شمالي سوريا كما شمالي قبرص في العدوان التركي

ما يُخطّط له إردوغان ونظامه هو صَرْف الإنتباه عن الهدف الحقيقي بحكاية السيناريو السرّي، وترويض الرأي العام العربي والدولي على الاحتلال التركي للجزيرة السورية.

ذهب البعض في تفسيره للعدوان التركي على شمالي سوريا، إلى ردّ ذلك إلى (سيناريو سرّي) لتقاسُمِ السيطرة بين الأطراف المختلفة، وتفاوتت القراءات الأخرى بين سياسات التطهير العرقي التركية، ونَهْب موارد الجزيرة السورية، وبين المزاعِم التركية عن الخطر الذي يُشكّله حزب العمَّال الكردستاني على تركيا، عِلْماً بأن الخطر المزعوم كامِن داخل تركيا لا خارج حدودها، منذ تأسيس هذا الحزب في نهاية سبعينات القرن الماضي، كما أن راعي الإرهاب الأكبر في المنطقة (إردوغان) هو آخر مَن يحقّ له الحديث عن مُكافحة الإرهاب.

بَيْدَ أن الجانب الأخطر في السياسات التركية، هو الأحلام السوداء بالاستيلاء على كامل شمالي وشرقي سوريا ومن ضمن ذلك مدينة حلب، وكذلك شمالي غرب العراق ومن ضمنه الموصل، حيث يُشار إلى تلك المنطقة العربية لتركيا في المركز الجغرافي التركي، ويعرف المؤرّخون والباحثون أن الحكومة التركية ظلّت لسنواتٍ طويلةٍ ترفض الاعتراف بالموصل كجزءٍ من العراق.

في ضوء ما سبق، فإن ما يُخطّط له إردوغان ونظامه هو صَرْف الإنتباه عن هذا الهدف الحقيقي بحكاية السيناريو السرّي، وترويض الرأي العام العربي والدولي على الاحتلال التركي للجزيرة السورية، مُقدّمة لتشكيلِ محميةٍ جمهوريةٍ على غِرار ما حدث شمالي قبرص.

ففي صيف 1974 أقدَم حزب طوراني آخر من الأحزاب التركية على غزو شمالي قبرص مُتذرِّعاً بأسبابٍ واهية، زاعِماً أن ذلك الغزو (العملية حسب الإعلام التركي) لن يتعدَّى عدَّة أسابيع أو أشهر وأنه ليس لتركيا أية أطماع في قبرص.

منذ ذلك الحين وحتى اليوم والقوات التركية تحتلّ تلك المنطقة من الجزيرة بعد أن أعلنتها جمهورية بإسم جمهورية شمال قبرص التركية.

أيضاً ورغم عدم الإعتراف بها من قِبَل أية دولة في العالم إلا أن تركيا ضربت عَرْضَ الحائط كل الدعوات للإنسحاب من الجزيرة وحوَّلتها إلى أمرٍ واقع.

هكذا، وكما صيف 1516 الذي شهد احتلال تركيا للوطن العربي ابتداء من شمالي سوريا في مرج دابق، يشهد هذا الصيف غزواً عدوانياً آخر للأتراك الذين يتَّخذون من الإسلام ذريعة وأيديولوجيا للطورانية العنصرية التوسّعية.

ومن المؤكَّد أن أنقره وتل أبيب تُنسِّقان معاً للإطباق على المنطقة والشرق العربي ضمن استراتيجية مُشترَكة (إسرائيل الكُبرى وتركيا الكُبرى)، الأولى عبر سيناريو كونفدرالية الكانتونات الطائفية والجَهَوية، بعد تمزيق دول المنطقة وإنهاكها بالفساد وخطاب الكراهية الطائفي، والثانية، أي تركيا، عبر سيناريو كونفدرالية الولايات العثمانية.

وليس بلا معنى تحويل نظام إردوغان للمناطق السورية التي احتلّتها قواته ومرتزقته (المعارضة السورية المزعومة) خلال السنوات السابقة، إلى ولاياتٍ بإدارةِ حُكّامٍ أتراك وتحت راية العَلَم التركي.

بالمقابل، فإن الجيش العربي السوري وحلفاءه الذي تمكَّن من هزيمة المؤامرة الإمبريالية الصهيونية العثمانية التكفيرية، وقَبَرَها بالحديد والنار، قادِر على إلحاق الهزيمة بالغُزاة الأتراك ودَفْع أردوغان إلى مصير عدنان مندريس.

وهو ما يحتاج أيضاً إلى الردّ على الإستراتيجية العدوانية لتركيا الكُبرى وإسرائيل الكُبرى، باستراتيجيةٍ على مستوى الإقليم وبما ينسجم مع حقائق التاريخ والجغرافيا مُمثّلة بالهلال المقاوِم الكبير، الذي يضمّ كل المناطق المُستهدَفة بالاحتلالين التركي والصهيوني، وهي بلاد الشام والعراق.

فصراع البقاء والوجود اليوم، تخطّى الدوائر والهويات الكيانية والاستحقاقات الديمقراطية والإجتماعية المُتناثِرة هنا وهناك، إلى الهلال السوري العراقي المقاوِم برُمَّته.

وهي مناسبة أيضاً، لتحويل مئوية المؤتمر السوري الأول التي تصادف هذه الأيام، والذي ضمَّ في حينه مندوبين عن سوريا الحالية والأردن وفلسطين ولبنان، ومشاركين من العراق، إلى مؤسّسة شعبية منظّمة تمتدّ إلى بلاد الرافدين، وتضع كل الاستحقاقات السياسية والديمقراطية والإجتماعية في سياق المقاومة وخطابها، كرافِعةٍ للبقاء والنهوض.