المناهج التربوية تجعل الطلاب يتعايشون مع الوضع السلبي السياسي من دون الإحساس بسلبيته
يعتبر الوعي السياسي عند شريحة واسعة
من المجتمع، وهي شريحة الشباب، صمام استقراره وتماسكه. وهو حافظ للمجتمع من أي
مكروه قد يطال المؤسسات التي يفرزها من أجل السهر على خدمته ومصالحه.
ولا أضر على المجتمع ولا ادعى لهلاكه
من افتقار الفئة الأكثر عدداً والأبرز فعالية فيه للوعي السياسي الذي تحتاجه للقيام
بدورها المتوقع منها في تطور المجتمع.
وتعتبر الجامعة من أكثر المؤسسات
التي تبسط للطالب فيها الطريق إلى الشأن العام، وتحثّه عليه، وتوفر له البيئة
المناسبة التي تساعدها على سلك درب العمل العام والتفاعل معه.
ويمكن القول: إن الجامعة لها دور
علمي وسياسي معاً، ويمكن أن يتواجدا في الجامعة معاً بحيث لا يطغى أحدهما على
الآخر، فلا يكون الدور العلمي والأكاديمي على حساب دورها السياسي ولا العكس، حيث
لا بد من الموازنة بينهما. ومع ما يشهده العالم اليوم من تحولات ومتغيرات وثورات
معرفية وتكنولوجية وعولمة وازدياد المطالبة بتحقيق الديمقراطية في المجتمعات، وما
تشهده المنطقة العربية من صراعات واضطرابات، تزداد أهمية الدور السياسي للجامعة، خاصة
في مجال تنمية الوعي السياسي والإسهام في التنشئة السياسية للطلاب.
ورغم تلك الخصائص التي يتمتع بها
الفرد في المرحلة الجامعية إلا أن هناك معوقات تحول دون توظيف طاقاته في مجال
الإصلاح السياسي وقضايا النفع العام يلخص بعضها عبد الله النفيسي ذلك أن الحركة
السياسية للطلبة مرتبطة بنوعية القيادة السياسية للدولة، فإذا كانت نشطه يتجه الطلبة
إلى الدراسة والابتعاد عن الأمور السياسية، أم إذا كانت سلحفاتية فهذا يؤدي إلى
نشاط الطلبة السياسي.
كما أن المناهج التربوية تجعل الطلاب
يتعايشون مع الوضع السلبي السياسي من دون الإحساس بسلبيته.
وإذا كان من أهداف الجامعة وواجباتها
ضمان وحماية حق الطالب في العمل السياسي والاجتماعي، فهناك اتجاهات تتضمن وجهات
نظر مختلفة بشأن طبيعة دور الجامعة بخصوص العمل السياسي للطالب:
· إتجاه يؤكد على ضرورة تسييس الجامعة، حيث إن للجامعة وظيفة
اجتماعية مباشرة قوامها الإسهام في تحقيق الاستقرار السياسي والانسجام الإيديولوجي
بين قطاعات المجتمع، ومن هنا كانت سيطرة الدولة وبخاصة في الدول النامية ودعمها،
سعياً وراء أهداف سياسية منها تسييس الجامعة أساتذة وطلاباً، وخلق نوع من الوعي
السياسي المرتبط بأيديولوجية النظام السياسي القائم، وبما يضمن انضواء الجامعة تحت
راية الجهاز السياسي الحاكم.
· إتجاه يدعو لانعزالية الجامعة وحيادها، حيث يرى أن ارتباط
الجامعة بالسياسة سوف يؤثر على باقي وظائفها الأخرى، وخوفاً من انتشار بعض مظاهر
الفساد في الجامعة، أو الإضرار بحرية الجامعة واستقلاليتها، ومن هنا كان رفض دخول
الجامعة المعترك السياسي.
· إتجاه يرى أن الجامعة مؤسسة انتقادية، فالوظيفة النقدية ضرورية
لاكتشاف عيوب المجتمع وتوجيهه وهي مسؤولية الجامعة باعتبارها حارسة على المجتمع. (أنظر:
خالد صلاح، دور الجامعات العربية في تنمية الوعي السياسي للطلاب).
