"حرب" الاستقطابات.. حِراب القتل واحدة
لا فرق هنا....كلهم اتفقوا على كلمة قَتْلٍ واحدة... مَن أسموه "يساراً" كانت حِرابه توغِل في الدم الفلسطيني والعربي، ويمينهم أقسم ويسارهم في نشيد الهاتيكفا مادامت قلوبهم تنبض فإن عيونهم نحو أقاصي الشرق.
تحتدم ساحة الصراع الحزبي في الكيان الصهيوني بـ"حرب" الاستقطابات.. ويُسارِع بنيامين نتنياهو إلى استخدام كل ما تبقَّى في جُعبته من أوراقٍ كي يدفع حزب غانتس (أزرق ـ أبيض) للقبول بحكومة وحدة وطنية مَخرَج النجاة الوحيد للتفلّت من المحاكمة في حال ثبوت التّهم (1000/ 2000/4000)، وجميعها تُشير إلى فسادٍ ورشاوى وتواطؤ مع رجال أعمال لتسهيل مهام تضاربية تشكّل لهم أرباحاً غير مشروعة.
لم يُسفِر اللقاء الأخير مع رئيس حزب (إسرائيل بيتنا) أفغيدور ليبرمان عن نتائج ملموسة وهو المُتشدِّد في مواقفه من "الحريديم" الذين يُهدِّدون بالانسحاب من التكتّل اليميني في حال رضخَ نتنياهو لشروط ليبرمان في سنّ قوانين تُفقدِهم ميزات طالما تشبّثوا بها، وهي الميزانيات والمدارس الدينية والإعفاء من الخدمة في الجيش.
ولم تنجح كل محاولات رئيس "الدولة" في كيان الاحتلال رؤبين ريفين في إيجاد مخرجٍ لبنيامين نتنياهو الذي بدأ يرفع من منسوب صُراخه أن الديمقراطية مُهدَّدة ومصلحة "الدولة" فوق الجميع للضغط على شركاء بيني غانتس للتخلّي عن مطالبهم التي يعتبرها نتنياهو قاصِمة له ولمصيره الحزبي في حال تعثّر في تشكيل حكومة وحدة وطنية.
ويبدو أن رئيس حزب "هناك مستقبل" يائير لبيد قد تخلَّى نسبياً عن مُمانعته تشكيل حكومة وحدة ـ وبقي استعصاء الجنرالين في تكتل أزرق ـ أبيض غابي أشكنازي وموشي يعلون.
على حافّة الهاوية كما جاء في مُقدِّمات الصحف الصهيونية "هآرتس" و"يديعوت أحرنوت"، يسير نتنياهو للبحث عن مُنقذٍ يُفكِّك العقد التي تتراكم على رأس الأخير بعد أن شعر أن حبل الإقصاء يضيق في ممراته. ووفق المُعطيات التي تشير إلى أن خيارات رئيس الوزراء أصبحت ضيِّقة، فالبحث عن مُعجزةٍ لم يجعله يستسلم أمام ما ينتظره من محاكمة في حال فشل في تشكيل حكومة. ويبدو أن غانتس سيردّ التكليف أيضاً لعدم توافر النِصاب.
مُعضلة نتنياهو ليست فقط في حكومة وحدة وطنية وإنما بتهديد الأحزاب الصغيرة في ائتلافه اليميني في أن ستنسحب من التكتل في حال تخلّيه عن مطالبها.
وتبدو برغماتية رئيس الوزراء المُهدَّد تدفعه إلى أن يتنازل عن شروطه ويقبل بما يطلبه غانتس في حكومة شرَاكة في حال توصَّل إلى إتفاقٍ مع الجنرالين أشكنازي ويعلون.
يُراقَب أفغيدور ليبرمان المشهد ومن موقِع العارِف بمستقبل حكومة الشراكة التي "ستنقذ" نتنياهو لعامين إن ترأّسها وعادت إلى غانتس أن هذا أقل من شهر عسل. ويراهن على أن يرضخ نتنياهو لشروطه وقد يفعل في اللحظات الأخيرة بدل الذهاب إلى انتخابات كنيست جديدة ما يتوافق مع رئيس كيان الاحتلال الذي يرى إن أُعيدَت الانتخابات يعني الذهاب إلى فوضى سياسية تتحكَّم بالواقع الاقتصادي والأمني.
فوضى الانتخابات ونتائجها جعلت من الساحة السياسية في كيان الاحتلال حقل تجارب لقوى تقرِّر ميزان نجاح الحكومة وتشكيلها، ما يدفع نتنياهو إلى خطواتٍ تهديديةٍ في حزبه الليكود إن فكَّر البعض باستبداله بعد أن تسرَّبت معلومات تتحدَّث عن انقلابٍ لدى بعض القيادات التي تفكِّر في التحالف مع (أزرق ـ أبيض) ووفق ما يطلبه غانتس.
المخارِج بدأت تلمع في رأس رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو في التصعيد ضدّ الجمهورية الإسلامية في إيران وغزّة، وهما على محمل التوقّعات التي يراها الأخير أكثر الطُرُق نجاعة.
وهذا ما دفعه إلى عدّة اتصالات مع البيت الأبيض يطلب فيها تدخّلاً من الرئيس الأميركي دونالد ترامب في كَبْحِ الجموح الإيراني في سوريا والعراق ولبنان ـ والتهويل داخل الكيان الصهيوني من أن أيّ اتفاق مُتوقَّع بين واشنطن وطهران ستكون عواقبه جارِفة في ظلّ التهديد الإيراني لكيان الاحتلال.
