إيران وروسيا: عندما تتصادم المفردات

"على المستوى السياسي الأمر غير واضح بأن يكون لرفيقنا الشمالي رؤيتنا ببقاء الرئيس الأسد" قال قائد الحرس الثوري الإيراني هذا الكلام فأثار الرأي العام العربي والغربي، لكن في قراءة سريعة للموقفين الروسي والإيراني يمكن القول إن الخلاف قد يكون حول المفردات والعبارات المتعلقة بمصير الرئيس السوري أما الأهداف فعندها تلتقي موسكو وطهران ودمشق.

أثارت تصريحات جعفري التكهنات حول العلاقة بين طهران وموسكو
عندما يتحدث قائد الحرس الثوري الإيراني عن العلاقة مع روسيا في الميدان السوري يضع خطوطاً حمراء عدة تحت نقاط التقاء وخلاف حول أهداف استراتيجية تتعلق بشكل سوريا ومستقبلها. ليست طهران وموسكو حتى اللحظة حليفتين، صحيح أن ما يجمعهما أكبر بكثير مما يفرقهما، ربما هي حالة الحذر والخصومة مع الغرب في مكان، وهي كذلك في النظرة إلى عالم متعدد الأقطاب، وإذا عدنا إلى الملف السوري كلتاهما حليف للحكومة السورية، وكلتاهما منذ اللحظة الأولى لانطلاقة شرارة الأزمة وقفتا بشكل حاسم وحازم ضد كل محاولة تهدف لإسقاط النظام، عسكرياً وحتى سياسياً، بغض النظر عن الاختلاف في التعبير.

لروسيا مفرداتها الموروثة من زمن الثنائية القطبية، هي مفردات دولة عضو دائم في مجلس الأمن الدولي، تقول بوضوح إنها ليست مع شخص الرئيس السوري بشار الأسد أو ضده، هي مع الحكومة السورية، في ذلك شرعنة من وجهة النظر الروسية للنظام في دمشق، وتأكيد أمام الرأي العام أنها تتعاطى مع مؤسسات لا مع أشخاص، وأن حليفها السوري هو حليف بما يمثله من امتداد رسمي وشعبي لا بما يعنيه شخص الرئيس السوري.
ولعل في مراجعة المواقف الروسية من سوريا خلال نصف عقد من الأزمة فائدة كبيرة، فوزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف قال بعد الفيتو الأول في تشرين الأول/ أوكتوبر 2011 إن بلاده لا تحمي أي نظام إنما تعمل على عدم تكرار المأساة الليبية.   عاد لافروف وكرر الكلام ذاته في آذار/ مارس من العام 2012 في الجلسة الافتتاحية لاجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة التي كان يحضرها حيث قال "نحن لا نحمي أي نظام، نحن نحمي القانون الدولي".
تكررت المواقف الروسية المشابهة، التأكيد دوماً على الدولة، على المأسسة، على أن الحرب هي بين حكومة شرعية وبين أطراف مدعومة من الخارج تريد إسقاطها، لكنها في آن واحد كانت تؤكد على ضرورة الحل والحوار مع المعارضة السياسية وهو ما عكسته موسكو في رعايتها واستضافتها للقاءات ثنائية بين أطياف من المعارضة وممثلين عن النظام. وحده الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قطع الميل الإضافي في مقابلة مع برنامج 60 دقيقة على قناة "سي بي إس" الأميركية في 27 ايلول/ سبتمبر الماضي، يومها قال "إن دعم الحكومة السورية هو الحل الوحيد للأزمة السورية"، سأله مقدم البرنامج تشارلي روز "هل الهدف إنقاذ الأسد" فأجاب بوتين "بالتأكيد أنت على حق". 

هذا بالنسبة لروسيا، ماذا عن إيران؟

لم تترك الجمهورية الإسلامية الإيرانية مناسبة منذ آذار/ مارس 2011 إلا ودعت فيها إلى حل سياسي في سوريا، بل هي في بداية الأزمة السورية أكدت على ضرورة قيام الحكومة السورية بإصلاحات تلبي طموحات الشعب السوري بل ودعت إلى تجنب الحل الأمني.
كان الموقف الإيراني من الرئيس السوري بشار الأسد يتطور يوماً بعد يوم مع ظهور حالة التسلح ودخول أطراف إقليمية ودولية مباشرة على الخط، أصبح الأمر بالنسبة إليها تهديداً مباشراً لأمنها الإقليمي ولمشروع المقاومة الذي عملت على بنائه على مدى العقود الثلاثة الماضية. نقطة التحول هذه جعلت من إيران تجاهر علناً بأنها تدعم الدولة السورية التي يقودها بشار الأسد.

الخطاب الإيراني لا يختلف كثيراً عن الموقف الروسي في مسألة دعم الحكومة السورية والحل السياسي، ربما التباين في المفردات المتعلقة بالرئيس السوري نفسه. إيران لا تترد في التعبير عن وقوفها إلى جانبه باعتباره بحسب تعبيرها وتعبير حليفها الرئيسي في المشرق العربي حزب الله "رئيساً مقاوماً دعم المقاومة وضحى لأجلها". بالنسبة لإيران وحزب الله العلاقة مع الأسد تتخطى البروتوكولات السياسية والرسمية، هو تعبير عن تكامل مع يعرف بمحور المقاومة في معركة واحدة، في خندق واحد، ضد عدو واحد.
هنا يأتي السؤال عن الاختلاف مع الروسي وأين هي التباينات، هل هي حول الأسد أم هي حول أمور أخرى مرتبطة بنظرة كل طرف لأساس الصراع في بلاد الشام. 
"رفيقنا الشمالي الذي جاء ليقدم الدعم لسوريا يقدم الدعم العسكري" يقول قائد الحرس الثوري الإيراني محمد علي جعفري مضيفاً "لكن على المستوى السياسي الأمر غير واضح بأن يكون له نفس رؤيتنا ببقاء الرئيس الأسد". 

هذا الكلام أثار زوبعة في فنجان لكنه في واقع الأمر لا يقول شيئاً جديداً في قراءة الموقف الروسي الذي عبر عن نفسه كما ورد سالفاً مراراً. يريد الإيراني من الجميع مواقف واضحة في هذه المعركة، كونها برأيه أضحت واضحة في مراميها لا تحتمل أي خلاف.
الخلاف إذاً في هذا التفصيل حول المفردات، والكلمات، والعبارات، لكنه ليس حول الأهداف قطعاً. باختصار تباين في الأسلوب والتقاء في المصالح، لذا فهو اليوم وإن كان يثير الرأي العام العربي والغربي فإنه لا يعني حقيقة شيئاً في موسكو وطهران ودمشق، فالعواصم الثلاث متفقة على ما تريد، والدليل على ذلك الميدان.