إرهابيو ليبيا.. وأقباط مصر! أسباب الكراهية وخريطة الدم

رحم الله شهداء مصر من الأقباط المسيحيين (الثمانية والعشرين) الذين قتلوا في "المنيا" بصعيد مصر، يوم الجمعة (26/5/2017) على أيدي تنظيم داعش (كما أعلن بيانه الذي بثه بعد العملية)، إنها لم تكن الحادثة الأولى، لكن سبقتها العديد من الجرائم.

تشييع أقباط مصر الذين قضوا بهجوم مسلّح لداعش ضدهم
لعل أبرزها قيامهم بذبح (21 قبطياً) مصرياً على سواحل طرابلس يوم 14/2/2015، وتفجيرهم للكنيسة المرقسية بالعباسية في 11/12/2016 (وذهب ضحية الجريمة 25 مسيحياً)، وتفجير كنيستي (البحيرة والاسكندرية) في (13/4/2017)، والذي اقترب من الـ(50) ضحية وفي هذه الأحداث جميعاً أعلن تنظيم (داعش) خاصة فرعه في مصر المتحالف مع فرع ليبيا الملاصق للحدود والممول الرئيسى له بالعتاد والتدريب؛ مسؤوليته عنها وتفاخر بذلك، وبالبحث عن أسباب استهدافه لأقباط مصر، تأتي الأسباب السياسية في المقدمة وليست الأسباب الدينية الطائفية التي يتم فيها عادة من هكذا فكر متشدّد؛ تكفير المسيحيين واعتبارهم (كفاراً) ينبغي أن يدفعوا الجزية!!

إن الأسباب السياسية تتمثل في أن مسيحيي مصر كانوا من أكبر القوى الداعمة لحكم الرئيس السيسي ولثورة 30 حزيران/ يونيو 2013، فأرادوا أن ينتقموا من السيسي من خلال استهداف الأقباط المسيحيين، ورغم أنهم يستهدفون الجيش والشرطة والمسلمين المخالفين لهم، إلا أن التركيز في الآونة الأخيرة على أقباط مصر يحمل رسائل وأبعاد سياسية واضحة تستهدف النظام الحاكم ذاته، والذي لم يستطيعوا أن يسقطوه طيلة السنوات الثلاث السابقة، فاتجهوا إلى حلفائه وأبرزهم الأقباط المسيحيين وهم أيضاً في رسائلهم السياسية، يريدون إعطاء انطباع وبخاصة لدى الدول الأوروبية والولايات المتحدة، نخباً سياسية أو شعوباً، أن نظام الحكم في مصر غير قادر على حماية نفسه، وأن البلاد غير آمنة، حتى لو جاء إليها بابا الفاتيكان أو تضامن معها – كما جرى قبل أسابيع – وهم أيضاً يذهبون في دوافعهم لارتكاب هذة الجريمة ،إلى تقوية العلاقات مع إخوان مصر الذين لديهم ثأر كبير مع نظام السيسي. لقد تعدّدت الأسباب إذن من استهداف الأقباط المسيحيين بهذه الكثرة والقسوة والتي لا يقرّها دين أو عقل.

خريطة الانتشار لدواعش ليبيا

هذا عن الأسباب، ولكن ماذا عن خريطة انتشارهم في ليبيا والتي تساهم في تدريب عناصر داعش مصر في توفير الدعم اللوجستي الكامل لها، والتي تعلم الاستخبارات المصرية العسكرية – على ما يبدو للمراقب - عن حقيقتها الكثير، ولذلك ضربتهم مباشرة بعد ساعات من جريمة قتل الأقباط.

 تحدّثنا الحقائق أنه وبعد ثلاث سنوات ونصف السنة على إسقاط حكم القذافي أن ما جرى في ليبيا لم يكن ثورة بل مؤامرة متكاملة الأركان من أجل النفط، شاركت فيها (قطر – تركيا – فرنسا –الولايات المتحدة – بريطانيا – إيطاليا .. وبعض الدول الخليجية وغيرها)، ويتردّد أن الإدارة المصرية في عهود ما بعد ثورة كانون الثاني/ يناير 2011 وخاصة في عهد مرسي شاركت لوجستياً ومن خلال الدعم والغطاء السياسي للغزو الغربي، وكان للجامعة العربية بقيادة عمرو موسى وقتها والذي تبنّى عن عمد مواقف دول الخليج وعلى رأسها قطر، فتضررت مصر وليبيا وسوريا!! وشاركه في تلك المواقف، الخارجية المصرية -وقتها- بقيادة وزراء ذوي ثقافة منافقة لحكم الإخوان ولحكام الخليج.

