عُمان.. الدبلوماسية الناعمة بين عهدين

على المستوى الدبلوماسي يجيد السلطان الجديد العزف على آلة "الدبلوماسية الناعمة"، هو المساهم فيها منذ عهد سلفه.

  • عُمان.. الدبلوماسية الناعمة بين عهدين
    عُمان.. الدبلوماسية الناعمة بين عهدين

"كأنّ السلطان قابوس لم يرحل". هكذا وصف دبلوماسي عمانيّ مستقبل عمان السياسي في الداخل والخارج في مرحلة ما بعد رحيل السلطان قابوس بن سعيد.

على خطى المؤسّس وعد السلطان الجديد هيثم بن طارق، العمانيّين بأن يمضي. وتذهب التوقعات إلى أن عُمان قد تشهد نهضة ثقافية واهتماماً أكبر ينافس نظيراتها الخليجيات في هذا المجال، على اعتبار أن الرجل شغل منصب وزير التراث والثقافة، وكُلّف في أوائل الألفية وضع الرؤية المستقبلية لعمان 2040 من قبل السلطان الراحل. كل القراءات تذهب إلى أنّ تحولاً اقتصادياً قد تشهده البلاد بسبب شغف السلطان الجديد بالاقتصاد والتجارة، وفي الحقيقة موقع عمان الاستراتيجي يسمح لها بهذا التحول، تدعمه في ذلك عوامل متعدّدة واستقرار اجتماعي وإجماع داخلي داعم لحاكمها ولتوليه دفّة حكم عمان ومستقبلها. 

هذا لا يعني أن الأرض مفروشة بالورود، فرغم هذا الاستقرار الداخلي ما زالت التحديات كبيرة وخصوصاً بعد احتجاجات 2011. ما زال الملف المعيشي هو الملف الأول وعلى رأسه البطالة، إضافة إلى ملف الحقوق السياسية والمدنية والمزيد من الإصلاحات التي ما زالت مطلوبة من السلطنة.

تحديات ليست سهلة، ولكنّ تجاوزها ليس مستحيلاً لسبب رئيسي. "يجمع السلطان هيثم بن طارق بين ميزتين مهمتين: معرفته بالداخل وفهمه وخبرته في السياسة الخارجية العمانية"، كما يقول دبلوماسي سابق عمل معه. ويضيف: "يعرف السلطان هيثم دهاليز الداخل والتحديات التي قد تواجهه، وهو يملك مقومات شخصية جعلته محل ثقة السلطان قابوس، وبالتالي تعامله مع الملفات سيكون على قدر كبير  من المسؤولية. هذا الرجل مثقف، يتمتع بمرونة وحزم في آن واحد، منظّم ويملك رؤية واضحة. هو رجل لا يهدأ ولا يستكين أمام مسؤولياته، لذا يشهد القصر هذه الأيام حركة كبيرة ونشطة. الاجتماعات على قدم وساق". ويتوقع الدبلوماسي السابق أن تظهر نتائج هذه الحركة للعلن قريباً.

على المستوى الدبلوماسي يجيد السلطان الجديد العزف على آلة "الدبلوماسية الناعمة"، هو المساهم فيها منذ عهد سلفه. فقد شغل مناصب نائب وزير الخارجية، والأمين العام لوزارة الخارجية، ووكيل الوزارة للشؤون السياسية، وكان وزيراً مفوضاً، كما كان لفترةٍ المبعوث الخاص للسلطان قابوس. يمكن القول إن مسقط ستحافظ على دورها في المنطقة كوسيط. دور رسّخه الراحل قابوس، وسيستمر بقناعة من السلطان الجديد.

هذا الدور حفظ لعمان مكانتها ودورها وحضورها على المستوى الجيوسياسي، وأعطاها أيضاً نكهة خاصة واحتراماً وندية وودية مع الجميع. فالوقوف على مسافة واحدة كان وسيستمرّ كما يلاحظ مراقبون. فهل ينجح السلطان الجديد في ذلك؟

يعتمد هذا الأمر على قدرته على نسج علاقات ثقة بين الخصوم. على مستوى الخليج تسود أجواء ارتياح من ناحية سلاسة انتقال السلطة وقبول الحاكم الجديد. وبرغم الندية العمانية التي لا تحبّذها السعودية، إلا أنها تقبلها وتحترمها، والأمر كذلك مع أشقاء الجغرافيا.

تشبيه دور عمان في المنطقة بدور سويسرا دولياً يستند واقعاً إلى شواهد صلبة. قدرة عجيبة جعلتها تنجح في الجمع بين السعودية وإيران، وأيضاً بين السعودية والإمارات وقطر في الوقت نفسه، كما بقيت على مسافة واحدة تجاه أميركا و"إسرائيل" وايران. 

على وقع هذه السياسة وُضعت سريعاً ملفات إقليمية على طاولة السلطنة، أولها التوتر الأميركي الإيراني وانعكاساته وتداعياته، ثمّ شهدنا اجتماعاً لوزيري خارجية كندا وإيران في مسقط إثر سقوط الطائرة الأوكرانية في طهران لبحث الكارثة، كذلك ملفا الحرب على اليمن، والقطيعة الخليجية مع قطر.