عود على بدء.. تيران وصنافير مرة أخرى

يدّعي مؤيّدو السلطة أنه إذا وافق البرلمان على اتفاقية ترسيم الحدود وتسليم الجزيرتين للمملكة العربية السعودية، فإن ذلك "يسقط" أحكام القضاء الإداري بالرغم من أن الحكم قد صدر عن أعلى جهة قضائية في مصر. بل إن محامي الدولة قد قال بأن البرلمان هو السلطة الأساسية لأن السلطة للشعب! كما أن موافقة البرلمان على اتفاقية ترسيم الحدود تغني عن الاستفتاء الشعبي.

من المؤكّد أن البرلمان المصري سيوافق على تسليم جزيرتين مصريتين لدولة أخرى وهذا أمر مقطوع به
هناك توجّس لدى البعض من اقتراب موعد مناقشة اتفاقية تسليم جزيرتي تيران وصنافير للمملكة العربية السعودية في البرلمان المصري، واسمها الحركي "اتفاقية ترسيم الحدود".

بسبب ارتباك توزيع المهام والسلطات في مصر، وبسبب أن أغلب الإجراءات صوَرية، وأن الرأي والمشورة تنتهي عند الرئيس وعند الرئيس فقط، فإن الناس مازالوا لا يفهمون لماذا يتم طرح الاتفاقية على البرلمان بينما قد حكم القضاء المصري ببطلان هذه الاتفاقية، وبأن مصرية جزيرتي تيران وصنافير "مقطوع بها".

هناك جدل قانوني ودستوري في مصر بشأن مناقشة اتفاقية تسليم جزيرتي تيران وصنافير للسعودية في البرلمان.

يدّعي مؤيّدو السلطة أنه إذا وافق البرلمان على اتفاقية ترسيم الحدود وتسليم الجزيرتين للمملكة العربية السعودية، فإن ذلك "يسقط" أحكام القضاء الإداري بالرغم من أن الحكم قد صدر عن أعلى جهة قضائية في مصر. بل إن محامي الدولة قد قال بأن البرلمان هو السلطة الأساسية لأن السلطة للشعب! كما أن موافقة البرلمان على اتفاقية ترسيم الحدود تغني عن الاستفتاء الشعبي.

القضاء المصري يحكم مراراً وتكراراً ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود، والتي وقّعها النظام في غفلة منا، من دون مشاورتنا، أو الرجوع إلينا، يسلّم جزيرتين هكذا، ويدّعي محامي الحكومة المصرية، في ساحة القضاء المصري، ويقول نصاً: “مصر كانت محتلة الجزيرتين"! وبعد تقديم الوثائق جميعها، وصدور الحكم تلو الحكم، يصرّ النظام المصري على تسليم الجزيرتين، فيرجئها للبرلمان.

وهو أمر يثير الدهشة، إن كان سيعرض الأمر على البرلمان فلماذا لم يعرضه من البداية؟

الحديث على أن هذه القضية من أعمال السيادة!

تمام.

مؤيّدو الدولة يقولون بأنه، وبما أن تسليم جزيرتين من الأراضي المصرية لدولة أخرى، من أعمال السيادة، فإن القضاء غير مختص! وأن المختص هو مجلس الشعب.

بينما يقول القانونيون بإن أعمال السيادة من اختصاص القضاء وليست من اختصاص مجلس الشعب.

السؤال الأكثر حرجاً، هل سيعرضون هذه الاتفاقية على الاستفتاء الشعبي ويطلقون شيوخهم وقساوستهم ليحضوا الناس على التصويت على بيع أراضيهم؟ وهل سيصوّت الناس على ذلك بنعم أم بلا؟ وهل ستأتي نتائج التصويت نزيهة؟

لا أحد يعوّل على مجلس النواب المصري، لإنه لا يمثّل المصريين، وجميعنا يعلم كيف تم الترتيب لهذا المجلس، ولماذا تم تأسيس هذا المجلس، لقد قال أحد النواب بصراحة في أحد الجلسات: احنا هنا عشان ندعم قرارات الرئيس.