 

 مصر الآن تدفع ثمناً باهظاً لسوء الوعي والفهم لما جرى في ليبيا وللصمت غير الحكيم على تلك المؤامرة التي سمّيت زيفاً بثورة 17 شباط/ فبراير، وأبرز الأثمان هو تكوين جماعات مسلّحة صغيرة منها جماعات القاعدة وداعش وأخواتها ومنها جماعة تسمّي نفسها بـ "جيش مصر الحر" من عناصر إخوانية وسلفية حوالى 1500 عنصر هربت بعد 30/6/2013 وتتدرب تلك الجماعات الإرهابية الآن في سبعة معسكرات بالقرب من الحدود مع ليبيا، أبرزها معسكرات (مصراته، معسكر صحراء زمزم وخليج البوردة والموجود على بعد 60 كم من مرسى مطروح – معسكر سبراته – معسكر الزنتان – معسكر الجبل الأخضر – معسكر مدينة الزاوية – معسكر مدينة درنة)، وهذه المعسكرات كان من قياداتها المدعو محمّد أزهاوي قائد انصار الشريعة الذي قتل على أيدي الجيش الليبي بقيادة خليفة حفتر في العام 2014 والمدعو  شريف الرضواني الذي سبق وقاتل في سوريا، (وهنا الرابط الخطير بين الذي جرى في سوريا من تآمر وعدوان على الدولة الحاضنة للمقاومة الفلسطينية واللبنانية، والذي يجري الآن في مصر، وأهمية المقاومة المشتركة له من دون تردد أو مجاملة لبعض دول الخليج التي تعادي سوريا!)

هذه المعسكرات يتم فيها – الآن – تدريب عناصر إرهابية مجرمة وكان أحد قادتها الإرهابي المدعو أبو طلحة (عبدالمنعم سالم) الذي قتل في قصف الطيران المصري يوم الأحد الماضي (28/5/2017). وكان الإشراف العقدي والسياسي لتلك الجماعات يتم عبر الشيخ إسماعيل الصلابي الذي يقود إخوان ليبيا وهو رجل مخابرات – فضلاً عن ادعائه العلم والدعوة – وكان حلقة وصل بين خيرت الشاطر ومحمود عزت والإخواني السوري رياض الشقفه وصدر الدين البنايونى (إخوان) مع إخوان ليبيا إبان حكم محمّد مرسي وإلى جواره يأتي (شعبان هدية) أو أبو عبيدة الليبي الذي رأس ما يسمّى بغرفة ثوار ليبيا وهي تشكيل عصابي أطلق عليه الإعلام الغربي والقطري لفظ (ثوار) – كما هي العادة مع بعض ثورات الربيع العربي الأمريكية صناعة وأهدافاً ؛ (هدية) – هذا - كان قد اعتقل في مصر منذ فترة وتمت مقايضته بطاقم السفارة المصري الذي اختطف في ليبيا، ومن أبرز قيادات الإرهاب في ليبيا: (حسام يونس فتح الله – بوراشد سفيان إبراهيم بن جمو – عبد الباسط عزوز – عطية الشاعري – سالم دروبي – أيمن كلفه - شريف الرضواني – إسماعيل الصلابي – نوري أبو سهمين – شعبان هدية – محمّد الزهاوي – عبد الثني – عمر الحاسي).

إن ليبيا تحكمها الآن عشرات التنظيمات الإرهابية والتي يقدرها البعض بـ 70 ميليشيا متحاربة مع بعضها البعض، والتي هجرها نصف سكانها (3 ملايين ليبي خارج ليبيا) بسبب هذه العصابات وهي ذاتها التي قتلت أقباط مصر!!

