صفقة التخلي عن فلسطين

دحلان بحاجة لحماس لأنه يريد أن يكون له دور في رسم السياسة الفلسطينية. ليس بالضرورة أن هناك ثقة فيما بينهما، لكن الحاجة تدفع كل طرف نحو الآخر...وللتاريخ أحذّر بأن مقايضة الوطن بالمال تؤدي إلى الانقراض. شعب فلسطين أقوى من المال، وأقوى من ضيق العيش وضنك الحياة. مائة سنة من الصراع لم تفت بعضده، ولن تفت إن شاء الله.

الحاجة تدفع كل من دحلان وحماس نحو الآخر
تتداول وسائل الإعلام أخباراً حول تحالف بين حركة حماس ودحلان، وتتحدث عن بنود اتفاق تشمل تشكيل دحلان لحكومة فلسطينية في غزة بمعزل عن الحركتيتن المقتتلتين حماس وفتح. وتقول وسائل الإعلام إن إسرائيل على إطلاع بتفاصيل التحالف وهي لا تمانع إقامته، وترى فيه فرصة لحلّ هي تبحث عنه. أما من جهة الناس العاديين، معروف أن هناك محادثات حمساوية دحلانية في القاهرة وغير القاهرة، وتفاصيل اللقاءات غير معروفة. حماس في مأزق بسبب الحصار المشدد، وبسبب ملاحقة الأنظمة العربية لها بدعوى مقاومتها للاحتلال الصهيوني، ودحلان بحاجة لحماس لأنه يريد أن يكون له دور في رسم السياسة الفلسطينية. ليس بالضرورة أن هناك ثقة فيما بينهما، لكن الحاجة تدفع كل طرف نحو الآخر.

بالنسبة لنا الناس العاديين الذين لا يشغلون مناصب ولا يتحملون مسؤولية اتخاذ القرارات، هناك خشية أن تكون التحالفات الداخلية مقدمات للتنازل عن الوطن وعن حقوق الشعب الفلسطيني التاريخية. فإذا كان الصهاينة يراقبون ويتابعون صراعاتنا الداخلية وتآلفنا ويطمئنّون لمجريات الأمور، فإن مصيبة عظيمة ستحلّ بالشعب الفلسطيني. بنود التحالف المطروحة إعلامياً تؤدي إلى فصل نهائي بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وستنهار عندها فكرة التحرير وفكرة إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران/يونيو. ستكون هناك حكومة جديدة في غزة ليست ناتجة عن قوة الأمر الواقع، وإنما ستكون نتاج اتفاقات فلسطينية داخلية تضفي عليها شرعية مموهة وزائفة لكنها يمكن أن تنطلي على جمهور الناس  فينصاعون لها. وإذا تم هذا فأين ستقوم الدولة الفلسطينية؟
 لاحظنا أن وسائل الإعلام ركزت على الدور المصري وتعاونه المقبل مع حكومة غزة. فمثلاً يفيد الإعلاميون أن مصر ستفتح معبر رفح، وهي لا تستطيع أن تفعل ذلك إلا بموافقة الكيان الصهيوني وفق اتفاقية كامب ديفيد لعام 1979. لا سيادة لمصر على معبر رفح، وعلى الجزء الأكبر من مساحة سيناء، وهي لا تستطيع أن تتصرف إلا وفق الموافقة الصهيونية مثلما يحصل الآن فيما يتعلق بدخول قوات مصرية إلى سيناء شرق الكيلومتر 58. وملاحظ أيضاً أن مصر أرسلت كمية كبيرة من المازوت (السولار) من أجل تشغيل محطة كهرباء غزة. وهناك وعد وفق وسائل الإعلام بأن تقوم دولة الإمارات العربية ببناء محطة كهرباء جديدة في غزة بتكلفة 150 مليون دولار. 

المؤشرات تدل على أن النية تتجه نحو إقامة دولة فلسطينية في قطاع غزة وجزء من سيناء إن أمكن وفق الحل العربي للقضية الفلسطينية الذي تسعى أميركا إلى تبنيه. وإذا حصل هذا فإن فكرة الرابع من حزيران تكون قد تبخرت، وفكرة تحرير فلسطين ستحال إلى المتحف حتى أجل غير مسمى، وحقوق اللاجئين ستضيع في ثنايا مناطق عربية ستخصص لهم باتفاقات صهيونية عربية أمريكية. وهكذا يُسدل الستار على قضية فلسطين. وماذا ستفعل منظمة التحرير بعد ذلك وسلطتها بقيادة عباس؟ لقد ارتضت المنظمة لنفسها أن تكون أداة بيد الاحتلال، وعلى خطاها رُسمت السلطة الفلسطينية فكان الشلل نصيب الجميع.

هناك خطيئة كبيرة تقع فيها حركة حماس وهي أنها لا تأخذ بالاعتبار عقلية وتصرفات الفلسطينيين الذين تعاونوا مع الصهاينة أمنيا ضد أبناء شعبهم. كل الذين خدموا التنسيق الأمني، وليس فقط دحلان، تلوثوا بالانحلال الوطني، ومن المفروض حرمانهم بالمطلق من استلام مناصب مسؤولية خاصة بالشعب الفلسطيني. هناك فلسطينيون ممن قادوا أجهزة أمنية وتعاونوا مع الصهاينة في مجالات الأمن يطمحون إلى خلافة عباس، أو الحصول على مراكز حساسة في السلطة الفلسطينية، ومن واجب الفصائل وجمهور الناس أن تحول دون حصول ذلك. فمن استمرأ خيانة الوطن لا يمكن أن يكون أمينا على الوطن أو مصالح الناس. هؤلاء اعتادوا التطبيع والجلوس مع صهاينة ومناقشة قضايا فلسطينية وقدموا معلومات تضر بالشعب الفلسطيني. 
وبالعرفين المدني والعسكري لا يحق لهم إطلاقا أن يشاركوا في قيادة الشعب الفلسطيني أو أن يحصلوا على وظائف رسمية حتى لو كان وظيفة مراسل في مدرسة. تاريخهم لا يجعل منهم أهلا للثقة.

وللتاريخ أحذّر بأن مقايضة الوطن بالمال تؤدي إلى الانقراض. شعب فلسطين أقوى من المال، وأقوى من ضيق العيش وضنك الحياة. مائة سنة من الصراع لم تفتّ بعضده، ولن تفتّ إن شاء الله.

الصفقة المريبة الأخرى التي تلوح بالأفق العربي تتعلق بسوريا التي ستقع في رحى الكرد والأتراك والأميركان وتردد الروس.
سأتناول هذه المسألة في المقال القادم.