عن الأداء السعودي الملتبس
لا شيء ينال من قدرة الدولة وهيبتها، ويجعلها أقل فعالية وأكثر هدراً للطاقات والموارد، من غياب الرؤية العامة وتشتتها، وعدم وجود أولويات تتناسب مع حجم وإمكانات الدولة المبنية أساساً على حسابات موقعها الجغرافي والبيئة السياسية المحيطة بها.
من حيث النظرية يعتبر هذا الكلام أمراً قائماً وتحصيلاً مؤدى لا يجادل حوله من يقرأ ويتابع التصريحات الرسمية للدولة وخاصة إذا ما كانت تتحدث عن خطط عشرية للنمو. لكن الخطط الموضوعة والمصدرة للجمهور شيء والأداء السياسي شيء آخر. فاذا لم يكن الأداء السياسي للنظام الحاكم في سياساته الداخلية والخارجية، في تحالفاته وأولويات إنفاقه، انعكاساً وتحقيقاً للرؤية العامة الموضوعة، فلا خطة موضوعية حقيقية قائمة، ولا أمل حينها في التقدم والتطور والترشيد.
حادثة الهجوم على شركة أرامكو قبل أيام جاءت بمثابة اختبار حقيقي للأداء السياسي لمنظومة الحكم في السعودية في كيفية التعامل مع الأزمة. وهو أمر افتقدت فيه السعودية للكياسة المطلوبة في التعامل مع الأمر.
الرياض ضُربت في مقتل. هذا توصيف لواقع حدث، ولا علاقة له بالموقف السياسي منها. وسواء كان المرء مؤيداً للرياض في سياساتها الداخلية والخارجية أو معارضاً وخصماً لها فلا يملك دفعاً لحقيقة أن تتعرض أكبر شركة مصدرة للنفط في العالم في بلد غالية اقتصاده يقوم على مورد النفط الخام هو بمثابة هزيمة إستراتيجية تكشف حجم الخلل الدفاعي والهشاشة الردعية للدولة.
فلا الإكثار من مصطلح "السعودية العظمى" في ردود الجيوش الإلكترونية المكرّسة أصلاً للدفاع والتبرير المطلق للحاكم قادرة على تغيير هذه الحقيقة، ولا إطلاق الاتهامات ضدّ منافس سياسي إقليمي كإيران تُجبر الهيبة المنكسرة، ولا التطمينات الغربية المكثفة للرياض بالحماية والمساندة تمنح القوة اللازمة للرياض لاستعادة زمام المبادرة.
يتضح بشكل جليّ أن العطب بنيوي، وأن الخلل في منظومة الدفاع الجوي كارثيّ. وهذه واحدة من أخطر ما يتهدد السعودية، لا إيران هي من تتسبب بهذا الخلل، ولا إرهاب جماعات الإسلام السياسي، ولا أعداء الرياض الذين يتكاثرون يوما بعد آخر.
البديهي في حالة الهجوم على أرامكو أن ترتفع الأصوات الداخلية الداعية الى تحقيق داخلي شفاف حول أسباب تعطل أو عجز منظومة الدفاع الجوي في حماية أكثر المرافق حيوية داخل الدولة؟ من هي الجهات المقصرة؟ هل هناك ثمة خرق داخلي؟ كيف يعقل أن عددا من الصواريخ وبضعة طائرات مسيرة تتمكن من إلحاق هذا الكم من الأذى في شركة تملك منظومة دفاع خاص بها، فضلاً عن منظومة الدفاع الجوي التي تغطي الأراضي السعودية؟ كيف تقف السعودية عاجزة أمام معرفة الجهة الحقيقية التي تقف خلف هذه الهجمات وردعه مسبقاً وهي التي تتصدر قائمة أكبر الدول المستوردة للسلاح في العالم في الفترة من 2014 إلى 2018، وفق معهد السلام في ستوكهولم؟
فكيف يعقل أنّه لم يوجه اتهام أو تقصير لأحد في التحقيقات السريعة التي جرت؟ وكيف يعقل ألا تكون منظومة الدفاع الجوي، الأميركية المصدر، محط انتقاد أو استفهام في الخطاب الرسمي والإعلامي السعودي؟ وطبعاً من المستبعد أن يُطرح التساؤل حول الأسباب والدافع التي قد تدفع جهات للانتقام من "مملكة الخير" كما يعتاد مسؤوليها وصحافييها الحديث عنها، وإن كان السؤال بديهي طرحه، ولا يحمل بالضرورة انتقاصا أو غمزا من خيارات المملكة السياسية؟
أليس مستغرباً ألا تملك السعودية أو القوات الأميركية صورا لرصد حركة الصواريخ والطائرات المهاجمة في ظل انتشار القوات الأميركية في المنطقة ومع وجود الطائرات المسيرة التي تسيّرها القواعد العسكرية الأميركية في الخليج والتي من المفترض أنها قادرة على رصد وتتبع أي جسم مجهول في شمال الجزيرة العربية.
الهجمات الأخيرة تشي بأن منطقة الخليج ستبقى الأكثر سخونة بين المناطق المضطربة عالميا، ومزيد من القوات الغربية فيها يعني المزيد من التوتر لا من الاستقرار. والتحالف الذي أنشأته الولايات المتحدة الأمريكية لحماية الملاحة البحرية في العالم، والذي انضمت إليه كل من السعودية والإمارات بعد هجمات أرامكو ما هو إلا وسيلة غربية متكررة لإيهام البلدين بالحاجة الخليجية الدائمة للحماية الخارجية. وهي حماية مدفوعة الأجر. وأثمانها باهظة تكاد تصادر استقلالية الإمارة أو الدولة وتحدّ من خياراتها الإستراتيجية والدبلوماسية.
الولايات المتحدة الأميركية وإن كانت الدولة الأقوى في العالم إلا أنها لا تنتمي جغرافيا إلى منطقة الشرق الأوسط. وهي اليوم أو غدا ستعود إلى موقعها الجغرافي في حين إيران دولة جارة، ولا بديل عن الجلوس معها على الطاولة، حماية لمصالح السعودية الإستراتيجية أولا، وتحصينا لجبهتها الداخلية ثانياً. وتلبية الرغبة الإيرانية بالحوار دون وصاية خارجية ليس ضعفا أو انكسارا أو إذعانا سعوديا، بل هذا ما تمليه المصلحة القومية للسعودية.
حتى اللحظة يرى السعوديون أن عملاً عسكرياً غربياً ضدّ إيران هو الوحيد الكفيل بحماية المصالح الدولية، لكن هذا الأمر لم يعد سهلاً فحجم المعارضات داخل الإدارة الأميركية لأي حرب خارجية كبير. وعلى القادة السعوديين التفكير من خارج الصندوق المعتادين عليه منذ الحرب العراقية الإيرانية.