أبعد من قتل الجسد..هل لا يزال " أسامة بن لادن " حيّاً ؟

مع الذكرى السادسة لمقتل أسامة بن لادن على أيدى البحرية والمخابرات الأميركية (قُتِل يوم الإثنين الموافق 2/5/2011)، مع هذه الذكرى أعادت حركة " داعش" (وليس القاعدة !!) إثارة الغبار حول عملية قتله، زاعمة أنه لم يُقتل وأنه الآن (أسيراً) في سجون الولايات المتحدة، وأن ما يُفسِّر اصطياد العديد من القيادات التاريخية للقاعدة في أفغانستان واليمن وسوريا والعراق وغيرها، جاء بناء على "معلومات" استطاعت المخابرات الأميركية الحصول عليها بالتعذيب، من " أسامة " المسجون الآن فى معتقلاتها !! .

في البداية تُحدّثنا وثائق القتل أن ثمة أربع روايات، شبه مُعتمدَة في مسألة قتل أسامة بن لادن
 أتت هذه التصريحات من (داعش).. وليس من (قاعدة) أسامة، فالأخيرة، على النقيض من ذلك تؤكّد استشهاده، وأنه أثناء هذا الاستشهاد عام 2011 خاض معركة كبرى تفتّت لها جسده الذي تزنَّر فيه بحزام ناسف فجرّه ضدّ القوات المهاجمة له في المجمع السكني فى (أبوت أباد) على بُعد 120 كم من إسلام أباد !!.

 أين الحقيقة ؟ ولماذا الآن إعادة إثارة الغُبار حول عملية قتل أسامة بن لادن ؟ وهل فعلاً لايزال الرجل حيّاً ؟ وما المخاطر والسيناريوهات المُحتملة، فى حال تأكّدت تلك الأخبار ؟ .

 

للإجابة على هذه التساؤلات دعونا، نؤكِّد بداية أنه سواء قُتِل (أسامة) أو لم يُقتَل، فإنه في ظنّي لايزال حيّاً، بأفكاره، وتنظيماته التي ملأت بلاد الشرق، والآن بلاد الغرب، فالقاعدة وإخواتها (خاصة الأخت شديدة المِراس) داعش، تؤكّد كل يوم أن الرجل الذي تمنّت أميركا ومن سار في ركابها، أن ينتهى بموته، الإرهاب الموجّه (إليها فقط !!)، بعد دفنه في قاع بحر العرب، فإذا بالإرهاب يطالها ويذهب إلى عُقر دارها ودار مَن ساهم في صناعة " أسامة " وقاعدته سواء من العرب أو من مخابرات الغرب، وأخذ في طريقه – أي الإرهاب – يُدمي بلاد الشام وسيناء وليبيا، وغيرها!! إن أسامة إذن لايزال حيّاً، بفكره (الخوارجي)، وإن توارى جسده.

ودعونا نُحلّل المسألة ونستشرف أبعادها :

