مهزلة "صفقة القرن".. "إسرائيل" تطالبنا بتعويضات
من الناحية القانونيّة والسياسيّة، يرتبط "حقّ العودة" للاجئين الفلسطينيين بحقّهم في "تقرير المصير"، الَّذي تحوّل إلى إحدى القواعد الآمرة في القانون الدولي، بحيث يمكن إبطال أيّ اتفاق دوليّ يخالفه أو يعرقله.
وعندما نطّلع على المادة 13 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وبنود اتفاقية جنيف الرابعة، وغيرها من اتفاقيات القانون الدولي الإنساني، نجد أنّ حقّ اللاجئين الفرديّ والجماعيّ بالعودة إلى ديارهم والعيش في وطنهم هو حقّ طبيعيّ وأساسي من حقوق الإنسان، يستمد مشروعيته من حقهم التاريخي في وطنهم، ولا يغيّره أيّ حدث سياسي طارئ، أو أيّ اتفاقية ثنائية، ولا يسقطه أيّ تقادم. وحقوق اللاجئين هذه في العودة إلى "بلدهم" لا تنحصر في دولة "الجنسية" فحسب - كما تدّعي "إسرائيل" - إنما تشمل مكان إقامتهم الَّذي تمّ تهجيرهم منه في الأساس.
كما أنَّ مبادئ القانون الدولي أيضاً تكفل للاجئ - سواء اختار العودة إلى دياره أو لم يختَرها - حقّ الحصول على التعويض المناسب، فالتعويض هو حقّ ملازم لحقّ العودة إلى الديار، يستفيد منه كل لاجئ أو مهجّر أو مبعد، سواء عاد إلى دياره أو لم يعد، علماً أنَّه يعتبر عنصراً مكملاً لحقّ العودة، وليس بديلاً منه بتاتاً، كما كانت الدول الغربية و"إسرائيل" تحاول أن تدّعي في معرض محاولات حلّ القضية الفلسطينية في السابق. ومع طرح خطة ترامب للسلام المسماة "صفقة القرن"، نجد أنَّ كل ما يكفله القانون الدولي للفلسطينيين تمّ خرقه، وتراجعت الخطة حتى عن طرح مقابل مادّي كبديل من عودة الفلسطييين إلى ديارهم، وتمادت لتطلب تعويضاً لليهود من الدول العربية والإسلامية، فماذا في خطة ترامب؟
أدرجت خطة ترامب تصوراً لحلّ قضية اللاجئين تقوم على ما يلي:
أولاً: تؤكّد الخطة أنَّ "المقترحات التي تطالب بأن توافق "دولة إسرائيل" على استقبال اللاجئين الفلسطينيين، أو الوعد بعشرات المليارات من الدولارات كتعويض للاجئين، لم تكن واقعية، ولم يتم تحديد مصدر تمويل موثوق به".
ثانياً: تعرض هذه الخطة 3 خيارات للاجئين الفلسطينيين الذين يبحثون عن مكانٍ دائمٍ للإقامة:
أ- الاستيعاب داخل دولة فلسطين، وستكون العودة محدودة، مع استثناء اللاجئين الفلسطينيين في سوريا (التي مزَّقتها الحرب) ولبنان (لأنه معادٍ لـ"إسرائيل").
ب- الاندماج المحليّ في البلدان المضيفة الحالية (رهن بموافقة تلك البلدان).
ج- قبول 5000 لاجئ كلّ عام لمدة تصل إلى 10 سنوات (50000 لاجئ إجمالاً) في كلّ دولة من الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلاميّ، والتي توافق على المشاركة في إعادة توطين اللاجئين الفلسطينيين.
ثالثاً: بخلاف ما كان بعض السّاسة اللبنانيين يطمحون إليه في تسعينيات القرن العشرين وما بعدها، من الَّذين أفرطوا في الاستدانة طمعاً بتسديد ديون لبنان مقابل توطين اللاجئين، فإنَّ خطَّة ترامب لا تعرض أيّ مقابل ماديّ مقابل توطين الفلسطينيين. كلّ ما تعرضه هو بعض القروض لتحسين البنى التحتية والقطارات وسواها وتحسين شروط التكامل الإقليمي (تمهيداً لأن تصبح "إسرائيل" دولة طبيعية ضمنه).
رابعاً: استكمالاً لخرق القانون الدولي، ولتمييع قضية اللاجئين الفلسطينيين إلى أقصى حد، تدّعي الخطَّة أنّ العدد نفسه من اليهود والعرب شرَّدهم النزاع العربي الإسرائيلي، فتذكر حرفياً: "كما تعرّض اللاجئون اليهود الذين أجبروا على الفرار من الدول العربية والإسلامية لمعاناة كبيرة. استقرّ معظمهم في دولة إسرائيل، واستقرّ بعضهم في أماكن أخرى. يجب أيضاً معالجة قضية اللاجئين اليهود، بما في ذلك التعويض عن الأصول المفقودة".
وتؤكّد أنّ "دولة إسرائيل تستحقّ التعويض عن تكاليف استيعاب اللاجئين اليهود من تلك البلدان. لذا، يجب تنفيذ حلّ عادل ومنصف وواقعيّ للقضايا المتعلّقة باللاجئين اليهود، من خلال آلية دولية مناسبة منفصلة عن اتفاقية السلام الإسرائيلية الفلسطينية".
وهكذا، لا تكون خطَّة ترامب قد تراجعت عما يكفله القانون الدولي للاجئين الفلسطينيين من حقوق بالعودة والتعويض فحسب، بل إنَّ الدول العربية قد تجد نفسها قريباً مطالبةً بتسديد تعويضات بمليارات الدولارات لمواطنيها اليهود الذين هاجروا للاستيطان في فلسطين المحتلة، وقد تكون مطالبة بتسديد تعويضات لـ"إسرائيل" نفسها، وقد يتم ابتزازها لعقود، كما حصل مع ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية!