الحُسين في الوجدان الكردي
الحسين عند الكرد هو رمز للمظلومية، ووالده أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب هو رمز للشجاعة والقوَّة، ويُستدَل على ذلك بقول ملاي جزيري (ملا أحمد جزيري) الكاتِب والشاعِر الكردي والشيخ الصوفي "لو عادَتني الدنيا كلها وكان علي فقط ظهيري لكفاني ذلك".
"إن الشعوب المُستضعَفة والمظلومة والمغصوب حقّها، لا بد من أن تتَّخذ من نهضة الإمام الحسين عليه السلام القدوة التي يجب أن يُقتدى بها".. (المهاتما غاندي).
لعلّ ما قاله غاندي يصحّ أن يكون مدخلاً مناسباً للحديث عن العلاقة بين ثورة الإمام الحسين والكرد. فأكثر مَن يفهم ثورة الإمام الحسين وعَظَمتها هم مَن تعرَّضوا للظلم والخذلان، ومَن يتبنَّى نهج الحسين عليه السلام فعليه أن يُدافِع عن المظلومين.
ومن نافِل القول أن كرد عفرين تعرَّضوا وما زالوا لظلمٍ كبيرٍ على يد الاحتلال التركي وأدواته من الجماعات الإرهابية، ولعلَّ ما يزيد في مظلوميِّتهم أنهم يُقتَلون ويُبادون مادياً ومعنوياً، فإضافة إلى عشرات المجازر والانتهاكات (خطف - تعذيب - حرق للأشجار والمحاصيل- مُصادرة المُمتلكات) التي ارتُكِبَت بحقهم والتي ترقى إلى مستوى التطهير العِرقي، تبرز مظلومية أخرى أكثر إيلاماً في انقسام المجتمع الدولي وشخصيات دينية وسياسية وإعلامية وأحزاب ومنظمات بين صامِت مُتجاهِل لتلك المجازر، وبين مُرحِّب بها، وداعِم لها عبر تزوير الحقائق وفَبْرَكة أحداث وقصص وفتاوى (مثل عفرين لا يوجد فيها جوامِع والكرد ملاحدة)، إضافة إلى أخبار أخرى تُبرِّر مجازر حصلت وتمهِّد لمجازر مُستقبلية، تماماً كما تمّ تزوير الكثير من الكُتُب التي تحدَّثت عن مأساة الحسين وآل البيت سلام الله عليهم (أَوَ كان عليّ يُصلّي؟!!!).
ففبركة أخبار وقصص عن الحسين ومشاريعه وطموحاته الشخصية مهَّدت لمآسٍ تعرَّضت لها عائلة الحسين، ومن بعدها كل الأمَّة تعرَّضت لمآسٍ وويلات.
وهذا ما ذكره الزعيم الكردي عبدالله أوجلان "لقد قتلوا أحفاد النبي محمّد المُحبّبين إلى قلبه كثيراً، قتلوا سيّدنا الحسين بأفظع الأشكال وحشية".
وفي ذات السياق نُقِلَ عن الكاتِب الإيرلندي جورج برنارد شو قوله: "ما من رجل مُتنوِّر إلا وعليه الوقوف وقفة إجلال واحترام لذلك الزعيم الفذّ، الذي وقف تلك الوقفة الشامِخة أمام حفنة من الأقزام الذين روَّعوا واضطهدوا أبناء شعوبهم".
ويُعتَبر عام 61 للهجرة تاريخ ولادة أول ثورة هادِفة لمَنْعِ استخدام الدين لتحقيق مآرب شخصية وهذه الفكرة أوردها الكاتب أنطوان بارا في كتابه الحسين في الفكر المسيحي: "إن ثورة الحسين كانت أول ثورة سُجِّلت في تاريخ الإسلام، وفي تاريخ الأديان السماوية الأخرى".
ما ورد أعلاه يُفسِّر سبب انتشار أسماء الحسين وعلي بين الكرد، ويوضح العلاقة بين الإمام الحسين والكرد، فهي علاقة وجدانية صادِقة ولربما فريدة من نوعها.
الحسين عند الكرد هو رمز للمظلومية، ووالده أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب هو رمز للشجاعة والقوَّة، ويُستدَل على ذلك بقول ملاي جزيري (ملا أحمد جزيري) الكاتِب والشاعِر الكردي والشيخ الصوفي "لو عادَتني الدنيا كلها وكان علي فقط ظهيري لكفاني ذلك".
الثورة الحسينية ثورة ضمير الأديان (محبَّة الله ومحبَّة الناس)، فالحسين تعلَّم من والده أن الناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق.
ومن أروع ما ورد عن الحسين جوابه عندما سُئِل عن سبب بُكائه يوم معركة كربلاء "أبكي على هؤلاء سوف يدخلون النار بسبب قتلي"، ولعلّنا في هذا الوقت أكثر ما نحتاج إليه في المنطقة عموماً وفي سوريا خصوصاً استذكار مثل هكذا مواقف لما لها من أثرٍ إيجابي تهذيبي ترويضي لأنفسنا المشحونة بثقافة الحقد والانتقام. عظَّم الله أجورنا وأجوركم في مُصاب الحسين .. وفي عصر الجنون الذي نعيشه يصحّ أن نقول:
عظَّم الله أجوركم وأجورنا في مُصاب إخوة لنا في الدين..
عظَّم الله أجوركم وأجورنا في مُصاب نُظراء لنا في الخلق
سلام الله على الحسين..
سلام الله على كل مظلوم محروم
سلام الله على كل مَن يسعى إلى تحقيق السلام. سلام يُعيد للإنسان إنسانيّته ويصوِّب بوصلته نحو علّة وجوده في إعمار الأرض بحبٍ وأمنٍ و سلام. سلام الله على كل مَن عَرَفَ طريق الحق والسلام.. وسَلَكه.