وبلدنا ع الترعة بتغسل شعرها

ما بين تفجير المرقسية وحتى تفجير البطرسية كان هناك استهداف لمسيحيي العريش وتم تهجيرهم. وهذا هو النجاح في سيناء الذي أشار إليه الرئيس مما أغاظ داعش فقرر أن ينتقم من نجاحاتنا الباهرة!

ينبري المدافعون: الإسلام بريء.. ثم يرد عليهم آخرون: الإسلام ليس متهماً كي يكون بريئاً
منذ تفجير كنيستي مار جرجس بطنطا والبطرسية بالإسكندرية لم أبك. 

قررت بعد يومين من الحادث أن أصطحب ابنتي ذات الثلاث سنوات للتنزه. كنت أسير معها في طريق العودة، وبشكل مباغت  انفجرت في نوبة بكاء. قالت لي ابنتي: بتعيطي ليه؟ قلت: عشان فيه ناس وحشة أذوا أطفال حلوين زيك، وأذوا أمهات مساكين زيي، وأنا مش عارفة أعمل إيه؟ ومش عارفة أكلم مين؟

لم أشعر بهذه المرارة والألم يعتصر قلبي منذ أحداث ماسبيرو عام 2011. وحقيقة لا أعلم ما أفعل، وإلى من أوجه خطابي؟ لداعش؟ أم للدولة؟ أم لله؟ كي أسأل: ليه كده؟

أم تصطحب ابنتها إلى الكنيسة يوم أحد الشعانين لتنال البركة فتنال ابنتها شظية من قنبلة يفجرها انتحاري فتعيش الأم وتموت الطفلة. شاب يفقد أمه وأخته في انفجار بالإسكندرية، فيقرر الانتحار لأننه لم يتحمل هذه الفاجعة. ولماذا عليه أن يتحملها؟ ولماذا عليه أن يستوعب ما حدث له؟ هل نحن في حرب وعليه أن يتوقع موت أحبائه وذويه؟

إن كنا في حرب فلماذا يموت العزل؟

ثم زاد من ألمي ألا يظهر أحد من الذوق ما يتناسب مع العزاء الكبير المنصوب في البلاد.

ينبري المدافعون: الإسلام بريء.. ثم يرد عليهم آخرون: الإسلام ليس متهماً كي يكون بريئاً.

غلاظة حس وبلادة شعور منقطعة النظير. أكل ما يعنيكم هو الحديث عن الإسلام وسماحته وبرائته وإن كان متهما أم لاً؟ قولوا البقية في حياتكم... قولوا الله يرحمهم.

ثم خرج علينا الرئيس ليعزي المصريين، وقال إنه لن يقول المسيحيين أو المسلمين بل سيقول المصريين. وحقيقة لقد تعبت. هناك مشكلة حقيقية، شرخ واضح قد حصل. لا أعرف مسلماً يستطيع أن يرفع عينه في عين مسيحي الآن عقب هذه الأحداث. هل قتل الناس في الكنائس لأنهم مصريون أم لأنهم مسيحيون؟ ولا أعلم أين المفاجأة في ما حدث؟

ما حدث مؤلم، لكنه ليس مفاجئاً. لقد أصدر داعش بياناً يتوعد فيه بقتل المسيحيين في مصر، ووصفهم بأنهم "محاربون"! وذلك قبل تفجير الكنيسة المرقسية وبعد تفجيرها، وهو الآن قد أعلن مسؤوليته ويتوعد بمزيد من القتل للمسيحيين تحديداً. إذن فالمسيحيون فئة مستهدفة، ولا أظن أن داعش يخشى الطوارئ، ولا أظنه أيضاً يتواصل مع عناصرها عبر الفيسبوك وتويتر ومواقع التواصل الاجتماعي التي قررت الدولة مراقبتها!

ما هذه التدابير العجيبة لمكافحة الإرهاب؟

هناك سلسلة من الأسئلة لن يحول قانون الطوارئ بيننا وبين طرحها:

1ـ توعد داعش بالمزيد من العمليات ضد المسيحيين وأعلن استهدافه لهم بشكل واضح عقب تفجير الكنيسة المرقسية، فكيف لم يتم تأمين الكنائس بخلاف كنيسة واحدة التي كان يصلي فيها البابا؟

2ـ نشرت جريدة "القبس" أن المتهم بتنفيذ عملية الكنيسة البطرسية بالإسكندرية تم القبض عليه في الكويت لانتمائه إلى تنظيم داعش وقامت بترحيله هو وأقاربه من الدرجة الأولى إلى مصر. فكيف أطلقت مصر سراحه؟

ماشيين بالقانون قوي؟ إن مصر تحتجز شاباً ميتاً إكلينيكياً وتعتقل جثته ولا ترغب في الإفراج عنها، وتحتجز شاباً آخر يعاني من الليشمانيا في مستشفى الحميات وهو مستحق للعفو الصحي، ومن قبل احتجزت شاباً كان يرتدي "تي شيرت" كتب عليه "لا للتعذيب" لمدة تزيد عن عامين وهي مدة تتجاوز مدة الحبس الاحتياطي المنصوص عليها في الدستور، وغيره من المحتجزين احتياطياً لمدد متجاوزة، فكيف احتجزت كل هؤلاء وتركت شخصاً ينتمي إلى داعش تمّ تسليمه من قبل السلطات الكويتية؟

3ـ لو أن مصر أطلقت سراحه لأي سبب من الأسباب، فكيف بالله لم تراقبه؟ إن كنتم تراقبونا نحن، وتنشرون مكالمات المواطنين الخاصة في القنوات الفضائية، فكيف لم تتم مراقبة هذا الشاب؟

لو أنكم لم تراقبوه فتلك مصيبة، ولو أنكم راقبتموه ولم تتمكنوا من معرفة معلومات عن اعتزامه على تنفيذ هذه الجريمة فتلك مصيبة أعظم.