وبتقديري أن واشنطن التي تحاول أن تبحث عن مخارِج للتهدئة مع إيران لن تذهب إلى خياراتٍ تراها الآن غير مواتية. وخاصة أن الرئيس الأميركي ليس في مكانة تؤهّله "اليوم" البحث في ملفات يعرف مُسبقاً أنها خاسِرة وهو على أعتاب انتخابات رئاسية بعد عام، وتحوم حوله الشُبهات التي فتح بوابتها الكونغرس في تهديد مُنافِسه الديمقراطي جون بايدن.
لم ينجح بنيامين نتنياهو الذي يُسابِق الزمن ورغم كل تصريحاته في ضمّ أغوار الأردن وشمالي البحر الميت، وتصعيد خطابه ألا دولتين في فكفكة العقد، لأن الخطاب الشعبَوي لغانتس يرفع من سقف المُزايدات في لحظةٍ حرجةٍ للطرفين.
ويُدرِك مَن يتابع المُزيدات داخل كيان الاحتلال أن الطرفين داخل ساحة الاستقطابات لا يختلفان في توجّهاتهما الاستراتيجية حول الصراع العربيـ الصهيوني ومفاهيم الأمن والتهويد والسيطرة الكلية على الضفة الغربية المحتلة والقدس، وسنّ قوانين مُصادَرة أملاك الغائبين في أراضينا التاريخية في العام1948.
لا فرق هنا أبداً في التوجّهات وهذه يُدرِكها الناخِب الصهيوني الذي اقترعَ لحزب "إسرائيل بيتنا" ورفع رصيده إلى 13 مقعداً في الكنيست. ومن المعروف أن حكومات الوحدة كان مصيرها الفشل والذهاب إلى انتخابات مُبكِرة وهذا يُدركه الليكود وأزرق ـ أبيض، ومن هنا البحث عن "مصدر" أمان للحكومة من دون تهديد بفَرْطِ عَقدِها إن تشكلَّت.
البحث مازال مُستمراً لطَوْقِ نجاة لرئيس الوزراء نتنياهو ما يدركه التجمّع الصهيوني. ولم تكن هناك أية عقدة في البرامج الانتخابية التي صعدت الحزبين في ما استحصلا عليه من أصوات. وقد يدفع رئيس كيان الاحتلال رؤبين ريفين للبحث عن قواسِم مُشتركة تُذلّل الصعوبات، وهو الذي يميل إلى كفّة نتنياهو في إيجاد مخرج نجاة له من مقصلة الخروج من دائرة الضوء وزجّه بالسجن كما حصل مع رئيس الوزراء الأسبق أيهود أولمرت.
انتظار ما يمكن أن يُقدِّمه نتنياهو لرئيس حزب "إسرائيل بيتنا" هو الفاصِل في الأيام القادمةـ وحركة قطار الوقت تجعل من جميع الأحزاب تنتظر مَن يُمكن أن يتعب أولاً. ويبدو أن نتنياهو لن يستسلم أمام مشهد يراه ضاغِطاً إنْ فَقَدَ حصانته.
في حَمْأةِ ما يحصل وفي حمى الاندفاعات نحو مَن يتمكَّن الوصول إلى خط النهايات ـ هناك مَن يُراهِن على أن الواقع السياسي الصاخِب في كيان الاحتلال ستكون نتائجه إيجابية في حال أقصي نتنياهو من ساحة العمل السياسي.. في قراءات تختزن قصوراً سياسياً ووطنياً. فالحديث هنا عن نتنياهو وليس عن برامج أحزاب أعملت الحِراب في جسد الفلسطيني طيلة سنوات الصراع.
فالقراءات المجزوءة من النصّ بين أحزاب يمين ويسار وسط، وكأنها تُقرأ في أن ( أزرق ـ أبيض) سيعمل على فتح صفحات تفاوضية يُراهِن عليها البعض بعد عقودٍ من المجازر السياسية والفعلية في فلسطين المحتلة، وما صدر من تصريحاتٍ لبعض "القيادات" الفلسطينية عن أن ذهاب نتنياهو من الساحة السياسية قد يحمل معه نَمَطاً آخر من القراءات الصهيونية للتعاطي مع السلطة في رام الله.
وهذا إن دقّق فيه يدفع إلى الفجيعة بعد كل عقود التفاوض التي هوّدت فيها الأرض الفلسطينية، وازدادت الضغوط الأميركية على السلطة في رام الله ـ وذهبت الإدارة الأميركية مع بعض النظام الرسمي العربي إلى صفقاتٍ لشَطْبِ قضية فلسطين وشعبها (صفقة القرن) التي يعتقد البعض أنها قد تذروها الرياح مع أفول نجم الإرهابي بنيامين نتنياهو.
ما يحصل في كيان الاحتلال من استقطاباتٍ سياسيةٍ وتسارُعٍ لتشكيل الحكومة ـ يجب أن يدفع إلى إجتراح سياسة فلسطينية موحَّدة ترى أن القادِم أخطر... مُستندة إلى الثوابت الأصيلة في أن فلسطين هي كامل التراب الوطني. وما تحمله الحكومة الصهيونية القادمة مهما كانت طبيعة تحالفاتها هي حكومة حرب كسابقاتها من الحكومات.
لا فرق هنا....كلهم اتفقوا على كلمة قَتْلٍ واحدة... مَن أسموه "يساراً" كانت حِرابه توغِل في الدم الفلسطيني والعربي، ويمينهم أقسم ويسارهم في نشيد الهاتيكفا مادامت قلوبهم تنبض فإن عيونهم نحو أقاصي الشرق.