إسلام أميركي بلا آفاق

بالرغم من القاسم المشترك الذي يجمع الجماعات الإسلامية في الحسابات الأطلسية والقوى التي تدعمهم، وهو التوظيف الاقليمي لهم، إلا أنهم ليسوا على (قلب رجل واحد) فهم مجموعة من التيّارات المُتضاربة في مرجعيّاتها (الفُقهية) والسياسية والتمويلية، بل وفي أشكال توظيفهم واستهدافاتها.

الجماعات الطائفية ترتبط باستراتيجية البافر ستيت (القواطع الطائفية المُسلّحة ) كما في إمارات القصير والقلمون ثم إمارات الرقّة والموصل
مُقابل عقود المأمون والترجمة والمُعتزلة، التي تلازمَت مع مرحلة صعود الأمّة ونهضتها، عرَفت بلادنا مراحل هبوط وانحطاط برزت فيها أشكال سياسية من إسلام الفِتَن الطائفية والحروب والانتحار الجماعي منذ عهد  المتوكّل وحتى يومنا هذا. 

ومن سِمات مرحلة الفِتَن الجديدة وعناوينها:

1.      التلازُم بين إسلام أميركي كتعبير عن الهمجيّات الدنيا، وبين الرأسمالية في ذروة انفجار توحّشها الذي يُسمّيه شبنغلر بـ(الهمجيّات العُليا)

2.      إن هذا الإسلام، كما لاحظ المُفكذر اللبناني، مهدي عامل، كان تعبيراً طائفياً وليس تعبيراَ دينياَ، فالدين جاء قبل الرأسمالية.

3.      التلازُم بين هذا الإسلام الأميركي والشركات الكبرى، بدءاً من شركة الهند الشرقية إلى شركة السويس، ثم شركات النفط والسلاح والمُجمّعات الصناعية الأميركية والأوروبية.

4.      التلازًم  بين هذا الإسلام ومشاريع واستراتيجيات "البافرستيت" (القواطع الطائفية المُسلّحة العازِلة) كما في أفغانستان وحال "داعش" في الموصل والرقّة  وحال (النصرة) في القلمون قبل سقوطها.

5.      التلازُم بين هذا الإسلام الأميركي وبين مناطق الصراع في أمبراطوريات البرّ (تركيا ثم روسيا) والامبراطوريات البحرية (بريطانيا ثم أميركا).

6.      تلازُم هذا الإسلام مع الأحلاف و المعاهدات الأطلسية.

7.      تلازُم هذا الإسلام الأميركي مع الخوصصة والأمركة  والأسرَلة (كامب ديفيد).

8.      تلازُم هذا الإسلام مع الصراع على سوريا كهدف دائم له، منذ عدنان مندريس في تركيا إلى تداعيات الانقلاب  الساداتي وكامب ديفيد، ثم الدور التركي في السنوات الأخيرة.

9.      تلازُم هذا الإسلام مع الصراعات الدولية والاقليمية على المنطقة، واختلاقه جماعات إسلامية لهذه الغاية في كل مرة :

-         اختراع قلم الاستخبارات البريطانية في شركة الهند الشرقية للوهّابية في إطار الصراع على وراثة الرجل العثماني المريض.

-         تحريض جماعات إسلامية مُسلّحة مُتحالفة مع القبائل ضدّ جيوش محمّد علي في سوريا.

-         تنافُس الأجهزة الاستخباراتية الأوروبية على اختلاق جماعات جهادية برسم التوظيف خلال الحرب العالمية الأولى، ومنها جيش الخلافة وجيش محمّد، وذلك حسب المؤرّخ الألماني، أوبنهايم في كتابه (البدو).

-         معاقبة بريطانيا للهند وغاندي، بفصل باكستان عنها على أساس ديني.

-         اعتراف حسن البنّا بتلقّيه دعماً من شركة السويس البريطانية، علماً بأن مُعلّم البنّا، الطرابلسي الوهّابي، رشيد رضا،  كان مُتّهماً بعلاقات مع الحاكم البريطاني في مصر ومع الماسونية.

-         وعلى ما يذهب المؤرّخ البريطاني كورتيس، فقد تعاونت المخابرات البريطانية والأميركية على إنشاء ودعم جماعات إسلامية ضدّ عبد الناصر، بالإضافة للمؤتمرات والأحلاف الإسلاموية التي أُسّست لهذه الغاية.

-         تأكيد الباحث الأسترالي "جون بلجر" على دور المخابرات الأميركية في إنشاء ودعم جماعات إسلامية إلى جانب سوهارتو للإطاحة بـ "سوكارنو"، مهندس عدم الانحياز في باندونغ.

