أسباب تردّد ترامب في تصنيف الإخوان تنظيماً إرهابياً
يحار الباحثون في البواعث الحقيقية للتردّدين الأميركي والبريطاني تجاه "جماعة الإخوان المسلمين"، فهل الجماعة تملك نفوذاً خفياً أو لوبياً آخر داخل دوائر صنع القرار الغربي تحول دون تصنيفها بالإرهاب بعد الإقدام على هذا التوجه أكثر من مرة؟ أم أنها بالفعل قطعت مع الإرهاب تماماً منذ عقود أربع حين وقفت بقوة ضد إرهاب مارسه تنظيما "الجماعة الإسلامية" و"الجهاد الإسلامي" المصريان خلال الثمانينيات والتسعينيات وأن عملية تشويه ممنهجة إعلامياً وسياسياً ودبلوماسياً تمارسها نظم عربية متضررة من الحضور الاجتماعي والسياسي الواسع للجماعة شعبياً، والمستثمر تنظيمياً على أعلى مستوى مع ما يصحبه من تنغيص على ممسكي زمام السلطة في عدد من الأقطار العربية في الاستمتاع بما أورثتهم إياه السلطة؟
والجماعة ليست واحدة في جميع البلدان، فهي تشارك في بعض الحكومات مثل المغرب وتونس، ولديها حضور واسع في كثير من البرلمانات، وتبدي مزيداً من الإيمان بالعمل الديمقراطي. وأن أي تصنيف ينبغي أن يراعي فروع التنظيم، فما كان منها متورطاً بالإرهاب ينبغي تصنيفه دون تعميم على فروع أخرى للجماعة. الخطوة الأميركية المتراجعة تأتي بعد أخرى بريطانية مماثلة كانت واقعة بعض الشيء تحت ضغط خارجي لتصنيف "الإخوان" منظمة إرهابية إلاّ أن تقريراً صدر قبل شهر تقريباً أفاد بأنه لا دليل على تورط جماعة "الإخوان" بالإرهاب، مع عدم استبعاد أن يكون فكر الجماعة قد لعب دوراً ما غير واضح تماماً في التحول نحو التطرف. اُعتبر التقرير يومها انتصاراً من وجهة نظر "الإخوان المسلمين" على اللّوبي الخليجي المالي الضخم في توجيه الحكومة البريطانية نحو هدف تجريمها. يحار الباحثون في البواعث الحقيقية للتردّدين الأميركي والبريطاني تجاه "جماعة الإخوان المسلمين"، فهل الجماعة تملك نفوذاً خفياً أو لوبياً آخر داخل دوائر صنع القرار الغربي تحول دون تصنيفها بالإرهاب بعد الإقدام على هذا التوجه أكثر من مرة؟ أم أنها بالفعل قطعت مع الإرهاب تماماً منذ عقود أربع حين وقفت بقوة ضد إرهاب مارسه تنظيما "الجماعة الإسلامية" و"الجهاد الإسلامي" المصريان خلال الثمانينيات والتسعينيات وأن عملية تشويه ممنهجة إعلامياً وسياسياً ودبلوماسياً تمارسها نظم عربية متضررة من الحضور الاجتماعي والسياسي الواسع للجماعة شعبياً، والمستثمر تنظيمياً على أعلى مستوى مع ما يصحبه من تنغيص على ممسكي زمام السلطة في عدد من الأقطار العربية في الاستمتاع بما أورثتهم إياه السلطة؟
بعض المخاصمين للجماعة إيديولوجياً، لا يجدون فروقاً بينها وبين داعش والقاعدة، وهم يفضّلون استئصالها من الوعي العربي حتى لو تطلّب سحقها عقوداً من الاضطرابات. وإدانتها وتجريمها عند هؤلاء مقدّم على أي عمل عربي موحد أو إصلاح سياسي داخلي.
