كورونا وهواوي.. حرب الأفيون الجديدة
أزمة أميركا لا تختلف كثيراً عن أزمة بريطانيا في حروب الأفيون، ولكنَّ أدوات الحروب المباشرة لم تعد متوافرة اليوم، وثمة حاجة إلى أفيون كثير في المستقبل.
"إنَّ الإمبراطورية الصينية لديها كلّ ما تحتاجه، وهي ليست بحاجةٍ إلى الاستيراد من الخارج، ولكنها تريد علاقات طيّبة مع الأمم الأخرى". كان ذلك ردّ الإمبراطور الصيني تشيان لونغ في القرن الثامن عشر، في معرض الردّ على طلب الملك البريطاني آنذاك جورج الثالث، لعقد اتفاقيات تسهِّل تصدير البضائع البريطانية إلى السوق الصينية.
كانت السوق الصينية تشكِّل حلاً لأزمة البرجوازية البريطانية الناشئة إبان الثورة الصناعية، فعندما تصاعدت أصوات الثورات في بريطانيا لاحِقاً في العام 1895: "الخبز، الخبز، الخبز"، كانت إجابة الطبقة الحاكِمة البريطانية جاهِزة: إما الإمبريالية وإما الحرب الأهلية، إما أن تسمحوا لنا بأن نحتلّ أمماً غيركم وإما نخوض حرباً أهليّة معكم تنتهي بجوعكم وموتكم. هذا ما جرى ويجري إلى يومنا هذا!
عودة إلى الإمبراطور الصيني الذي رفض تسهيل الاستيراد، حيث كانت بريطانيا تستورد الشاي والحرير من الصين، وتدفع الفضّة عوضاً عنهما، ما عزَّز (احتياطي الفضّة) الصيني وعزَّز ميزان الصين التجاري.
ثمّة حربان خاضتهما بريطانيا لكَسْرِ هذه الصيغة، قادتا إلى اتفاقيتين تجاريتين فُتِحت عبرهما موانئ الصين في وجه البضائع البريطانية بالقوَّة، اتفاقية "فان جنغ"، واتفاقية "تيانجين" أو "تيانسين".
تطرح الكثير من السرديات أن تصدير الأفيون إلى الصين بالقوَّة كان من جُملة البضائع التي عبرت إبان الاتفاقيتين، إلا أنَّ ثمة خصوصية لتصدير الأفيون في أجندات السياسة البريطانية آنذاك، وهي تعطيل عَجَلَة الإنتاج الصينية. لم تكن المشكلة البريطانية قائمة فقط على الحصن المحيط بالسوق الصينية، وإنما في قُدرات الإمبراطورية على التصدير كذلك.
تعاني الإمبراطوريّة الجديدة أزمة مُماثِلة، فبحسب الإحصائيات الرسمية الصادرة عن هيئة التجارة الدولية، بلغ حجم التبادُل التجاري بين الولايات المتحدة الأميركية والصين 737 ملياراً، كانت 557 ملياراً منها واردة إلى السوق الأميركي من الصين، وليست خارجة منه. كما أنَّ الصين تمتلك اليوم 1.2 تريليون دولار سندات تدين بها الولايات المتحدة الأميركية (مخزون الفضّة الجديد).
ربما لا تمتلك الإمبراطورية الأميركية الجديدة ما امتلكته الإمبراطورية البريطانية من خيارات الحرب المباشرة، لتقليص حجم الصادرات الصينية إلى العالم وسيطرتها على الأسواق، إلا أنها - ومن موقعها كقوَّة عالمية وحشية - قادِرة على العمل بجدّ لتعطيل عَجَلَة الإنتاج، ولو مؤقّتاً، لدى الخَصْم.
إن كورونا والإيغور وهواوي هي مُثلّث الولايات المتحدة للعمل في اتجاهين: تعطيل الإنتاج في الداخل أو تعطيل الاستهلاك في الطرف الآخر (الأسواق).
ربما يعتقد البعض أنّ نسبة كورونا إلى فيروس مُصنَّع مخبرياً ضرب من المُبالغة في نظرية المؤامرة، وكنا نعتقد في مُشاهداتنا الأولى لأفلام الخيال العِلمي القديمة، ومنها "resident Evil"، أن ذلك لا يمكن أن يصبح حقيقة يوماً ما!
تضاربت التصريحات الصادِرة عن منظمّة الصحّة بخصوص كورونا، باعتباره وباء أو حالة طوارئ دولية لا داعي لمنع السفر إلى دول المنشأ معها. في كلِّ الأحوال، لم تصل حدود العدوى بالفيروس إلى ما يؤهّله لوصف الوباء، مثل حال فيروس الإنفلونزا الإسبانية في العام 1918، التي أودت بحياة ثلث سكان الأرض، ولكنَّ الماكينة الإعلاميّة الغربية وظَّفت كامل قُدراتها لجعل الفيروس- بغضّ النظر عن أصله - أفيوناً جيّداً لتعطيل الصادرات الصينية.
لا يكفي تخويف الأسواق من بضائع مُصابة بالفيروس، وإنما يرافقه أيضاً خطاب "أخلاقي" يتحدَّث عن قمع المسلمين في الصين، وهذا الخطاب يستهدف فئة واسعة من المُستهلكين في أسواق الشرق.
لقد اعتاد الأميركي أن يعكس كل المقولات والخطابات السياسية إلى "دولار". وفي السياسة الخارجية الأميركية، يساوي هذا الخطاب "المؤيِّد" للإيغور (بغضّ النظر عن حقيقة واقع الإيغور في الصين)، 15 مليار دولار من التبادُل مع باكستان، و45 مليار دولار مع إندونيسيا، و244 مليار دولار مع الدول العربية.
وفي هذا السياق، لم يكن غريباً على "غوغل" أن تفتعل حرب "الأندرويد" (Android) مع هواوي، في سياق تعطيلها بعض الزمن عن المُهمَّة الأكثر إلحاحاً، وهي "5G Networks"، وإشغالها في مهمّة تطوير نظام تشغيل بديل في أسرع وقت، يحمي الشركة العملاقة من خسارة مُفاجئة في سوق بيع الهواتف.
إنّ أزمة الولايات المتحدة الأميركيَّة لا تختلف كثيراً عن أزمة بريطانيا في حروب الأفيون، ولكنَّ أدوات الحروب المباشرة لم تعد متوافرة اليوم، وثمة حاجة إلى أفيون كثير في المستقبل القريب، يبدأ من الحروب الجرثومية، ولا ينتهي بالحروب التكنولوجية والإعلام.