على هوى واشنطن ثوب "للنصرة" جديد
قصة فصل النصرة عن القاعدة بدأت واشنطن بتداولها السنة الماضية حين اعترضتها مسألة فصل النصرة عن "المعارضة المعتدلة"، بناء على تفاهمات فيينا وميونيخ. ولم يجرِ التداول على شكل طلب أميركي للقاعدة والسعودية، إنما جرى على شكل تبنّي الرؤية السعودية للنصرة بأنها نتاج "نظام الأسد" تذهب بذهابه وأن قتالها يقوّي النظام ويؤدي إلى "حرب أهلية بين الثوار".
معضلة النصرة قد تكون سبباً في تعطيل مجمل التفاهم الروسي ــ الأميركي أو تأجيله إلى أمد غير منظور على الرغم من حديث ستافان دي ميستورا عن استئناف المفاوضات في جنيف نهاية الشهر ومباحثاته في طهران. فالخارجية الروسية تعود كل يوم تقريباً إلى التذكير بأن واشنطن لم تلتزم بتعهداتها في هذا الشأن. ولا يبدو أنها مستعدة للسير في هذا الاتجاه، بل على العكس من ذلك تشير مناورة تغيير اسم "النصرة" إلى بداية ما يشبه التحالف في مشروع أميركي لمستقبل سوريا والمنطقة.
واشنطن لم تصنف النصرة على لائحة الإرهاب بسبب إرهابها في سوريا، بل دعمتها في سوريا من خلال دعم "المعارضة المعتدلة" التي تحتل النصرة فيها موقع الصدارة. وظلّت واشنطن على الدوام تميّز بين القاعدة ذات الامتدادات التي تصل إلى حلفاء واشنطن (قاعدة خراسان، قاعدة العولقي في اليمن) وبين القاعدة التي تقاتل أعداء واشنطن وخصومها. وفي هذا السبيل راهنت واشنطن على تغيير سلوك النصرة في القطيعة التنطيمية مع القاعدة عملاً بباقي الجماعات المسلّحة الأخرى التي يصنّفها تحالف واشنطن "معارضة معتدلة". تغيير اسم النصرة هو الدلالة البيّنة على تغيير السلوك في الانتقال العملي من إرث "الجبهة العالمية لقتال اليهود والصليبيين" (بحسب بيان 1998) إلى ما يسمى "قتال العدو القريب". وهو كما عبّر عنه القيادي في "جبهة فتح الاسلام" الجديدة لتركيز الجهود على الشأن السوري. ففي هذا الاتجاه تستعيد هذه الجبهة ما بدأت به باكورتها المصرية فيما سماه محمد عبد السلام فرج العام 1982 "الفريضة الغائبة" وهي الاقتتال الداخلي عوض قتال اسرائيل والغرب. ولعل في هذه العودة بصمات مؤثرة لسيف العدل المصري وأبو الفرج المصري وغيرهما من القياديين الأوائل.
ربما يتعذّر على واشنطن إنقاذ النصرة في حلب، بعدما ضاقت على حلفائها الخيارات ولا سيما بعد مأزق الرئيس التركي في حساباته الغربية وميله باتجاه الشرق نحو روسيا. لكن واشنطن ربما تعوّل على نجاح النصرة في ابتلاع الجماعات القريبة كما تقول صحيفة "التايمز" البريطانية. (أحرار الشام، جيش الاسلام، نورالدين الزنكي....) أملاً بتسوية تسمح لهذه الجماعات بالانتقال إلى إمارة إدلب على الأرجح. وربما تطرق رئيس هيئة الاركان جوزيف دانفورد إلى هذا الاحتمال في أنقرة لدغدغة تركيا الطامعة بحصة في سوريا.هذه التحركات التي تصطف فيها النصرة بامتداداتها السعودية وغيرها مع واشنطن في سوريا، هي توافق على الأسماء بين الأهل والأقارب. لكنها لعبة لا تستهوي العارضين عن ظاهر الأسماء إلى جذور المسميات.