ما هو السيناريو اللاحق لدخول روسيا إلى سوريا؟
بوتين نفسه يقول إنه يريد إعادة الاعتبار لبلده وتأمين العيش الرغيد لشعبه وإقامة علاقات نزيهة ومُتكافئة مع كل أمّم العالم، لكن ذلك يتطلّب مُراعاة مصالح روسيا واحترامها من قِبَل الجميع. عندما فرط عقد الاتّحاد السّوفياتي لم يبقَ لروسيا موطئ قدم في الخارج سوى في طرطوس،، فهل يُمكن لصاحب الكرملين أن يفقد هذا الموطئ؟
التاريخُ شاهد على مرِّ العصور على ازدهار أممٍ وانحطاط أخرى، ظهور حضاراتٍ واندثار أخرى، لكن ثمةَ إمبراطوريات صمدت عبر الأزمان والمِحَن. روسيا واحدة منها. هذا البلد غدا إمبراطورية ودولة عُظمى قبل حوالى 300 سنة، أي قبل أميركا بمئة سنة، لذا من السابق لأوانه دفن روسيا كقوّة عُظمى من النمط الأول. الأممُ الكبرى تمر بفترات مُتفاوِتة. روسيا غَدَت عظيمة في عهد القيصر بطرس الأكبر وظلَّت كذلك في فترة حكم الإمبراطورة يكاتيرينا العظيمة، وبلغت عصرها الذهبي في عهد الإمبراطور المُصلِح ألكسندر الثاني، أما في العهد السوفياتي فقد غَدَت القوّة الأولى في العالم في مجالات عدّة مُتفّوقة على الولايات المتحدة.
لماذا هذه المُقدّمة؟ لأن بوتين اهتدى بإرث آبائه وأجداده عندما قرَّر دخول سوريا، ولأنه أراد أن يدخل تاريخ الأمّة الروسية كما فعل أسلافه. الرجل إسمه فلاديمير، على إسم الأمير فلاديمير واضع حجر الأساس لأوّل دولة روسية قبل أكثر من ألف سنة، لكن إسم فلاديمير مُشتقّ من كلمة فلادي وتعني مالك وكلمة مير وتعني عالم، إذاً هو مالِك العالم أو صاحب العالم، بوتين نفسه يقول إنه يريد إعادة الاعتبار لبلده وتأمين العيش الرغيد لشعبه وإقامة علاقات نزيهة ومُتكافئة مع كل أمّم العالم، لكن ذلك يتطلّب مُراعاة مصالح روسيا واحترامها من قِبَل الجميع، ولروسيا مصالح وتطلّعات تاريخية في المياه الدافئة التي توصلها بالشرق الأوسطِ،، وعندما فرط عقد الاتّحاد السّوفياتي لم يبقَ لروسيا موطئ قدم في الخارج سوى في طرطوس،، فهل يُمكن لصاحب الكرملين أن يفقد هذا الموطئ؟
كَثُرَت الأحاديث والتنبّؤات والافتراءات عما يمكن أن تؤدِّي إليه العملية العسكرية الروسية في سوريا. قبل الرّد على هذا السؤال يجب أن نُقيِّم ما الذي أدّت إليه حتى الآن: ـ قلبت الطاولة على واشنطن وحلفائها؛ ـ أنهكت الجماعات المُسلّحة وقلَّمت أظفار داعش في سوريا؛ ـ مكّنت العراق من تحقيق انتصارات كبيرة على داعش؛ ـ حالت دون انهيار الدولة السورية وتفتيتها؛ ـ عزَّزت قُدُرات المقاومة ودعمت موقف إيران السياسي والاقليمي؛ ـ أثبتت أنه لا يمكن حل أية قضية مُهمة في العالم من دون روسيا؛ ـ أوقفت ثورات "الربيع العربي" الزائِف؛ ـ فرضت مُعادلة العالم المُتعدّد الأقطاب؛ ـ فضحت زَيف سياسة الغرب في الدفاع عن حقوق الإنسان؛ ـ عرَّت سياسة استغلال الإرهاب من قِبَل واشنطن والقوى الاقليمية لقلب أنظمة الحكم في المنطقة؛ ـ وضعت تركيا على المِحكّ في ما يتعلّق بعلاقاتها مع حلفائها الأطلسيين والاقليميين؛ ـ أبعدت خطر وصول الجماعات الإرهابية إلى أراضي روسيا وتُخومها؛ ـ أظهرت القدرات العسكرية الكبيرة للجيش الروسي ونجاح موسكو في تحديث ترسانتها.
ومن الطبيعي أن يُطرَح سؤال: ما هو السيناريو اللاحق لدخول روسيا إلى سوريا؟ الإجابة واضحة كوضوح الشمس، ترسيخ النتائج الواردة أعلاه يتطلّب استمرار النهج الروسي، بل مُضاعفة الجهود لحسم المعركة مع الإرهاب عسكرياً تمهيداً لحل سياسي على أساس الشرعية الدولية واحترام سيادة الدول التي تؤمن بها روسيا ويعتبرها بوتين من المُقدّسات. في الكرملين يريدون الحل سورياً، فهل عَظَمَة روسيا رهن صمود سوريا؟