أولاً : في البداية تُحدّثنا وثائق القتل أن ثمة أربع روايات، شبه مُعتمدَة في مسألة قتل أسامة بن لادن، الأولى روّجت لها الإدارة الأميركية مؤكِّدة قتله فجر يوم الإثنين (14 جمادى الأولى الموافق 2/5/2011) في (أبوت أباد)، وأن ذلك تم بعد مُتابعة الـ CIA لعناصر من القاعدة قريبة من أسامة واختراقها لعملهم السرّي، ولعلّ كتاب الجندي في البحرية الأميركية (روبرت أونيل) هو أهم رواية رسمية أميركية موثّقة تؤكِّد عملية القتل بدم بارد ومن دون مقاومة من الرجل، الرواية الثانية يُقدّمها تنظيم القاعدة، ويؤكِّد فيها أيضاً مصرع أسامة بن لادن، ولكنه يُضيف ... أنه لم يُقتَل من دون مقاومة، لكنه قُتِل بعد أن فجّر إحدى الطائرتين الأميركيتين اللتين كانتا تحمل فريق الاغتيال، وأنه فجّر نفسه بحزام ناسِف وسط الدفعة الأولى من الجنود المُقتحمين، وأن جسده تفتّت ولذلك اضطر الأميركان لإلقائه في البحر لتعذّر تجميع جثته المُفتّتة!! وأنهم–أي تنظيم القاعدة -يتحدّون المخابرات الأميركية ويؤكّدون أن الرجل استشهد بحزام ناسِف في قلب جنود البحرية الأميركية ، الرواية الثالثة قدّمها تنظيم داعش، وهي على النقيض من الروايتين السابقتين، ويبدو أنها حديثة نسبياً، نرجِّح أنها صدرت هذا العام (2017) والتي أكّدت فيها المواقع الإعلامية لداعش ومنها وكالة أنباء (حق)، أن (أسامة) لايزال حيَّاً ولم يُقتَل كما ردَّد تنظيم القاعدة والولايات المتحدة الأميركية، مستدلين على ذلك بعدم وجود صورة واحدة لـ"بن لادن" بعد مقتله، رغم أن واشنطن تكلّفت مليارات الدولارات من أجل الحصول على رأسه، ورغم عِلم الإدارة الأميركية أن مجرَّد إخراج صورة له بعد قتله ستكون ضربة قوية لتلك التنظيمات. وأكَّدت "داعش" أن مقتل بن لادن ما هو إلا سيناريو أميركى مُخطّط له لتهدئة الجماعات والتنظيمات المُسلَّحة، ومنعها من تنفيذ أية عمليات كبرى في الولايات المتحدة وأوروبا لاستعادته، إلا أنه في الحقيقة يعيش حالياً داخل أحد السجون الأميركية شديدة الحراسة، ويتم استجوابه والحصول منه على المعلومات الكافية، التي يستطيع من خلالها الأمن الأميركى التعامل مع القاعدة واستراتيجياتها العسكرية، بدليل نجاح أميركا في توجيه ضربات كبرى للقاعدة في العراق وسوريا وفي أفغانستان أيضاً، ما أدَّى إلى إضعاف التنظيم بشدّة . 

وكالة الأنباء الداعشية "حق" سالِفة الذِكر، شنّت أيضاً قبل أيام هجوماً شرساً على قاتل بن لادن، الجندي الأميركي الشهير (روبرت أونيل)، وخاصة بعد إعلانه إصدار كتاب يتحدّث عن تفاصيل عملية تصفيته بعد كشف مقر اختبائه، وأكّدت الوكالة الداعشية وجود تضارب كبير جداً في القصص التي تتناول مقتل أسامة بن لادن، ما يؤكّد أن هناك سراً كبيراً وراء هذا الأمر على الأرجح وهو عدم مقتل بن لادن من الأساس، ووجوده حالياً فى أحد السجون الأميركية شديدة الحراسة.

 أما الرواية الرابعة والأخيرة فهي تلك التي وردت في كتاب الصحافي الأميركي الأشهر (سيمور هيرش) المُعنوَن بـ (عملية قتل أسامة بن لادن – دار فيرسر للنشر – 2016) وفيه كَشْف وثائق مهمة يؤكِّد فيها عملية قتل أسامة بن لادن ولكن مع فضح الدور المخابراتي الباكستاني وتواطئه، وأنه هو الذي قدَّم (المعلومة المؤكّدة) للمخابرات الأميركية، وأن الأخيرة لم يكن لها دور يُذكر كما ادّعى كتاب الجندي الأميركي، أو كما ادّعى الرئيس السابق أوباما، وأن عناصر فاسدة في جهاز المخابرات الباكستانية قد تلّقت المُكافأة التي أعلنت عنها المخابرات الأميركية وقدرها (25 مليون دولار) لمن يُدلي بمعلومات عن مكان تواجد بن لادن، وقدّم هيرش أسراراً مهمة وجديدة عن فضائح وفساد أجهزة كل من البلدين أميركا وباكستان، إلا أنه – وهذا هو المهم – قد أكّد مصرع (أسامة) !.