ويدعم كل اتجاه رأيه بمبررات منها ما
هو واقعي ومنها ما هو وهمي. وعلى أي حال، فإن البيئة الجامعية هي بيئة مجتمعية
تتداخل فيها المصالح والتوجهات وتنشئ فيها العلاقات وتتحزب فيها وجهات النظر
المختلفة خاصة في ظل المتغيرات والثورات المعرفية والتكنولوجية المتسارعة، والتي
من إفرازاتها المجتمعية كثرة الحراكات الاجتماعية المنادية بالتحرر والتي تحولت في
عالمنا العربي بعد عام 2011 إلى اضطرابات وأعمال عنف وبطش نتيجة الصراع على السلطة
بين مراكز القوى القائمة تاريخياً وبين القوى المشكلة حديثاً. من هنا ازدادت أهمية
الدور السياسي للجامعة التي استحالت فضاءات مفتوحة نسبياً للسيطرة بين النظم
السياسية وبين القوى السياسية التي هي خارج السلطة.
ويذهب عبد الله النفيسي في كتابه
"دور الطلبة في العمل السياسي" إلى أن المؤسسات التعليمية
في العالم العربي بالنسبة للنظم السياسية فيها هي مكان لتلقي العلم فقط، وتوضع
المناهج التعليمية التي تنشّئ الفرد نشأة سياسية مبنية على سياسة الدولة فقط
لتسهيل عملية السيادة السياسية. وما تنفقه الحكومات على مكافحة العمل السياسي أكثر
بكثير من الإنفاق على مكافحة المخدرات والجريمة.
وتندفع أغلبية المؤسسات الدينية لا
سيما تلك المرتبطة بالدولة إلى اعتبار دخول المعترك السياسي للفرد فيها تمرد وفتنة
وخروج عن ولاة الأمر في حين تخشى الأسر على أبنائها من التورط في العمل السياسي
لأنه قد يدمر مستقبل أولادها خاصة إذا ما كانوا على الجانب المعارض للسلطة القائمة.
وبحسب النفيسي، فمن أبرز عوامل سقوط
الأمة الإسلامية سابقاً هي تركها للعمل السياسي واتجاهها للاهتمام بالشعر والفلسفة
وغيره مما أعطى فرصة للمتغربين عن ثقافة الأمة للهيمنة على الفضاء السياسي العام.
وسواء اتفقنا مع النفيسي في تحليله أم لا، فقد لا يسعنا المقام إلا بالقول: إن الإحجام عن المبادأة بالعمل السياسي
لدى الطلبة داخل الجامعات، قدم خدمة للسلطات السياسية في البلدان المتخلفة
والنامية التي لجأت إلى ملء الفراغ عبر استحداث برامج بديلة للنشاط الطلابي داخل
الجامعات وخارجها لتضيّق من فرص المشاركة ما أمكن في حال عجزت عن صرف الطلبة عن
العمل السياسي برمته.
وتبقى للجامعة مكانتها المرموقة في
الدفع نحو العمل السياسي عبر مجالات متنوعة من أبرزها الأنشطة الطلابية المنبثقة عن
الاتحادات الطلابية التي تمارس بطريقة حرة ومنظمة خارج نطاق الدراسة
الأكاديمية دوراً أساسياً في النمو
المتكامل لشخصية الطلاب.
كما لها تأثير مباشر على مجموعة من
المفاهيم المرتبطة بالوعي السياسي مثل: الثقافة السياسية، المشاركة السياسية. حيث
إنه بدون ثقافة سياسية تنقل للفرد من خلال عمليتي التنشئة والتربية السياسية، ومن
خلال مؤسسات المجتمع المختلفة لن يتكون لدى الفرد وعي سياسي. (أنظر:
صفاء محمد علي أحمد،
الأنشطة الطلابية ودورها في تنميــه الوعي السياسي لدى طلاب الجامعة).
ويتمثل ذلك من خلال الأنشطة الطلابية
عبر المشاركة السياسية المباشرة أو غير المباشرة وتتمثل في الترشيح للاتحادات
الطلابية، الانضمام لأحد الأحزاب، قراءة الصحف والمجلات، متابعة نشرات الأخبار،
المشاركة في مشروعات خدمة البيئة، الكتابة في مجلات الحائط وحضور الندوات،
الاشتراك بمعسكرات التثقيف السياسي وغيرها.