ثلج وقيظ تحت سقف موسكو

تنغمس موسكو المتوجسة في صراع الشرق الأوسط أكثر، بينما تترك لخبراء الخرائط في المبنى الستاليني الذي يضم وزارة خارجيتها، وهو واحد من النجمات السبع، رسم الرؤية الروسية لما سيكون عليه الشرق الأوسط في ختام الصراع. الأصل أن ينتهي الصراع، والتدخل من وجهة النظر الروسية هدفه شق الطرق الأنسب والأقصر للوصول إلى تسوية تناسب رؤيتها، لذا فهي حيثما يتطلب الأمر مرونة لا تجزع وحيث يتطلب تشددا لا تبخل، لأنها تعرف أنه في نهاية المطاف النصر في مثل هذه الصراعات الطويلة حليف أصحاب العقول الباردة لا القلوب الحارة.

في نهاية المطاف النصر في الصراعات الطويلة حليف أصحاب العقول الباردة لا القلوب الحارة
في مدينة الهضاب السبع؛ سبع نجمات ترمز كل واحدة إلى هضبة. موسكو ليست مدينة عابرة تمر بجانبها دون اثر، تترك في الزائر ما يشبه الشامة في الذاكرة تجعله لا ينسى أنه في يوم من الأيام كان هنا. لا مكان للانطباع الأول في روسيا، فالانطباعات كثيرة ومتعددة، لا يمكن الحكم من اللحظة الأولى على ما ستكون عليه التجربة.
هي مدينة تتقمص التاريخ في معظم زواياها، حتى عندما ترغب في إظهار عصريتها، كما في ركنها المسمى المدينة، تبدو مصرة على موضعته وسط لوحة من التراث العمراني المتعدد العصور ليكون العصري بدوره جزءاً من بانوراما مشهدية لخط زمني طويل.
الطريق إلى موسكو من بيروت المتوجسة، عبر اسطنبول المنغمسة، يلخص بدوره صورة من صور روسيا في علاقتها مع الشرق الأوسط. صحيح إنها انكفأت لسنوات ما بعد انهيار الإتحاد السوفياتي الحاضر فيها حتى اللحظة، لكنها كانت ترتب أوراقها ليوم يشبه هذا اليوم، حين يفرض الإنكفاء التوجس خيفة من تطورات غير متوقعة وليصبح التوجس لاحقا دافعا للانغماس التدريجي والانقضاض على فراغ إذا ما تُرك طويلاً سيجد من يملؤه وربما يتحول لاحقا إلى تهديد حقيقي للدولة الكبرى.
لكن روسيا في انغماسها تشبه طقسها، صيف وشتاء تحت سقف واحد، ثلج وقيظ، تتصبب عرقا بينما يتطاير من حولك لقاح الأشجار الذي يشبه حبات الثلج، تلقّح روسيا بتناقضات علاقاتها رؤيتها في المنطقة، تُهدي المرشد الإيراني آية الله علي خامنئي مصحف الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان بما يمثل من رمزية تاريخية، وتُعيد إلى إسرائيل دبابة أسرتها القوات السورية في منطقة السلطان يعقوب وأهدتها دمشق إلى موسكو.
تقف موسكو هنا بين طهران وتل أبيب، وبين الاثنين جبال من العداء وتضارب المصالح، أعداء بأصالة الصراع ونيابة الأهداف، تهديد وجودي بعناوين مختلفة، لكن موسكو تقرر أنها تستطيع المشي بين الألغام والتوفيق في علاقتها مع الاثنين غير آبهة ما قد تترك من أثر عند هذا أو ذاك، فالسياسة في القاموس الروسي لا تردافها المشاعر.
لا تقطع مع الرياض كما هي حليفة لدمشق، والرياض ودمشق اليوم في معركة قاتل ومقتول، حرب بقاء لا يبدو لها في الأفق من نهاية، وروسيا أضحت جزءاً من الحرب الكبرى بقرارها لكنها رغم ذلك تأبى القطع لأنها تحارب بعقلها لا بقلبها. تنغمس موسكو المتوجسة في صراع الشرق الأوسط أكثر، بينما تترك لخبراء الخرائط في المبنى الستاليني الذي يضم وزارة خارجيتها، وهو واحد من النجمات السبع، رسم الرؤية الروسية لما سيكون عليه الشرق الأوسط في ختام الصراع.
الأصل أن ينتهي الصراع، والتدخل من وجهة النظر الروسية هدفه شق الطرق الأنسب والأقصر للوصول إلى تسوية تناسب رؤيتها، لذا فهي حيثما يتطلب الأمر مرونة لا تجزع وحيث يتطلب تشددا لا تبخل، لأنها تعرف أنه في نهاية المطاف النصر في مثل هذه الصراعات الطويلة حليف أصحاب العقول الباردة لا القلوب الحارة.