رسالة خامنئي إلى الغرب...وصفة الشفاء "للشيطان الأكبر"

رسالة السيد خامنئي كانت للشباب، لكنها رسالة تضمنت رسائل إلى من يهمهم الأمر. هي في مجملها تروي قصة القلق والالم الذي يسيطر على العالم. هي باختصار تعبر عن تعاطف وتضامن مع شباب يشبه شباب هذه المنطقة، لكنها أيضاً تقول للغرب عامة ولأميركا خاصة: إن أردتم مغادرة صف الشيطان الأكبر، إقرأوا ما فعلتم، صححوه، فهذه الرسالة وصفة شفاء.

بعد قراءة متأنية لمرة واثنتين وثلاثة، تبدو الرسالة على وضوحها حمالة لبعض الأوجه
قبل أيام غرد آية الله علي خامنئي، المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية، على حسابه على موقع التواصل الإجتماعي "تويتر"، بمقاطع من رسالة بعنوان "القلق المشترك" موجهة من رأس هرم السلطة الإيراني، السبعيني، إلى شباب الغرب كما جاء في مقدمة الرسالة الكاملة.

" أيها الشباب الأعزاء، إنني آمل أن تغيروا أنتم في الحاضر أو المستقبل هذه العقلیة الملوثة بالتزييف والخداع، العقلیة التي تمتاز بإخفاء الأهداف البعيدة وتجميل الأغراض الخبیثة"، يقول خامنئي في وسط رسالته التي يتحدث فيها أيضاً عن قلق مليار ونصف مليار مسلم من ظاهرة الإرهاب، "من الضروري أن تعرفوا أن القلق وانعدام الأمن الذي جرّبتموه في الاحداث الأخيرة يختلف اختلافين أساسيين عن الآلآم التي تحملتها شعوب العراق واليمن وسوريا وأفغانستان طوال سنين متتالية".

بعد قراءة متأنية لمرة واثنتين وثلاثة، تبدو الرسالة على وضوحها حمالة لبعض الأوجه. هي تعكس في مكان خيار إيران الاستراتيجي في الانفتاح على العالم لكن على طريقتها، ولنكن أكثر وضوحاً، على طريقة المرشد الأعلى الذي ومنذ أشهر ما قبل الوصول إلى الإتفاق النووي مع الدول الكبرى، يهندس ويرتب ويخطط لدفتر شروط خاص بملف العلاقة مع الغرب. هو دفتر متخم بالخطوط الحمراء التي ترسم معالم الطريق ومواضع الخطر ومسارح التفاعل. لا تريد إيران "ولاية الفقيه" غزواً ناعماً بأدوات العصر الحديثة، وهي التي صدت كل الهجمات الخشنة التي سلفت، لذا فهي تعيد تمتين السقف المرسوم منذ سنوات، وتؤكد على تسمية "الشيطان الأكبر" التي تطلقها على أميركا، أولاً كي لا يستسهل أي كان فتح الأبواب المغلقة، وثانياً لكي تقول لأميركا إن أسباب "الشيطنة" لم تنتف كي تخسر واشنطن اللقب الشهير.

للوهلة كاد اللقب الايراني لأميركا يتبخر بعد محادثات فيينا النووية التي شهدت إعلان التفاهم حول مشروع إيران النووي. كانت صور وزيري خارجية إيران محمد جواد ظريف والأميركي جون كيري تتصدر الصحف ونشرات الأخبار، وتحتها تحليلات من كل حدب وصوب تنظر حول العصر الأميركي في إيران. وحده خامنئي، وبعض ممن حوله، لم يكن يعجبهم هذا الكلام، بل إن المرشد الإيراني فضّل الصمت طالما أن يده فارغة من المعطيات اللازمة ليبني على الامر مقتضاه. يشير مصدر إيراني صاحب إطلاع ان قيادة النظام الإسلامي لم تكن مرتاحة من فكرة التطبيع مع الأميركيين، لكنها كانت أمام خيارات صعبة للغاية، أولها ترك المفاوضات عند أول فرصة وخسارة مفاعيلها التي تتخطى الولايات المتحدة إلى العالم. هكذا سيناريو كان سيؤدي إلى شرخ كبير داخل إيران بين مؤيدي المفاوضات ومعارضيها، كما أن الشارع لن ينسى بسهولة أنه كان يوماً على عتبة رفع عقوبات لم يصل إليها، وأن العالم أعطى إيران فرصة لكنها لم تستفد منها بشكل جيد.

إستمرت المفاوضات حتى جرى الإتفاق على النووي الإيراني، وكان الجميع ينتظر عودة الأميركيين إلى طهران، من نافذة الثورة هذه المرة، الثورة عينها التي طردت الأميركيين من أوسع الأبواب. نقلت وسائل الاعلام الأجنبية والعربية أخباراً عن إزالة شعارات معادية لأميركا، ثم كان الحديث عن تعاون أميركي - إيراني في مجالات مختلفة ومحادثات متوقعة، لكن كل ما سبق لم يكن سوى تكهنات لم ترق إلى مستوى قريب من الحقائق. مجدداً، إرتفع الصوت في صلاة جمعة طهران بالموت لأميركا، كذلك في مساجد أخرى، الشعار عينه برز بشكل كبير في إحتفال سقوط السفارة الأميركية في طهران، هكذا من دون أي مقدمات، بدا واضحاً ـن من بيدهم ناصية الأمور في طهران لا تعجبهم لا فقط التصريحات والحوارات مع واشنطن، إنما مجرد التفكير فيها.

بالنسبة لنظام ولاية الفقيه في إيران لا يمكن أخذ الأميركي إلا على المحمل السيء وإن ثبت العكس، فتاريخ العلاقة يشبه قطاراً من الغصات لا يكاد ينتهي من غصة حتى تظهر الأخرى، وهو تاريخ قديم يتصل إلى خمسينيات القرن الماضي عندما أطاحت المخابرات الأميركية برئيس الوزراء الإيراني المنتخب د. محمد مصدق في عملية 28 مرداد الشهيرة، أو "أجاكس" كما أسمتها الولايات المتحدة، وأعادت صلاحيات الشاه محمد رضا بهلوي إليه، ثم العلاقة المتوترة مع إيران مع إندلاع الثورة وبعدها دعم واشنطن للرئيس العراقي الأسبق صدام حسين في حربه عليها، وغيرها من أحداث تجعل من الثقة بالأميركي أمراً صعباً.

صحيح أن رسالة خامنئي كانت للشباب، لكنها رسالة تضمنت رسائل إلى من يهمهم الأمر، وهؤلاء دون شك سيقرأونها. هي في مجملها تروي قصة القلق والالم الذي يسيطر على العالم، لكنها في آن تفكفك أسباب هذا القلق، ومسببي هذا القلق، وأهدافه، هي باختصار تعبر عن تعاطف وتضامن مع شباب يشبه شباب هذه المنطقة، لكنها أيضاً تقول للغرب عامة ولأميركا خاصة: إن أردتم مغادرة صف الشيطان الأكبر، إقرأوا ما فعلتم، صححوه، فهذه الرسالة وصفة شفاء.