فعل فاضِح!

خالد علي لمن لا يعرفه، هو محام ٍمصري، مُزعج بشكل كبير، بالرغم من ابتسامته الهادئة، ولطفه البادي، إلا أنه حقاً صداع في الرأس أو كما يقول التعبير الإنجليزي: pain in the neck.

خالد علي كان من المحامين الذين سعوا لتثبيت مصرية جزيرتي تيران وصنافير
هو خالد علي عمر من مواليد 26 شباط/فبراير 1972 في محافظة الدقهلية، تخرّج في كلية الحقوق جامعة الزقازيق عام 1996، التحق بمركز هشام مبارك فور تخرّجه كمحام ٍحقوقي، وكان تلميذاً نجيباً للأستاذ أحمد سيف الإسلام حمد، كما تتلمذ على يد الأستاذ الراحل أحمد نبيل الهلالي، قدِّيس الحركة الوطنية، قدَّس الله روحه.

خاض خالد علي معارك قانونية كثيرة في ساحات المحاكم بالأخصّ ضدّ الحكومة المصرية على مرّ العهود، ففي العام 2001 خاض معركة قانونية ربح فيها قضية النقابات التي منحت النقابيين المزيد من الحريات، كما خاض معركة ضدّ قيام الدولة بخصخصة القطاع العام، وربح القضية، وتمكّن من إعادة الكثير من ممتلكات الشعب إليه، بما في ذلك عمر أفندي، وشركة الغزل والنسيج، وشركة النيل للقطن وغيرها من ممتلكات الشعب التي كان يسعى مبارك لبيعها للمستثمرين، وتمكّن من كسب قضية الحد الأدنى للأجور لصالح العاملين المصريين في الدولة.

كل ذلك بخلاف سعيه خلف المُعتقلين، كل المعتقلين المظلومين، من دون النظر إلى خلفيتهم السياسية أو آرائهم، هذا بشأن دفاعه عن المظلومين، أما عن غير المظلومين، فإن خالد كان يسعى لأن ينال هؤلاء محاكمات عادلة، ويخضعون لمعاملة إنسانية بصرف النظر عن جرائمهم، واتّهمه طبالو النظام بأنه يدعم الإرهابيين لمجرّد أنه يُطالب بمعاملة إنسانية لكل السجناء بصرف النظر عن التّهم الموجّهة إليهم. كانوا دوماً يتساءلون في استنكار: محاكمة عادلة للمجرمين؟!!!

أمال المحاكمة العادلة بتتعمل للأبرياء ولا إيه؟.

هذا بخلاف نضاله الميداني بمشاركته في اعتصامات العمال إبّان ثورة يناير.

حين زايد البعض على شباب الثورة وقالوا: إنهم شباب تافه، يعلمون ما لا يريدون، لكنهم لا يعلمون ما يريدون، وليس لديهم بدائل يطرحونها، تقدّم الشاب خالد علي للترشّح للرئاسة، وحورِب من كل التيارات، كما حورِبت الثورة ذاتها .

مرّت علينا الأهوال والنوائب، ولم يتخلّف خالد علي عن أيّ منها، ظلّ مُحتفظاً بابتسامته، وإن كان أصابه ما أصابنا من تقدّم مُفاجئ في السن بدا واضحاً على ملامحنا جميعاً، بدءاً ممن لم يتجاوزوا العشرين من عمرهم وانتهاء بمن هم في الأربعينات من عمرهم، كلنا داهمتنا الشيخوخة وغزت ملامحنا، بينما أعداء الثورة يحافظون على شبابهم الدائم، أكثر من صباح، الله يرحمها، وهم يقتربون من التسعين، والشاب منهم قد تجاوز الستين.

صلاة النبي عليهم، شعرهم أسود فاحِم، وجوههم تلمع، وكما يصفهم والدي الشاعر أحمد فؤاد نجم في قصيدة "يعيش أهل بلدي": قفاهم عجينة، كروشهم سمينة، جلودهم بتضوّي، دماغهم تخينة، سنانهم مبارد تفوت في الجليد، مفيش سخن بارد بياكلوا الحديد.

أما نحن فقد حفرت الدموع التي طالما انهمرت على جثث الشباب في المشارِح، وعلى حريّتهم في الزنازين، مجاريها في وجوهنا، فأصبحنا نبدو باكين دوماً حتى وإن لم نبكِ، وغزا الشيب مفارق الذين لم يتجاوزوا العشرين، وسقطت شعور الفتيات الجميلات.

