ما هو برنامج المعارضة السورية المعتدلة
على أهمية الشخصيات ودورها وتأثيرها، يعرف المحللون والمتابعون السياسيون أن جوهر الصراعات السياسية لا يدور حول هذه الشخصية أو تلك في قمة السلطة، أو في صفوف المعارضة، بل حول البرنامج السياسي وما يتضمنه من مقاربات اقتصادية واجتماعية وثقافية تحدد شكل الدولة.
ولو حاولنا تجميع ما تناثر من تصريحات على لسان المعارضة المذكورة على مدار سنوات الأزمة، لوجدنا أنفسنا أمام لوحة لا تختلف كثيراً عن برنامج المعارضة العراقية كما أفضت إليه الأحداث والتطورات التي تلت العدوان على العراق وتحطيم دولته المركزية.
ويمكن مقاربة هذا البرنامج وفقاً للتطورات الأولية لما عُرف بمشروع الشرق الأوسط الجديد، وملخصّه إنهاء الشكل السابق للدولة العربية وانهاء نواظمها المركزية (الجيش، الطبقة الوسطى، الهوية الجامعة، الرعاية الاجتماعية وخاصة في التعليم والصحة).
وقد دخل هذا المشروع حيّز النقاش والترجمة الساسية بعد الإنهيار السوفياتي باعتباره دولة شمولية، وصارت العديد من البلدان العربية (المركزية) المستهدفة توصف بالشمولية ومنها العراق وسوريا ومصر وليبيا والجزائر، بل أن العديد من البلدان الصديقة للولايات المتحدة والغرب صنّفت كذلك بيروقراطية ذات ملامح شمولية.
تأسيساً على ذلك، جرى ربط الشمولية بالدول المركزية وصار مطلوباً منها (سلماً أو حرباً) تفكيك نفسها وصولاً إلى الحالة التي فرضت على العراق بعد العدوان عليه مقدمة لتقسيمه في نهاية المطاف، وتبيّن أن بدائل (الشمولية) العربية ليس الدولة الديمقراطية على غرار فرنسا أو بريطانيا، بل النموذج العراقي كما صمّمه وصاغه نوح فيلدمان (يهودي أميركي) يوصف بمهندس (الدول الجديدة) في الشرق الأوسط.
وبموجب هذا النموذج تحوّل العراق من دولة مركزية إلى دولة فدرالية برسم التقسيم، ابتداء من نظام المقاطعات أو الإدارات الحكومية المحلية، كما جرى تقليص الجيش وتوسيع الدرك، ورفع كل أشكال الدعم الإجتماعي للسلع والخدمات الأساسية. والأخطر من ذلك ما أفضى إليه التفكيك السياسي من تفكيك إجتماعي عزّز الهويات الفرعية وخاصة الطائفية.
هذا هو فحوى برنامج أيّة معارضة عربية تضع نفسها في الخندق الأمريكي، ومنها المعارضة السورية التي توصف بالمعتدلة وملخصه: -1- إنهاء التدخل الحكومي في الإقتصاد. -2- الحكومات المحلية باسم اللامركزية الإدارية. -3- وباسم الخصوصيات (الهويات الفرعية في الواقع) إضعاف الهوية القومية. -4- توسيع الدرك وتقليص الجيش وربط ذلك بالأوهام التي يعاد إنتاجها بين الحين والحين فيما يخص مناخات السلام والتسوية المزعومة مع العدو الصهيوني. ويلاحظ في كل مرّة أنه بقدر ما يجري تطويق (خطاب المقاومة) واعتباره هدراً لإمكانيات الأمة بقدر ما تشتعل الحروب الداخلية أو البينية بين البلدان العربية , وتهدر فيها الإمكانيات وتسفك الدماء. وفي الحقيقة، فإن الكتالوج السياسي المذكور المصمّم أميركيّا لكل (المعارضات العربية) البديلة (للدولة الشمولية) لا يعود وحسب إلى مطلع التسعينات من القرن العشرين بعد انهيار أكبر الشموليات في العالم (الإتحاد السوفياتي)، بل إلى قبل ذلك بعقود.
ومما يذكره الصحفي الكبير، محمد حسنين هيكل، أن أميركا التي تصوّرت جمال عبد الناصر ضابطاً من نمط ضباط أميركا اللاتينية قابلا للإحتواء بثمن بخس، قدمت له مشروعاً مماثلاً كما تلهث خلفه المعارضات العربية المذكورة بما في ذلك مناخات السلام المزعومة بدلاً من تطوير الجيش المصري.
لقد كانت في كل مرة تحدثت فيها عن تقليص الجيش تغذّي (من تحت الطاولة) جماعات مسلحة من جماعات (الهويات الفرعية الطائفية) المستفيدة من الغياب الإجتماعي للدولة. كما كانت في كل مرة أيضاً تتحرك عبر الليبراليين سياسياً، وعبر البنك وصندوق النقد الدوليين كرافعة لسياسات (السوق الحرة) وتحطيم الطبقة الوسطى، رابطة ذلك برفع الصوت عن حقوق الإنسان كمادة للتوظيف ضد هذه الشمولية او تلك.