عفوك شعب سوريا الحبيب
أكرر ماقلته قبلاً أني كمواطن سوري مستقل، اعتبرت منذ أكثر من عام أن السيد دي ميستورا لم يعد مبعوثاً للأمم المتحدة بقدر ما هو منسق مواقف الدول الراعية للصراع. واعتبرت أنه لم يعد جزءاً من الحل بل من المشكلة. لذا أرفض المشاركة في حفلة وداع دي ميستورا التي تجري بنفاق جماعي دولي وإقليمي وسوري.
وفي الحقيقة فإن مخضرم الدبلوماسية الروسية السيد سيرغي لافروف هو أفضل من فهم نقاط الضعف والقوة عند دي ميستورا، فوظفها بشكل ممتاز بما يتناسب مع الرؤية الروسية للحل السياسي. قال لي وليد البني يوماً: لم يكن عندي أوهام باستقلال قرار المجلس الوطني أو الائتلاف، لذا طالبت بواقعية أن يكون في كل هيكل 15 بالمئة من أصحاب القرار السوري المستقل، وعندما فشلت، تقدمت باستقالتي. وقال الفقيد حسين العودات: يجب أن ينجح مؤتمر القاهرة لأنه آخر مؤتمر مستقل للمعارضة السورية. وعندما طالبت مجلس الأمن بمكان لمؤتمر القاهرة في المفاوضات، استاء الطرف المصري واعتبرنا نضعه في حرج مع حلفاء مصر، فلم استمع لاعتراضهم.
كذلك عندما طُلب منا، روسياً وأميركياً، بعدم وضع أي كوردي في الوفد الذي نشكله. قاطعت وعدد من رموز القاهرة الأساسية المفاوضات.
قدّم وزير الخارجية المصري ومسؤول الملف السوري وقتئذ وعداً للسيد لافروف بإحضار وفد باسم القاهرة بالشكل الذي طلبه.
وتم ذلك. وفقدت تجربة القاهرة عذريتها المستقلة بحضور من رضي بالشروط المصرية. فالقاهرة ليست فقط وثائق تشرفت بإعدادها، وإنما أيضاً القرار السوري المستقل. لم أعتبر السلبية في حياتي موقفاً بناءً، لذا سعينا كديمقراطيين أصحاب سيادة على قرارنا لعقد مؤتمر للمعارضة السورية للمنصات الثلاث وشخصيات وطنية مستقلة منذ شهرين. لأن التفويض للهيئة العليا لعام واحد وانتهى في كانون الأول/ ديسمبر 2016، ومنصة موسكو هي اجتماع تشاوري بين السلطة والمعارضة، ومنصة القاهرة تم اختطافها كما أسلفت بجهود مصرية روسية مباركة.
لكن دي ميستورا رفض حتى الاجتماع بمن ينظمه، بطلب من دولة فاعلة. ثم أحال الموضوع للسيد رمزي رمزي الذي تحدث مع أحد أعضاء الفريق عن أنه قادر على الاجتماع بعد يومين من التاريخ المحدد لاجتماعنا. طبعاً لم يتصل السيد رمزي حتى اليوم، وجرت عملية إجهاض الاجتماع قبل شبه المفاوضات الحالية. لكن مؤامرات العالم لن تنجح في منعنا كسوريين مستقلي الإرادة والقرار من عقد مؤتمر وطني ديمقراطي لمختلف أطراف المعارضة السورية، من دون دولارات ولا خواجات ولا موبايلات، كما قلت يوما للسيد روبرت فورد. رغم كوني آخر سوري يزور موسكو، بعد وفد أنطاليا ووفد المجلس الوطني، كان بعض المعارضين يتبجح بأنني رجل موسكو.
وللعلم، كان قرارنا، عبد العزيز الخير ورجاء الناصر وأنا، أن تكون زيارة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وإيران والصين قبل أول زيارة لموسكو، وهكذا حدث. بعد 30 أيلول/ سبتمبر 2015 بشهرين، قلت للسيد قدري جميل في دعوة لنا من الصديق خالد المحاميد على الغداء في القاهرة، بأنني لن أذهب إلى موسكو حتى يعطي الطرف الروسي الدليل الملموس على أنه يريد أن يكون وسيطاً وليس مجرد طرف. ولكنني لا أمانع من الاجتماع بالخارجية الروسية في أي بلد محايد. وقد رفضت عدة دعوات لموسكو كان آخرها الدعوة لاجتماع 27 كانون الثاني/ يناير 2017. حتى أن سفيراً روسياً قال لي مؤخراً: هل تزاود على الإئتلاف الذي يزورنا، فقلت له هذا موقف مبدئي لا مزاودة ولا مناقصة، لقد أطلقت على الدستور العراقي اسم دستور بريمر، وها أنتم تقدمون مشروع دستور للسوريين الذين شاركوا بوضع دساتير أكثر من ست دول... عيب. لقد كان موقفنا مع دور للأمم المتحدة دون أوهام، لعلمي بأن هذه المنظمة لم يكن لها الفضل في إنهاء معظم الصراعات التي تدخلت لحلها. لذا أيدنا عقد اجتماع أستانة. وقلت للأطراف الراعية لاجتماع أستانة التي اتصلت بتيار قمح، نحن مع أية مفاوضات لوقف العنف الأرعن والموت المجاني للإنسان السوري.
ولكن موضوع وقف إطلاق النار، يجب أن يربط بشكل واضح بوضع أجندة وخارطة واضحة لخروج كل المقاتلين غير السوريين من أي بلد أتوا ولأي طرف انضموا. لأن وجود أكثر من سبعين ألف مقاتل غير سوري على الأراضي السورية يعني استمرار الحرب والعنف لأكثر من عقد من الزمن. أخيراً وليس آخراً، أكرر ماقلته قبلاً، كمواطن سوري مستقل القرار اعتبرت منذ أكثر من عام أن السيد دي ميستورا لم يعد مبعوثاً للأمم المتحدة بقدر ما هو منسق مواقف الدول الراعية للصراع. واعتبرت أنه لم يعد جزءاً من الحل بل من المشكلة. لذا أرفض المشاركة في حفلة وداع دي ميستورا التي تجري بنفاق جماعي دولي وإقليمي وسوري.