لكن خالد جاهد للاحتفاظ بالابتسامة وهو يُكافح خلف الأعداد المهولة التي تَفِد إلى السجون أفواجاً أفواجاً.

حين وقّع النظام اتفاقية تسليم جزيرتي تيران وصنافير للمملكة العربية السعودية، اشتعلت النيران في قلوبنا التي كانت قد أضعفتها هزيمة الثورة المأسوف عليها. انبرى فوج من المحامين المصريين الوطنيين، على رأسهم خالد علي، ومنهم مالك عدلي وزياد العليمي وسامح سمير ومحمود بلال وغيرهم الكثير الكثير من شباب المحامين المصريين، وليسامحوني جميعاً أنني لم أذكر كل الأسماء، لأنها تحتاج إلى مقال منفرد، وتقدّموا جميعاً برفع دعاوى مُتعدّدة لمُقاضاة الدولة والحيلولة دون التفريط في أراضينا.

لم تكن معركة سهلة، تلقّى المحامون تهديدات، ومنهم من نال نصيبه من الحبس الانفرادي والتنكيل، مثل مالك عدلي، ولم يأمن أي منهم على حياته وسلامته وحريته، لكنهم لم ييأسوا، وبفضل الله تمكّن المحامون من استعادة الجزيرتين، ونيل حكم تاريخي من أعلى جهة قضائية في مصر، حيث نصّت المحكمة الدستورية العُليا بأن مصريّة الجزيرتين: مقطوع بها.

سافر خالد إلى ألمانيا خصيصاً للحصول على خرائط تُثبت مصريّة الجزيرتين. وقضى ليالي وأياماً بعيداً عن طفليه الذين ليس لهما سواه بعد وفاة والدتهما الكريمة، ليعيد إلى مصر أراضيها المُغتصبة. وغنيّنا يوم الحُكم التاريخي: دولا مين ودولا مين.. دولا محامين مصريين. فقد كافحوا لاستعادة الأرض تماماً كما قاتل الجنود على أرضنا دفاعاً عنها، ودفعوا أثماناً، كما دفع آباؤهم وأجدادهم.

أخيراً، ومرة أخرى، ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، ومع تكرار طنطنات طبّالي النظام: أنتم تنتقدون فقط، لكنكم لا تقدّموا البديل.

أعلن بعض الشباب المؤيّدين لخالد علي مرة أخرى عن رغبتهم في أن يخوض خالد علي  معركة الانتخابات الرئاسية، ولم يعلّق هو على هذه الرغبة لبعض الشباب.

فجأة، ومن دون مقدّمات، تقدّم أحد المحامين يُدعى "سمير صبري" – لا مش سمير صبري بتاع محتار أنا ويا البنات الساحرات الفاتنات وسكرررر حلوة الدنيا سكررررر.. ده أنا بحبه، سمير صبري تاني – ببلاغ يّتهم فيه خالد علي بخَدْش الحياء العام والإتيان بفعل فاضح في إشارة إلى صورة نُسبت إلى خالد علي وهو يُشير بإصبعه الوسطى ابتهاجاً بحكم مصريّة تيران وصنافير.

لم أكن حاضرة ذلك اليوم، ومن حضروا وقتها يؤكّدون أن الصورة مُفبركة (فوتوشوب)، وبصرف النظر عن صحة الصورة من عدمها، وبافتراض أن الصورة صحيحة، فأنا لا أصدّق حقيقة أن النظام المصري قد حبس المحامي خالد علي، وخصّص له فرقة مدرّعات وفرقة حراسة أثناء عرضه على النيابة كفيلة بتحرير فلسطين وهزيمة داعش في سيناء، لأنه أشار بإصبعه الوسطى!!!!! في مصر؟

لا أصدّق أنني أحتاج إلى التوضيح بأن هذه إشارة عالمية تظهر في الأفلام الأميركية، علماً بأن المصريين خاصة من دون شعوب العالم يعشقون هذه الإشارة تحديداً، ويأتون بها في كل مناسبة، لاسيما ضبّاط الشرطة والجيش والمواطنين الشرفاء من مؤيّدي النظام، الذين كانوا يشيرون مُبتهجين إلينا بهذه الإشارة في كل فاعلية أو تظاهرة أو اعتصام لنا.

