، لا يسمح لها حتى بالشهيق والزفير، كل من يحمل الراية مصيره مكان خلف الشمس. في الخارج، ضائعة هي بين المنافي، يحمل مسؤولوها حقائب الهجرة من مكان إلى مكان، أسيرة المواقف بغض النظر عن تقييمها، طريدة الالتزامات دون النظر إلى فحواها، ضحية نفسها وأولوياتها الضائعة بين الداخلي والخارجي. لم تعرف حماس في أسوأ أيام الشرق الأوسط كيف تحمي رأسها، كان الحلم بأن تصبح جزءا من إمبراطورية الإخوان المسلمين بعد الربيع العربي، من المغرب إلى تونس إلى ليبيا ومصر واليمن وصولا إلى سوريا، لكن حساب الحقل لم يوافِ حساب البيدر، كان تهاوي الدومينو مصيبة عليها فهي وضعت كل البيض في سلة وتركت جانبا سلة لطالما احتضنت كل بيضها. متمسكة هي حماس بجذورها، وهي لا تنفي أنها في يوم من الأيام مارست التقية السياسية مع أطراف محور المقاومة، ، حينها لم يكن السؤال المذهبي مُلحاً كما هو اليوم. وقتها لم يكن التحالف مع إيران تهمة تخجل بها حماس، ولا كانت سوريا قد دخلت أتون فتنتها التي تبدو كقطع الليل المظلم، ولا كان حزب الله قد دخل الحرب السورية بما أثاره ذلك الدخول من جدل لم ولن ينتهي لسنوات. كانت صور رئيس المكتب السياسي في حماس خالد مشعل والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله والرئيس السوري بشار الأسد والمرشد الإيراني آية الله علي خامنئي متكررة، بل وكانت سهرات دمشق بين قادة القسام والضباط الإيرانيين ومسؤولي حزب الله تمتد حتى صلاة الفجر حيث كانوا يضعون معا الخطط التدريبية والتسليحية وينتظرون وصول الشحنات وغيرها. كانت البوصلة بالنسبة للجميع هي فلسطين، لذا لم يكن لدى أحد الوقت ليفكر فيما عدا ذلك. قد يقول قائل إن حماس كحزب الله كالجهاد الإسلامي، كلها حركات مقاومة شعبية وكما يمكن لحزب الله أن يقرر الدخول إلى سوريا فبإمكان حماس والجهاد الخروج من سوريا، ولا ضير إن بقي بعض المقربين من حماس في المخيمات يقاتلون جنبا إلى جنب مع المعارضة المسلحة، بل وما المشكلة في أن تأخذ حماس موقفا ضد النظام وضد المحور بأسره طالما أنها تتماهى مع موقفها ولا تجد حرجا في الدفاع عنه. بإمكان حماس أن تنتظر بيان الخيط الأبيض من الخيط الأسود، لكنها في عصر انتظارها الذي لا يبدو له من نهاية ستبقى عالقة في التيه، ومن يتقاطعون معها عقائديا لا يشبهونها سياسيا ونضاليا. فتركيا مثلا عاجزة عن التملص من التزاماتها الأطلسية مهما رفع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من خطابه، بل هي ذاهبة بخطى واثقة نحو إعادة التطبيع مع إسرائيل، عدو حماس الأول. أما قطر حيث حطت القيادة السياسية للحركة رحالها فهي وإن أغدقت مالا تشغيليا للمؤسسات فهي وإن وضعنا جانبا علاقتها بإسرائيل، لديها التزاماتها مع الغرب والتي تمنع استخدام أموالها في شراء سلاح للمقاومة. من أيضا؟ خلال السنوات الماضية جرت محاولات عديدة للتقريب بين حماس والمملكة العربية السعودية، لكن المحاولات لطالما باءت بالفشل، هو الأمر عينه بالنسبة لمصر وكذلك الأردن، كلها دول قد تفتح حوارا، وقد تستقبل وفودا، حتى ماليزيا بإمكانها أن تكون مستقرا لقيادة حماس السياسية، لكن السؤال يبقى من أين يأتي السلاح؟ لطالما قالت كتائب القسام للقيادة السياسية في حماس، اتفقوا مع من شئتم لكن اتونا بالسلاح. ليس هذا سرا من الأسرار، هو واقع منطقي تفرضه حقيقة أن حماس حازت مشروعيتها الحقيقية عبر المقاومة، السياسة لم تكن يوما سوى جناح مفاوض للمقاومة العسكرية. القسّام بالنسبة لحركة حماس هو تماما كالنيل بالنسبة لمصر، ومصر من دون النيل صحراء قاحلة، وحماس من دون القسام صورة لا يمكن تخيلها، والقسام بدوره من دون سلاح نوعي مجرد فصيل آخر يضاف إلى عشرات الفصائل الفلسطينية التي تضع على رأس شعاراتها تحرير فلسطين دون أن تكون قادرة حقا على استرجاع حبة تراب واحدة. أمام قيادة حماس تحدي ترتيب الأولويات، ربما الجملة الأولى التي يجب أن تطرح في المؤتمر القريب للحركة هي "ماذا نريد؟" ماذا يريد القسام من حماس، وماذا تريد حماس من القسام، وماذا تريد حماس من المحيط. هل تريد حماس الانتظار حتى يستتب الوضع في المنطقة، حتى يكون التغيير مساعدا على إعادة بلورة مقاومتها لإسرائيل ضمن مشروع عربي إسلامي شامل؟ ربما هناك من يطرح هذه الأولوية داخل حماس، لكن عليه حين طرحها أن يسأل أسئلة أخرى موازية، من الذي سيتولى التغيير، ومن الذي سينتصر، والأهم أين موضع إسرائيل من المنتصرين والمهزومين بعد إنجلاء الغبرة. في المقابل هناك من يقول إن حماس عليها أن تضع جانبا كل الاهتمامات الإقليمية وتركز على هدف واحد أحد، المقاومة ضد إسرائيل.  لهذا الخيار إيجابياته وسلبياته، هو سيموضع حماس حركة فلسطينية مقاومة تأكل وتشرب وتتنفس مقاومة، خارج إطار أي ارتباطات عقائدية أو جغرافية، بعيدا عن حساب الرأي العام ومقالات الهجاء والمديح، لكنه بطبيعة الحال بحساب الأولويات سيخدم المشروع الذي وجدت من أجله حماس يوما من الأيام، لكنه دون شك خيار صعب أيضا لأن مرتباته تحمل أثمانا باهظة على صعيد العلاقة مع بعض الإقليم على حساب البعض الآخر. تحتاج حماس للحسم في تموضعها، وللحزم في تثبيت خياراتها داخل الحركة بين المسؤولين وأصحاب التأثير الأقوى، هكذا تضمن أن جسمها متسق وقوي وعندها تنطلق للمرحلة الثانية وهي مصارحة الرأي العام بخلفيات خياراتها. ربما تخرج أصوات هنا وهناك تنتقد أو تمدح، الأفضل في مثل هذه الحالات أن تستعد حماس بإنبات جلد تمساح سميك فوق جسدها، بذلك تتحاشى ردات الفعل وتركز أكثر على الفعل.