مؤتمر طهران وإحياء القضية الفلسطينية
جاء الخير من إيران التي ما زالت تتمسّك بحقوق الشعب الفلسطيني وبعدم شرعية وجود الكيان الصهيوني. ألزمت إيران نفسها بتحرير فلسطين منذ أن انتصرت الثورة الإيرانية عام 1979، وعملت ما بوسعها للتضييق على إسرائيل.
لا شك أن
مكانة القضية الفلسطينية قد تراجعت بصورة خطيرة جداً على الساحتين العربية
والدولية، وأن الاهتمام بحقوق الشعب الفلسطيني قد تقلّص وانحدر. وكان من المفروض
أن يبادر أصحاب القضية إلى إحياء قضيتهم من جديد والعمل على استقطاب التأييد
لحقوقهم. لكن يبدو أن أصحاب القضية يشكّلون عاملا ً أساسياً ورئيسياً في تدهور
مكانة قضيتهم بخاصة أن بعضهم قد اعترف بإسرائيل وينسّق معها أمنياً ويلاحق
المقاومة الفلسطينية والمناضلين والمجاهدين. لقد أساءت السلطة الفلسطينية ومعها
الفصائل الفلسطينية إلى الفلسطينيين ومزّقت أواصرهم، وأدخلتهم في متاهات الإحباط
الذي يكاد يُلامس اليأس. الفصائل اجتمعت في بيروت ومنّت الشعب الفلسطيني بقرب
الفرج وتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية، لكن الشعب لم ير شيئاً إيجابياً يتبلور
على الأرض ولم ير تنفيذاً لأي بند من بنود الاتفاق أو البيان الذي صدر في نهاية
الاجتماع.
جاء الخير
من إيران التي ما زالت تتمسّك بحقوق الشعب الفلسطيني وبعدم شرعية وجود الكيان
الصهيوني. ألزمت إيران نفسها بتحرير فلسطين منذ أن انتصرت الثورة الإيرانية عام 1979،
وعملت ما بوسعها للتضييق على إسرائيل. وأبرز ما قامت به إيران هو دعم المقاومة في
لبنان وفلسطين. ولأول مرة في تاريخ الصراع يتذوّق العربي طعم النصر على الكيان
الصهيوني. انتصرت المقاومة اللبنانية على الكيان الصهيوني، وتمكّنت المقاومة
الفلسطينية من إفشال ثلاثة حروب متتالية شنّها الكيان على قطاع غزّة. وكان جزء
كبير من الفضل في الإنجاز يعود لإيران التي موّلت المقاومة وزوّدتها بالسلاح، وزوّدتها
أيضاً بالمعرفة العلمية اللازمة لتطوير الأسلحة.
والآن في
ظلّ التدهور الذي تشهده قضية فلسطين، وفي ظلّ تبلور التحالف العربي الصهيوني
القديم وخروجه إلى العلن تقف إيران في وجه الطُغاة والبُغاة والظالمين وتعقد
مؤتمراً دولياً لنصرة شعب فلسطين متحدّية كل القوى التي تعمل على تصفية القضية.
ولهذا من المفروض أن يتوجّه الشعب الفلسطيني بالشكر والامتنان لإيران على هذا الجُهد
وهذا الالتزام الذي لا يروق للعديد من الفلسطينيين والعرب. اجتمعت في طهران
شخصيات ومؤسسات وأحزاب وبرلمانات وتنظيمات من حوالى 80 دولة لنُصرة القضية
الفلسطينية. وافتتح المؤتمر مرشد الثورة الإيرانية الذي ركّز في كلمته على اجتماع
المسلمين وتوحّدهم في مواجهة الاستكبار العالمي والغطرسة الصهيونية. كانت كلمته
وحدوية وجامِعة وتخاطب عقول الذين يصرّون على إبقاء المنطقة تحت الهيمنة الأمريكية
والنفوذ الصهيوني. وتقدّم أيضاً بطرح جديد مفاده أن إيران تقف مع كل مَن يقاوم
إسرائيل بغضّ النظر عن مشربه الفكري أو الديني أو السياسي.