في كل أنحاء العالم هذه الإشارة يصحبها تعبير غاضب على الوجه، إلا في مصر، هذه الإشارة تحديداً يصحبها ابتهاج غريب لا أعلم سرّه حقيقة. وسأرفق بعض الصوَر، عسى أن يتمكّن الموقع من نشرها، وإن لم يتمكّن فاعلم أن حياء الموقع قد منعه، خاصة وأنني سأرفق صورة لضابط محترم يقوم بالتبوّل على المتظاهرين.

فإن لم يقبل الموقع بنشر الصوَر المفرقة.: google it

أعلم أن في القانون هناك "جنحة" فعل فاضح في الطريق العام، وعادة ما تُلصق هذه التهمة باثنين مُتحابّين على كورنيش النيل، وليس كل اثنين مُتحابّين يخضعون لهذه التهمة، فقط إذا ما قام الشاب بالحديث بشكل غير لائق مع أمين الشرطة المار، والذي يرغب في عشرين جنيهاً كي يغضّ الطرف عن قبلة خاطفة على نهر النيل في ليل القاهرة. وعادة ما يتم اصطحاب الشاب طويل اللسان مع فتاته وضربه في القسم أمامها، واستدعاء ضامِن للفتاة الباكية بسبب الفضيحة، وينتهي الأمر على ذلك. عشان بعد كده يبقى يدفع فلوس للأمين قبل ما يبوس... لكنني قط لم أسمع عن شخص قال لفظ ما، أو أشار إشارة ما في الطريق وتم القبض عليه بهذه التهمة، ماذا وإلا سيبيت كل المصريين قاطبة، إلا قلّة قليلة من خريجات مدارس الراهبات، في أقسام الشرطة، كما أنني لم أسمع عن شخص قد تم احتجازه بهذه التهمة، حتى الواد اللي بيبوس البت ومش راضي يدفع عشرين جنيه للأمين. أقصى ما يحدث هو تحرير محضر، وشوية شتيمة على ضرب، وخلاص، يعودون إلى منازلهم سالمين.

ثم إن طرقات مصر مليئة بمن يتبوّلون في الطريق العام، وبالسائقين الذين يسبّون بعضهم البعض بالأب والأم، والبائعات اللاتي تُشرن بأصابعهن وأذرعهن للزبائن الذين يتحرّشون بهن، ولو أن هذا الإجراء أخذ بجديّة لكان بناء سور سجن حول مصر أكثر واقعية لأن السجون لن تستوعب كل هذه الأعداد.

لكن خالد علي قام بفعل فاضح حقاً وصدقاً ويقيناً.

فقد فضح خالد علي النظام المصري سابقاً حين كان يريد أن يبيع ممتلكات الشعب للمُستثمرين الأجانب، وفضح النظام حين كان يريد أن يسرق حق العاملين بها، وفضح النظام وهو يريد أن يفرّط في أراضينا التي مات آباؤنا وأجدادنا وأجداد أجدادنا حتى الجدّ المئة للدفاع عنها.

وهناك احتمال أن يفضح العملية الانتخابية القادمة بترشّحه فيها.

فاضح ده ولا مش فاضح؟ مش قلت لكم مزعج؟ مزعج ورخم وبايخ ودمه تقيل ودايماً كده عايز يبوّظ على الناس فرحتهم ورقصهم قصاد اللجان.. ويغلس الغلاسة دي كلها وهو مبتسم.

عقب احتجاز خالد علي بهذه التهمة المُضحكة، والتي إن مسّت أحداً فهي تمسّ النظام – يعني بجد حتواجهوا الناس إزاي؟ حتقولوا لهم حابسينه عشان *** لنا؟ ما تعملوا له محضر تحرّش بقى بالمرة – تم اقتياد المحامي خالد علي وسط حراسة مُشدّدة وكأنه أشار بمدفع هاون لا بإصبعه للعرض على النيابة.

 

هذا موقف يذكّرني بمشهد في فيلم "عوكل" حين قالت أطاطا: باسني في بُقّي يا سعادة البيكباشي... آه والنيعمة وووو... مش عايزة أفسّر بقى.

آه والنبي قبل ما أقفل السكّة: أين حبيب العادلي؟