شكراً على التوضيح... لقد كان الأمر واضحاً ولم يكن هناك داع لهذا التصريح التنكيلي.

إذن، فمن المؤكّد أن البرلمان المصري سيوافق على تسليم جزيرتين مصريتين لدولة أخرى، وهذا أمر مقطوع به، كما قطعت المحكمة المصرية بمصرية الجزيرتين.

لكن هذه ليست نهاية المعركة: من هي السلطة الأعلى في مصر التي تملك إلغاء قرارات السلطات الأخرى؟

نعم كنا نعلم في السابق ألا أحد فوق القانون. لكن هناك من سيقول بأن الشعب فوق الجميع، إذا سألتني أين هو الشعب، فسأقول لك أنهم يقصدون نواب المجلس، يعنون أنهم ممثلون للشعب يعني.. كده وكده.

كما أن محامي الدولة يدّعي بإن البرلمان لديه السلطة في إسقاط أحكام القضاء وإن أتت من أعلى جهة قضائية في مصر، فإن قانونيين آخرين يقولون بإن معارضة البرلمان لأحكام القضاء قد تستوجب حل البرلمان وتطعن في شرعيته.

هل ستختار الدولة أن تفصل باستفتاء شعبي؟

هناك تخوّف من الجانبين من فكرة الاستفتاء. السلطة تخشى طرح القضية على استفتاء شعبي لأنها تعلم بأن الشارع المصري يرفض تسليم الجزيرتين.

المعارضون للاتفاقية لم يعد لديهم الثقة الكاملة في المصوّت المصري خاصة بعد أن رقصت النساء أمام اللجان، واستجاب الناخبون لحملات الشيوخ والقساوسة الذين يحشدون المصوّتين كالأغنام ليعطوا أصواتهم لما يأمرونهم به. كما أن النظام المصري الحالي قمعي بشكل غير مسبوق، على الأقل بالنسبة للأجيال الحالية، فلم نشهد هذا القمع من رئيس عايشناه وشهدنا أيام حكمه، كما أن الناس لم يعودوا يثقون في عقل النظام بشكل كامل، يعني بالبلدي كده، هم يرون أن النظام الحاكم في مصر فيوزاته ضاربة حبتين، يعني إيه فيوزاته ضاربة؟ يعني مفوت، يعني إيه مفوت؟ يعني قناوي، يعني إيه قناوي؟ يعني يوسف شاهين في المشهد الأخير من فيلم "باب الحديد". وبناء عليه فهم يتوقّعون مثلاً أن يقوم النظام بقتل كل من يدعو الناس إلى التصويت بعدم الموافقة على الاتفاقية، إلى جانب تتبّع كل "كلب" تجرّأ وصوّت بـ"لا" على الاتفاقية، نفر نفر، والزجّ بهم في السجن جميعاً. قد يبدو الأمر جنوناً، لكن الناس حقاً يظنون في هذا النظام الجنون الكامل.

إذن، فهذا هو القضاء المصري قد حكم مجدداً بمصرية تيران وصنافير – آخر حكم صدر عن الإدارية العليا، بخلاف الحكم التاريخي السابق، ببطلان الاتفاقية كان يوم 29 مايو 2017.

وهذا هو البرلمان، وكما قال أحد نوابه: احنا هنا عشان ندعم قرارات الرئيس. فهو سيصوّت بسريان الاتفاقية وعدم مصرية الجزيرتين.

وسيبقى هناك جدل قانوني، أي الجهتين أعلى؟ وكلام مين اللي يمشي؟ وسيظل الاقتراح الثالث بطرح الاتفاقية للتصويت أمراً مقلقاً للطرفين.

لكنني حتى الآن لا أعلم كيف ستُكتب هذه الحقبة السوداء في التاريخ؟ وكيف نواجه أبناءنا ونخبرهم بأن برلمان الشعب كان يدرس بيع أراضي الوطن، وأن البعض كان يقترح أن يتم طرح فكرة بيع أراضي الوطن على المواطنين لنرى هل سيوافق المصريون على بيع أراضيهم أم لا؟ والأنكى أن أحداً ليس لديه توقّع حاسم بإجابة الشعب.