4. ماذا فعلتم بشأن استهداف المسيحيين في مصر منذ تفجير المرقسية وحتى تفجير مار جرجس والبطرسية؟ ماذا فعلتم بشأن اعتداء قرى كاملة على المسيحيين وحرق كنائسهم ونزع الملابس من فوق أجساد نسائهم المسنات وتهجيرهم من منازلهم؟ ما هي التدابير والاحترازات الأمنية والاجتماعية والفكرية التي اتخذتموها لحماية سكان مصر الأصليين؟

5. ما بين تفجير المرقسية وحتى تفجير البطرسية كان هناك استهداف لمسيحيي العريش وتم تهجيرهم. وهذا هو النجاح في سيناء الذي أشار إليه الرئيس مما أغاظ داعش فقرر أن ينتقم من نجاحاتنا الباهرة!

6. أشار الرئيس إلى ضرورة تجديد الخطاب الديني!

قول والمصحف؟

إذن فماذا كان يفعل إسلام البحيري في السجن بتهمة ازدراء الأديان؟ وكيف يطالب الرئيس الناس بتجديد الخطاب الديني وهو يرفع عليهم سلاح قانون ازدراء الأديان؟

وتفجير الناس وهم يصلون إلى ربهم ازدراء إيه؟ وحرق الكنائس وتهجير الناس من بيوتهم على خلفية معتقدهم، وحرق البيوت على الناس لأنهم يصلون فيها واتخذوها كنيسة بدون تصريح؟! وهل يحتاج المرء إلى تصريح من الدولة كي يصلي لربّه؟

قبل تجديد الخطاب الديني هناك حزمة من القوانين يجب تعديلها أو بالأحرى محوها من جذورها، مثل قانون ازدراء الأديان والتصاريح المثقلة والمجحفة التي يضطر المسيحيون إلى السعي في الحصول عليها ليتمكنوا من الصلاة، هذا إذا تمكنوا من الحصول عليها بالأساس.

ثم إذا كنتم ستفعّلون قانون ازدراء الأديان فليكن على الجميع، فلا يعقل أن تتم إدانة شخص يناقش البخاري بتهمة ازدراء الأديان، بينما تنطلق الميكروفونات كل جمعة في الصلاة بالدعاء على اليهود والنصارى والابتهال إلى الله بترميل نسائهم وإيتام أطفالهم وجعل أموالهم ونسائهم غنيمة للمسلمين!

ده مش ازدراء برضه ولا إيه؟

7. وإيه تعمل الطوارئ في وطن ضايع؟

في أول تنفيذ لقانون الطوارئ صدر حكم بالحبس ضد المحامي محمد رمضان بتهمة إهانة الرئيس على موقعه على الفيسبوك!

ونعم. بهذه الطريقة نهزم داعش هزيمة ناجعة.

طب على الأقل أفرغوا السجون من الأبرياء كي تفسحوا مكاناً لعناصر داعش. الناس فوق بعضها في السجن.

لم نكد نستفيق من فاجعة تفجير الكنيستين حتى باغتنا داعش بفيديو لقنص جنودنا البواسل في سيناء. هؤلاء الفئران قنصوا أحد الجنود وهو يتوضأ للصلاة. الجنود قاتلوا ببسالة وشجاعة، بإمكانات ضعيفة، وأسلحة قديمة، وصمود نادر، لم أر واحداً يهرب من موقعه أثناء إطلاق داعش النار عليه.

عيالنا.

الأبطال البواسل الأسود، يقاتلون بأضعف الإمكانات ويثبتون لا يتركون مواقعهم حتى الاستشهاد، لا يهرب أحدهم لأنه رأى زميله يقع بجواره، بل يثبت إما أن يقتص له أو يلحق به.

عيالنا.

يقفون على أبراج بدائية دون سواتر ولا حتى ملاءة تحميهم، يقفون دون ارتعاد ولا اعتراض ويضعون أرواحهم على أكفهم مسلمين أمرهم لبارئهم.

عيالنا.

لو أن هؤلاء الأبطال يمتلكون سلاحاً أكثر تطوراً، لو أن لديهم خطة أفضل للمواجهة، لو أن القائمين على الأمر علموا أن أسلوب الجيوش النظامية لا ينجح في حرب العصابات، ولو أنهم دربوهم على حرب العصابات لقام هؤلاء البواسل بالمعجزات في هزيمة داعش، لكنهم لا يركنون إلى هذه التبريرات ويقاتلون بكل ما آتاهم الله من صبر وجلد.

عيالنا.

مصر تتشح بالسواد، والدموع متحجرة في المآقي. لكننا لن نهزم.

هكذا.. لن نهزم. ولو أدى الأمر لقتال كلاب أهل النار بالسكاكين والماء المغلي والمقاومة الشعبية. لن نهزم.

ولن يردعنا قانون الطوارئ عن محاسبة المسؤولين ومساءلتهم.. أنتم مرتبكون ولا تقومون بواجبكم كما هو منوط بكم.

أنتم قصرتم في حمايتنا، وسنحمي بلادنا.

ومن لمصر سوانا؟​