-         الانقلاب الساداتي وتوظيف الإسلاميين ضدّ الناصرية.

-         إطلاق المخابرات الأميركية والبريطانية  للجهاد الإسلامي في أفغانستان ضدّ موسكو.

-         تهيئة تركيا لاستلام الإسلاميين السلطة فيها في إطار الصراع على أوراسيا وموقع روسيا فيها، وتوظيف (الحِزام الأخضر) الإسلاموي في التعبئة الطائفية ضدّ القيصرية الأرثوذكسية الجديدة، كما كان الحال في السابق ضدّ الشيوعية.

-         دعم المخابرات الأميركية والأطلسية لظاهرة الجماعات التكفيرية في سياق ما يُسمّى (الربيع العربي)  واستبدال دولة سايكس ــ بيكو بكانتونات طائفية مُتناحِرة.

ويُشار على هذا الصعيد، إلى مئات المنابر والفضائيات الطائفية التحريضية، كما يُشار إلى ارتباط الجماعات الطائفية باستراتيجية البافر ستيت (القواطع الطائفية المُسلّحة )، كما في إمارات القصير والقلمون ثم إمارات الرقّة والموصل  كـ بافرستيت (عازل) يفصل سوريا  وحزب الله  عن تحالفهما مع إيران.

في أزمة وآفاق الإسلاميين:

بالرغم من القاسم المشترك الذي  يجمع الجماعات الإسلامية في الحسابات الأطلسية والقوى التي تدعمهم، وهو التوظيف  الاقليمي لهم، إلا أنهم ليسوا على (قلب رجل واحد) فهم مجموعة من التيّارات المُتضاربة في مرجعيّاتها (الفُقهية)  والسياسية والتمويلية، بل وفي أشكال توظيفهم و استهدافاتها.

فمن قوى الهدم واستنزاف الدول والمجتمعات والجيوش، إلى قوى "البافرستيت" الطائفي كإمارة  القلمون ودولة "داعش" المُصمّمة لعزل أو تقطيع التواصل بين دول المحور الذي يضمّ سوريا وحزب الله وإيران، إلى تجارب سياسية على غِرار أحزاب العدالة والتنمية ... الخ.

بالنظر إلى ذلك  فإن الآفاق التي تنتظر هذه الجماعات آفاق متنوّعة، تنوّع هذه الجماعات وموقعها في حسابات الدوائر الأطلسية، وما تريده من المنطقة والصراع فيها وعليها.

أولاً، وبصورة عامة  فلا آفاق استراتيجية أمامها، مادمنا نتحدّث عن رُقعة شطرنج ولاعبين أساسيين وآخرين برسم التبديل.

كما أن التحدّيات الاجتماعية والاقتصادية وما يُلازمها من استحقاقات مختلفة، عقبات كأداة حقيقية أمام هذه الجماعات، سواء كانت خشنة (دموية) أو ناعمة من نمط الإخوان المسلمين غيرالمؤهّلين بالتأكيد للإجابة على أسئلة الحياة والعصر والتطوّر والعدالة.

ثانياً، إن هذه الجماعات عموماً جزء أو تعبير عن مناخات الهبوط والانحطاط الحضاري والاجتماعي، وتؤكّد التجارُب والمُعطيات أن (قوى الهبوط) غالباً ما تتآكل بل وتأكل نفسها في صِراعات دموية.

ثالثاً، إن العالم لا يسير على إيقاع آحادي هو إيقاع المتروبولات الأطلسية وأدواتها الإسلامية، بل إن كتلاً عُظمى من العالم وخاصة دول البريكس تتقدّم في المشهد العالمي يوماً بعد يوم، وتمثّل جانباً كبيراً من الموارد والثروات والسكان  والجيوش والأسواق المدعمة بتفاعل مُتسارِع مع التكنولوجيا المُتجدّدة.

رابعاً، إن القوى الحيّة أو حواضر الأمذة التاريخية (مصر والشام والعراق وشمال أفريقيا العربية) هي اليوم الأكثر تعبيراً عن تجارب الدول العميقة في الحال العربية. وقد أكّدت هذه التجارب أن (الدولة العميقة) التي تمتلك مخزوناً تاريخياَ من بيئة المدنية والإدارة والثقافة، قادرة على التقاط لحظات النهوض والصعود كلما سنحت لها الفرصة أو موازين القوى من حولها ..

العديد من هذه الدول قادرة بعلاقاتها المضطردة مع محور البريكس الصاعد أن تجد أكثر من طوق للنجاة والعودة إلى المشهد السياسي، وإزاحة قوى الهبوط الأميركي بصيغتها الإسلامية.