ثانياً : هذه الروايات الأربع؛ سواء أخذنا بها أو تجاهلناها، فإن الأهمّ من (دراما القتل) تلك لأسامة بن لادن وأسرارها، ومن المعلومات المُتضارِبة بداخلها، هو أن نؤكّد مُجدّداً على حقيقة أن واشنطن، ومن ساندها من عرب الخليج أو دول أوروبية منذ الثمانينات من القرن الماضي، هي مَن خلقت أسطورة تنظيم القاعدة، وهي مَن وظّفت (أسامة) وتنظيمه في مواجهة السوفيات في أفغانستان ، وفي حَرْف البوصلة الإسلامية بعيداً عن فلسطين، ثم دورها المشهود اليوم في خلق (داعش) وأخواتها، هذه الدولة (الولايات المتحدة) عندما خرج أسامة وتنظيمه عن السيطرة وعن حدود الدور المرسوم لتنظيمه فى خدمة الاستراتيجية الأميركية في العالم، قامت بقتله، ولكنها قتلت الجسد، ولم تقتل (الفكر) الذي يقوم على العُنف والإرهاب والتكفير للآخر السياسي أو الديني، ويقوم أيضاً على الإقصاء وعلى تعمُّد حَرْف البوصلة بعيداً عن القضايا الرئيسية للأمّة، وفي مقدّمها قضية فلسطين، وهو فكر ساهمت هي نفسها ومعها المال والفتاوى الخليجية التكفيرية، في تخليقه وترويجه.


 إن مصرع أسامة، لم يقتل (القاعدة)، كما أن مصرع أبوبكر البغدادي، ومن قبله أبومحمّد العدناني وأبوعمر الشيشاني، وأبومحمّد الجولاني، وغيرهم ممن صنعتهم واشنطن والرياض وأنقرة وتل أبيب، لم – ولن - يقتل داعش بل زادها انتشاراً وقوة، لأن قادة وعناصر هذا التنظيم يتصوَّرون أن هذا القتل هو استشهاد وأنهم على حق، وأنه – أي هذا القتل - يطهّرهم مما يتّهمهم به الأعداء من دَنَس العمالة المُبكرة للمخابرات الغربية والمال والفتوى النفطية.


 إن خلاصة ما نريد تأكيده في الذكرى السادسة لاغتيال أسامة بن لادن، أن جسد أسامة قد تفتّت ومات في (بحر العرب) في عملية انتقامية بشعة للإدارة الأميركية، لكن فكر الرجل، والتنظيمات المتوالِدة منه، والتي ساهمت نفس الإدارة الأميركية في صناعتها لتخريب شرقنا العربي والإسلامي، لاتزال موجودة بل تتكاثر، وأن الأولى بمن يريد المواجهة الحقيقية لهذا الإرهاب الملتحف زيفاً برداء الإسلام؛ أن يؤسّس لإستراتيجية واسعة وصادقة لمواجهة ذلك الفكر وتلك العقيدة المُنحرِفة، وليس بأفلام " أكشن هوليوودية " اعتادتها واشنطن عبر تاريخها الدامي الطويل، فتصطاد هذا الإرهابي أو ذلك، في الوقت الذي يجلس فيه الرئيس (الأسود) وبجواره وزيرة خارجيته (البيضاء)، مُدلهمّ المشاعر، متابعاً بقلق مُفتعَل، لحظة تفجير رأس الشيخ المُعمّم وسط بكاء زوجاته وأولاده الصغار !! .

 يعلّمنا التاريخ أن تلك المواجهة لهكذا تنظيمات لم تجدِ أبداً !! والله أعلم .