 هذا وتحدثنا الوثائق أن خريطة جماعات العنف والإرهاب في غرب مصر داخل الحدود الليبية استمدت بعد 30/6/2013 قوة مادية كبيرة بعد زيارات متعددة لكل من (سعادة الكبيسي رئيس الاستخبارات القطرية خلال الفترة الماضية – وهاكان فيدان رئيس المخابرات التركية) لبنغازي ولقاؤه بقيادات الإخوان المسلمين ( منهم قيادة نوري أبو سهمين أبرز قيادات الإخوان في ليبيا) وقيادات جماعة أنصار الشريعة (والتي هي امتداد للقاعدة)، والتي ترتب عليها إنشاء وتدريب (جيش مصر الحر) على الحدود والذي بايع أمير داعش في العراق أبوبكر البغدادي وأسمى نفسه بداعش ليبيا.

 لقد رصدت قطر وتركيا ما يقرب من مليار ونصف المليار دولار لدعم هذه الجماعات، مع الدعم الإعلامي عبر "قناة الجزيرة" وفضائيات أخرى، كما وأنشأت جماعات موالية لها في قبائل الطوارق!

 

إن ليبيا في المجمل وبعد سقوط القذافى فى 20/10/2011 تحولت إلى ساحة صراع مسلح، على بسط النفوذ بين ما لا يقل عن عشرين كيانا مسلحا رئيسياً وعشرات الكيانات الصغيرة، ورغم وجود حكومة الوفاق الوطنى المعترف بها دولياً بقيادة فايز السراج، بعد اتفاق الصخيرات  إلا أن الانقسام لايزال قوياً بين جماعات بعضها تابع لما سُمى بالمؤتمر الوطني العام بالعاصمة طرابلس، وحكومته برئاسة خليفة الغويل، والآخر تابع لمجلس النواب الشرعى بمدينة طبرق، وجيشه بقيادة المشير خليفة حفتر، وكل منها يدعي أنه يدافع عما يسميها الشرعية وما يعتبره صالح الليبيين. وأضحى هناك حكومة وبرلمان في طرابلس وحكومة وبرلمان في طبرق، وقوة عسكرية هنا وأخرى هناك يسميها كل فريق بـ"الجيش". مع التأكيد أن الجيش في طبرق هو الحقيقي والمتكامل من وجهة نظر كاتب هذه السطور، أما الجيش التابع لجماعة فجر ليبيا الإرهابية في طرابلس  التي دمرت وحرقت في أسبوع واحد عام 2014 سبعة آلاف منزل في منطقة ليبية واحدة هي (ورشفانة!!) وارتكبت عشرات العمليات الإرهابية، ومن  التنظيمات التابعة أو المتحالفة معها تم قتل قبل أيام 150 من جنود حفتر في بنغازي بقيادة وزير دفاع السراج والمنشق عن حفتر واسمه مهدي البرغثي، وهذه الجماعات قتلت –أيضاً-عبر جماعة غرفة ثوار ليبيا 78 ليبياً وأصابت الآلاف في طرابلس الأسبوع الماضي وهي إحدى عناصر ذلك الجيش، التابع لطرابلس والذي هو أقرب للعصابات المسلحة منه إلى جيش نظامي بالفعل ، هذا وبالإضافة إلى هذين الطرفين،  توجد كيانات أخرى لا تعترف بالفريقين الأولين، منها جماعة أنصار الشريعة و(الدروع) وكتيبة الفاروق، تنظيم شورى المجاهدين في درنة وضواحيها، تنظيم شباب الإسلام وتنظيم شورى بنغازي وهي أغلبها جماعات مسلحة لا علاقة لها بمفهوم الثورة ومبادئها، أو بالإسلام وقيمه السامية. إنهم أقرب إلى (مرتزقة) تحركهم أجهزة مخابرات غربية وخليجية!

خلاصة القول، إن هذه الخريطة للإرهابيين الدواعش في ليبيا تمثل الظهير الأمني والاستراتيجي لإرهابيي داعش في مصر، وهي التي ساهمت بالدور الرئيسي في مسلسل قتل الأقباط المصريين، كإنتقام سياسي (وليس طائفي أو ديني) من نظام السيسي، بل ومن الشعب المصري الذي لم يقف معهم في جرائمهم طيلة السنوات الست السابقة.

إن (خريطة الدم الليبية – المصرية) تلك تحتاج في مواجهتها إلى استراتيجية ردع واسعة النطاق، تمثل القوة العسكرية (كما جرى) أحد أهم ركائزها ، لكن تبقى القوة السياسية والدينية والاجتماعية لمصر وللعرب (الغائبين)!! ، لتعود ليبيا دولة واحدة متماسكة؛ خالية من الدواعش!!