وهم إلى جانب المنتفعين السلطويين، يرون "الإسلام السياسي" بكل مكوّناته مؤامرة غربية على العالم العربي. وأن تردد الولايات المتحدة والغرب عموماً في تصنيف "جماعة الإخوان المسلمين" بكامل فروعها بالمنظمات الإرهابية هي عملية احتيال ونصب يمارسها الغرب ليخفي عملية التوظيف المستمر لهذه الجماعات في "تطييف" المجتمعات العربية مذهبياً، وتوفير مناخ من الاحترابات الأهلية، واستغلالها كورقة ضغط ومساومة مع النظم المناهضة للمشروع الإمبريالي. فهي - أي جماعة الإخوان المسلمين - عند هؤلاء، صنيعة ماسونية بريطانية أميركية للهيمنة على العالم العربي. هناك رأي آخر فيه شيء من الوجاهة السياسية، حيث يرى بعض الباحثين أن السبب في تردد الولايات المتحدة وبريطانيا في تصنيف الجماعة بالمنظمة الإرهابية لم يكن حباً بأطروحاتها الفكرية، وليس لوجود تحالف سرّي معها لتمكينها من الحكم على أنقاض الانتفاضات العربية، وليس حرصاً على الديمقراطية والتنوع السياسي وحقوق الإنسان في بلاد المسلمين إذ إن كثيراَ من صناع القرار في واشنطن ولندن يرون في أدبيات الإخوان على المدى البعيد خطراً مؤكداً على الحداثة الغربية ومنجزاتها الحضارية، وأن "الإخوان المسلمين" لا يؤمنون بالديمقراطية، وهم يستغلونها سُلّماً للوصول إلى الحكم، ومن ثم الانقلاب على التداول السلمي للسلطة في البلاد وتحويلها إلى دولة دينية.
يشكك أصحاب هذا الرأي في المقولة التي تفيد بأن "الإخوان" جماعة معارضة دائماً للسلطة أو أنها حركة إصلاحية سياسية، فهي شاركت في العملية السياسية التي جاء بها الأميركيون إلى العراق بعد الاحتلال قبل أن ينقسموا إلى فريقين: فريق على خصومة مع النفوذ الإيراني في العراق وآخر متعايش معه. وهم في البحرين وقفوا إلى جانب السلطة ضد المعارضة الشيعية، وهم وقفوا إلى جانب السعودية في الحرب اليمنية. وهم عرّابو الملكيّة في المغرب والأردن، وديمقراطيون في تونس، وبين شدّ وجذب مع السلطة في الجزائر، باستثناء المقاومة المتمثلة بحركة حماس ضد الاحتلال الإسرائيلي.
ما يحول دون التحمّس لتصنيف الجماعة ضمن المنظمات الإرهابية أميركياً عند هؤلاء، سببان أساسيان: الأول: أن للجماعة حضوراً قوياً وواسعاً بين الجاليات الإسلامية في الغرب وهي تلعب دوراً مقبولاً في تكييف هذه الجالية ضمن المجتمعات الغربية وأن تجريم الإخوان يعني الدخول في مواجهة مع عشرات المنظمات الإسلامية الغربية التي تقدم جهداً لا يستهان به في دعم عمليات الدمج في المجتمعات الغربية. الثاني والأهم أن الجماعة لعبت دوراً في مواجهة السلفية الجهادية أو "الجهادية الكونية"، فهي في المغرب وتونس والجزائر وغزة والأردن تحارب بشدة التنظيمات الجهادية المتطرفة، وهي في ليبيا وإن تحالفت مع جماعات سلفية جهادية إلاّ أنها تقف بقوة ضد تنظيم داعش الذي يشتبه بوجود تحالف موضوعي بينه وبين قوات اللواء خليفة حفتر. وهم في العراق حاربوا داعش بكل قوة. وبما أن الغرب اليوم يرفع راية مواجهة ما يسميه "الإرهاب الإسلامي" فلا مناص من احتواء الإخوان المسلمين أو تحييدهم أو توظيفهم في تشكيل جدار متين يحول دون خيار الشباب الإسلامي الغاضب نحو العنف المسلح أو الارتماء في أحضان تنظيمات عدمية شديدة العنف. على منطقية ما فات، لا يمكن تجاهل عدم مهنيّة التصنيف الأميركي للقوائم الإرهابية، فمعايير التصنيف لديها تختلف من مجتمع إلى آخر، ومن حالة إلى مثيلتها، تبعاً للمصلحة الأميركية. فليس المعيار محكوماً بمدى تهديد جماعة ما لحقوق الإنسان أو فرض أيديولوجياتها السياسية بالعنف المسلح أو ممارسة أنواع شتى من التحريض المذهبي والعرقي بقدر ما ينحصر مفهوم الإرهاب في التهديد المطلق للمصالح الأميركية حتى لو كانت هذه المصالح قائمة على مخالفة صريحة للأعراف الدولية ولشرعة حقوق الإنسان.