ليس من
المتوقّع أن تلتزم الدول التي حضر منها ممثلون إلى المؤتمر بقرارات المؤتمر وتوجّهاته
لأنهم لا يمثّلون دولهم بالضرورة. هناك حكومات ستتأثر بآراء مواطنيها الذين حضروا،
وهناك حكومات لن تكترث وستتعامل مع قرارات المؤتمر وكأنها لم تكن. السبب يعود
أصلاً إلى أن العديد من دول العالم ذات حكومات استبدادية ولا تستمع لبرلمان أو
مجلس شعب، وتدير ظهرها للمعارضة وللآراء الحرّة والتي لا تتماشى مع سياساتها. لكن
مهما يكن عدد الحكومات التي ستلتزم فهذا يشكّل رصيداً للقضية الفلسطينية.
ويكفي
حقيقة أن يجتمع أصحاب الرأي والتأثير على هذا المستوى لتعود القضية الفلسطينية ذات
أولوية في النفوس والعقول والوجدان.سيعود المجتمعون إلى بلدانهم، ولن يبخلوا
بالترويج للقضية الفلسطينية والدفاع عن حقوق الشعب، وهم لن يبخلوا لأن وجود العديد
منهم يشكّل تحدياً للسلطات القائمة في بلدانهم وتمرّداً على سياسات دول عديدة
تناهض المؤتمر وتعاديه. حضور مثل هذا المؤتمر يشكّل تحدّياً، ويعبّر عن احترام
للمبدأ حتى ولو كان على حساب المصالح الخاصة. نحن نعلم أن دولاً كثيرة تتّخذ
إجراءات ضدّ مَن يقومون بنشاطات مُخالفة لسياساتها الداخلية والخارجية، وعادة تتّخذ
أجهزتها الأمنية إجراءات ضدّهم تؤثّر على مصالحهم الخاصة ورواتبهم وامتيازاتهم
وحقوقهم المدنية. وأكبر دليل على ذلك الدول العربية. مخابرات حكومات عربية تراقب
وتسجّل وتضع على اللوائح السوداء والحمراء، وتقرّر منع دخول أشخاص أو ملاحقتهم حتى
لو كانوا خارج البلاد.
هناك كتّاب
ممن حضروا ومحرّرو صحف ومجلات وإعلاميون وأصحاب نفوذ وتأثير في مجتمعاتهم، وأغلبهم
سيساهمون في بثّ الوعي حول القضية الفلسطينية ومستجداتها، وسيبثون وعيا حول ما
تقوم به دول عربية والسلطة الفلسطينية من تعاون مع الكيان الصهيوني وتطبيع وتنسيق،
وسيثيرون جدلاً ونقاشاً سينفع القضية الفلسطينية. وربما فيما إذا تواصلت اللقاءات
حول الهمّ الفلسطيني أن يتبلور رأي عام عربي على درجة عالية من الوعي لمُحاصرة
حكومات عربية فرّت من مسؤولياتها تجاه المُقدّسات العربية في فلسطين.
من ناحية أخرى،
يبرز سؤال موجّه إلى طهران وهو: هل ستساهم طهران بدعم الفصائل الفلسطينية اليسارية
والتي لديها الاستعداد لمقاومة الكيان الصهيوني مثل الجبهتين الشعبية
والديمقراطية؟ من ناحية المبدأ، الإجابة ستكون نعم لأن مرشد الثورة وضع مبدأً
واحداً فقط للحصول على الدعم الإيراني وهو مقاومة الصهاينة. وإذا قرّرت طهران
تقديم الدعم لهذه الفصائل فإنها ستحرّرها من نير السلطة الفلسطينية التي تمتلك
الأموال، وستحرّر إرادتها السياسية في اتخاذ المواقف التي تراها مناسبة. الدعم
الإيراني للجبهتين ضروري من أجل أن تخرجا من ركب أوسلو وتتميّزا عن أهل أوسلو
عملياً. الجبهتان الشعبية والديمقراطية ليستا جزءاً من أوسلو، لكن العوَز المالي
وضعهما على حافّته، وهما محتارتان بين الدخول في أوسلو برجلين اثنتين، وبين إخراج
الرِجل الداخلة من كل الصفقة. تقديم الدعم المالي للجبهتين يساعد كثيراً في إنعاش
المقاومة الفلسطينية.
من ناحية
أخرى، من المفروض الحذر من ردّ الفعل المُضاد من قِبَل الصهاينة والدول العربية
والأجنبية المُناصرة لهم. مثلما يقوم محور المقاومة بنشاطات التوعية وحشد الجهود
والطاقات، سيفعل محور المؤامرة ذات الشيء. أي أن إيران وفصائل المقاومة ستواجه
المزيد من الضغوط الخارجية والتشديد في الحصار والملاحقة.