تحرير الرمادي .. الميدان المرتهن للتوافق
الحسم في تحرير الرمادي يتأخر. الأميركيون يحصدون ثمار المعركة فيها قبل أن تبدأ ويطلبون من العراقيين أن يتم التركيز عليها ويتركوا الفلوجة الأقرب لبغداد. تنظيم داعش سيركز على شرق صلاح الدين بحسب معلومات الرصد الاستخباراتية الأميركية. الحذر في الميدان يقابله حذر سياسي في ظل الخلافات القائمة بين الحكومة ورئيسها وأيضاً مع الأطراف السياسية.
الرمادي على موعد لدخول أرضها وتحريرها من داعش
تأخر الحسم في تحرير الرمادي مركز الأنبار والعاصمة
المحلية لمحافظة تشكّل ثلث العراق مساحةً. الميدان يشير إلى أن عشرين ألف مقاتل توزعوا
بمختلف صنوفهم (الجيش والشرطة الاتحادية وجهاز مكافحة الإرهاب والاستخبارات والحشد
العشائري) حول أبرز أقضية الأنبار المحررة لمسك الأرض وتأمينها، لكن أغلب هؤلاء يضربون
طوقا حول الرمادي، ويحاصرون ما تشير المعلومات إلى أنهم ألفي مقاتل من داعش، أو يزيدون
بضع مئات.
ميدانياً ووفقا للرؤية العسكرية، فان عملية تحرير
الرمادي يكفيها غطاء جوي عراقي يستهدف تحركات داعش من السماء شرط ألا ينقطع، وقصف صاروخي
على مواقع ومرتكزات داعش داخل المدينة، وعمليات التفاف لقوات النخبة من مكافحة الإرهاب
لقضم الأرض وتحريرها، رأي مضى عليه أشهر من دون أن يؤخذ به، يقول خبراء.
الحذر في الميدان، يقابله حذر سياسي، الحكومة
العراقية ورئيسها ليسا في أفضل حال سياسي، تتجاذبهما خلافات تبدأ من الحلفاء ولا تنتهي
عند الأفرقاء والخصوم وصولا إلى أطراف سياسية لم يتضح موقفها.
الأمريكيون اقترحوا في اجتماعاتهم المستمرة وزادوا
أن الافضل أن يتم التركيز على الرمادي، وطلبوا من العراقيين أن يتركوا الفلوجة وتحريرها،
رغم أن الفلوجة هي الأقرب لبغداد وتشكل خاصرة أمنية غربها، ولها رمزيتها لدى داعش.
تنظيم داعش سيركز على شرق صلاح الدين، حيث مكحول
وجباله، وحمرين ومرتفعاتها، وصولا إلى الفتحة. هذا ما أكدته معلومات الرصد الاستخباراتية
الأميركية - العراقية، وتزيد المعلومات، أن قيادة داعش العسكرية، لا هم لها خلال المدى
المنظور سوى شرق صلاح الدين، ما سبب خفضاً لأولوية للرمادي وحولّها من هدف استراتيجي
لداعش، إلى جبهة مشاغلة.
الأمريكيون قدّموا طرحاً للعراقيين مفاده أنه
لا يمكن التركيز على إكمال تحرير الشرقاط شمال صلاح الدين والاندفاع صوب الحويجة، والإحاطة
بالرشاد جنوب كركوك، وتشكيل حزام جنوب الموصل، وجنوب غرب كركوك، وكل ذلك بقوات من الضفتين
لم تتقاطعا لا سياسيا ولا عسكريا ولا أمنيا، وبهدف غير مشترك. فالحزام الجنوبي لما
سبق هو الحشد، والشمالي البيشمركة وحلفاؤهم الجدد من عشائر نينوى، لذا والرأي للأميركيين،
أن الانجع عسكريا هو أن يتم التركيز على الرمادي لتحريرها بقوات عراقية وبسلاح العشائر،
وبغطاء من التحالف الأميركي يتدخل حتى في تنسيق تحليق الطائرات العراقية.
تقاطع المعلومات فيما يسبق، يشير إلى أن الأمريكيين
حصدوا ثمار معركة الرمادي قبل أن تبدأ ومن دون تكلفة، وإن كانت فمن العراقيين، وحوّلوا
التركيز على جبهة هم يعلمون أن داعش اعتبرها ثانوية والهدف منها الاستنزاف.
حتى الآن، لم تتحرر أرض احتلها داعش من دون مشاركة
كل العراقيين وفي مقدمتهم الحشد وفصائله. يعيب خصوم رئيس الحكومة عليه أنه "ارتهن
للرفض الاميركي" برفض مشاركة الحشد في الأنبار، ويقول منصفُ، إنه اختار خطاً ثالثا
وأفلت من "خديعة أبي موسى الأشعري" بشق الأنفس، وترك للأنبار أن يحسَم ملفها
بيد أبنائها وإسنادهم للقوات العراقية، لأنه على موعد مع الأزمة ذاتها وبشكل أوسع،
إن تقدمت القوات إلى نينوى.
في خضم المعلومات والتقديرات والرصد والتحليل،
يؤخذ على بغداد أنها أشركت الأميركيين بشكل لم يسبقه مثيل في قراراتها ورؤيتها، وتحول
الأميركي من شريك وفق اتفاقية أمنية، إلى فاعل في سماء العراق ومنسق للقوات على الأرض،
من دون أن يكون مستشارا.
الرمادي هي إذا على موعد لدخول أرضها. قد يتقدم
وقد يتأخر وفقا للموقف الميداني فيها وفي غيرها. قرار دخولها لا يعني أنه سيكون خالياً من تبعات سياسية تُوجب على بغداد أميركياً، لاعتبارات اختيار الأميركيين للزمان والمكان
والهدف مسبقاً.