دافوس الشرق الأوسط الجديد في الأردن

ما هو معروف ومُتداول حول مُنتدى دافوس، المنتدى الإقتصادي العالمي، الذي يُعقد في هذه البلدة السويسرية منذ عام 1971 برئاسة عالِم الإقتصاد الألماني كلاوس شواب، أن هذا المُنتدى مُلتقى لمُمثّلي الشركات الكبرى والبنك الدولي وغيرهم من قادة ومهندسي النيوليبرالية وتصفية آخر معاقل دولة الرعاية الاجتماعية.

بيريز استدرك في كلمته في افتتاح المؤتمر بأن الازدهار المنشود لن يمر من دون خطى أليمة
ما هو معروف ومُتداول حول مُنتدى دافوس، المنتدى الإقتصادي العالمي، الذي يُعقد في هذه البلدة السويسرية منذ عام 1971 برئاسة عالِم الإقتصاد الألماني كلاوس شواب، أن هذا المُنتدى مُلتقى لمُمثّلي الشركات الكبرى والبنك الدولي وغيرهم من قادة ومهندسي النيوليبرالية وتصفية آخر معاقل دولة الرعاية الاجتماعية.

ويضعه البعض إلى جانب المحافل العالمية المُماثلة، كمُلتقى بيلدربيرغ والمحافل الماسونية والبيوتات اليهودية المصرفية والإعلامية، روتشيلد ومردوخ وشبكاتها الدولية والإقليمية.

أما لماذا اختار هذا المحفل الإقتصادي الدولي بلداً مثل الأردن لعقد اجتماعاته، وليس تايوان أو سنغافورة أو دبي، فقد أجاب على ذلك رئيس وزراء الكيان الصهيوني الأسبق شمعون بيريز، بعد مماحكة كلامية مع وزير خارجية مصر الأسبق عمرو موسى في الدورة الثلاثين للمُنتدى التي سبقت أول اجتماعاته في منطقة البحر الميت – الأردن.

اقترح بيريز هذه المنطقة بدلاً من اقتراح موسى شرم الشيخ، لما تمثّله من تجسير إقليمي للشرق الأوسط المنشود بحسب تعبيره.

وليس بلا معنى أن يربط بيريز اقتراحه بما أسماه بالآفاق المبشّرة للعراق الجديد وموقعه في هذا الشرق الأوسط. فقد عقد أول مؤتمر لدافوس البحر الميت في حزيران/ يونيو 2003 بحضور الحاكم العسكري للاحتلال الأميركي للعراق بول بريمر، وبكلمة ذات صلة لوزير الخارجية الأميركي آنذاك كولن باول.

فقد ذهبوا جميعاً إلى أن العراق الجديد سيصبح خلال سنوات قليلة نموذجاً ورافعة هامة من روافع شرق ديمقراطي ومستقرّ ومزدهر. وذلك بحلول 2011.

بيد أن بيريز استدرك في كلمته في افتتاح المؤتمر بأن الازدهار المنشود لن يمر من دون خطى أليمة.

وفيما فسّر البعض ذلك بإنهاء سياسات الدعم الاجتماعي وتصفية القطاع العام في البلدان المُستهدفة، فسّر آخرون هذا الاستدراك بتغيير الخرائط وما بات يُعرَف بحدود الدم الطائفية.

إلى ذلك وعلى مدار المؤتمرات اللاحقة للمُنتدى وصولاً إلى المؤتمر الأخير، فإن العناوين العامة والأساسية تمثّلت في المحاور التالية:

1- إشاعة النيوليبرالية والانفتاح الاقتصادي وتصفية الهويات الوطنية، وكل مظاهر التدخّل الاجتماعي للدولة.

2- توفير مناخات موضوعية للتطبيع الشامل وما يُعرَف بالشرق الأوسط الجديد، والترجمة الفعلية لمشروع بيريز الذي يضع التعاون الاقتصادي الإقليمي شرطاً ومقدّمة لما يُسمّيه السلام السياسي. وهو ما يعني تفكيك البلدان المعنية وإعادة تشكيلها ودمجها في إقليم شرق أوسطي مركزه تل أبيب.
 
 

وحسب بيريز أيضاً، فإن التعاون المذكور يستدعي خلق بنية تحتية إقليمية تحت السيطرة الإسرائيلية يمكن تمويلها من البلدان النفطية.

ومن اللافت للانتباه أن أبرز مشاريع هذه البنية مُشار إليها في كتاب بيريز الشرق الأوسط الجديد، مثل المناطق الحرّة وقناة البحرين وصندوق الاستثمار الإقليمي والطرق الدولية وأنابيب المياه التركية وأنبوب الغاز القطري الإسرائيلي.

3-في ما يخصّ النسخة الأخيرة من مؤتمرات مُنتدى دافوس البحر الميت الذي عُقد أخيراً في الفترة بين 19-21/ 2017 فقد استمرّت وفق النسق نفسه، عناوين فرعية في إطار الوظيفة العامة الشرق أوسطية.

فقد أعادت مداولات المؤتمر التأكيد على هذه الوظيفة، فيما أظهرت نقاشات العناوين الفرعية الجديدة قدراً كبيراً من اللغو والتناقض في الوقت نفسه، وخاصة الجلسات التي نُظّمت تحت عنوان تمكين الأجيال وثورة التكنولوجيا من أجل توسيع فُرص العمل أمام الشباب، فهذه الثورة بالذات هي أكبر طارد للعمالة في النظام الرأسمالي.

كما تناول المؤتمر ظاهرة اللاجئيين والعمل الإغاثي الذي صار في الأردن كما في غيره مادة لتجارة مراكز وقوى معروفة، من دون أن يتوقّف عند الأسباب الحقيقية لهذه الظاهرة. وهي استراتيجية المُنتدى نفسه وسياسات الانفتاح الاقتصادي وتحطيم الطبقة الوسطى وما أدّت إليه من مناخات دموية، هي اليوم من أبرز العوامل التي تغذّي اليأس والإرهاب واللجوء.

وبالرغم من ذلك، يواصل المُنتدى مؤتمراته وسياساته شرق البحر الميت، من دون أن يكلّف شواب وفريقه في رئاسة المُنتدى أنفسهم بمراجعة شعاراتهم وما أدّت إليه من كوارث اجتماعية وسياسية عوضاً عن الشرق المزدهر والديمقراطية المزعومة.

فالمُنتدى وسياساته ليس سوى أداة لتفكيك الدول والمجتمعات لتحقيق الشرق الأوسط المنشود وفق رؤية بيريز والاستراتيجية الصهيونية.