التعقيدات الإقليمية والدولية في شمال سوريا
بناءً على ذلك، يتّضح لنا ومع تتالي منصّات أستانا ووصولها للاجتماع الثالث عشر، أن تركيا قد عزَّزت من تواجدها على الأراضي السورية عبر احتلالها لمناطق وبلدات في الشمال السوري.
![](https://alpha-ar-media.almayadeen.net/archive/image/2019/8/15/662db37d-75aa-4b58-80ee-c486b7b07514.jpg?v=2&width=700&height=-700&mode=crop&scale=both&format=webp)
لنبدأ بما قاله الدكتور بشّار الجعفري مندوب سوريا الدائم لدى الأمم المتحدة في نيويورك وممثل وفد الجمهورية العربية السورية في أستانا، حيث قال: "إنه لا بد من اتخاذ إجراءات حاسِمة من جانب تركيا التي تدَّعي أنها دولة ضامِنة لمسار أستانا لإغلاق الحدود التركية أمام تدفّق الإرهابيين إلى سوريا"، مُضيفاً "هذا إذا أردنا فعلاً أن نتحدَّث عن نظامٍ لوقف الأعمال القتالية لا يمكن للحكومة التركية أن تلعب دور مولّع الحرائق ورجل الإطفاء في آنٍ معاً، الدور التركي حالياً هو دور مولّع الحرائق، ولا بد لتركيا من سحب قواتها الغازية داخل أراضينا واحترام بيان أستانا 1 الذي أكّد على وحدة وسيادة أراضي الجمهورية العربية السورية".
بناءً على ذلك، يتّضح لنا ومع تتالي منصّات أستانا ووصولها للاجتماع الثالث عشر، أن تركيا قد عزَّزت من تواجدها على الأراضي السورية عبر احتلالها لمناطق وبلدات في الشمال السوري، بالإضافة إلى احتلال وكلائها من الفصائل الإرهابية لمناطق في أرياف حلب وحماه وإدلب، وبالتالي بات واضحاً أن تركيا لا زالت تستثمر ملف الفصائل الإرهابية سياسياً، وتحاول إسقاطه بطريقةٍ دبلوماسيةٍ عبر نُسخ أستانا وسوتشي، وهذا يندرج ضمن إطار المُناورات السياسية التركية التي تعتمد على مبدأ تأخير الحلول السياسية في سوريا، لضمان الحصول على مكاسب سياسية تؤهّلها للدخول في تصفيات الحل النهائي.
ما تعتمده تركيا في الشمال السوري عبر بسط نقاط مراقبة تركية، وإمداد المسلّحين بالعتاد والذخيرة، واعادة تشكيلهم وتأخير تنفيذ بنود اتفاق سوتشي، يؤكّد أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يتعمَّد عرقلة الحل السياسي ودحرجة التطوّرات إلى مرحلة الحل العسكري، والذي تعمد القيادة السورية على وضعه في بند الحل الأخير للحفاظ على دماء السوريين في مناطق تواجدهم الخاضعة لسيطرة الفصائل الإرهابية، حيث أن جُل التعقيدات السياسية والعسكرية يُراد منها الإلتفاف على أيّ مُنجَز حقَّقته الدولة السورية على الصعيدين السياسي والعسكري، فمحور العدوان على سوريا يُدرِك بأن إعادة السيطرة السورية على إدلب ستكون له تداعيات مؤثّرة شكلاً ومضموناً على الكثير من المسارات في الشرق الأوسط، كما أن الزُخم الذي سيتمتّع به حلفاء سوريا وخاصة إيران، سيُشكّل عاملَ ضغطٍ إضافي لجهة التوتّرات بين واشنطن وطهران.
الخروقات التي ارتكبتها المجموعات المًسلّحة في مناطق خَفْض التصعيد، وخَرْق قرار الهدنة المُبرَم لمراتٍ عديدة، والعودة إلى مسرحيات الكيماوي عبر منظمة الخوَذ البيضاء، هي محاولات لحَرْفِ مسار الحل السياسي مع اقتراب أيّ اجتماع متعلّق بالوضع في سوريا، هذا الأمر يُشكّل الارتباط الوثيق بين هذه الجماعات والضامِن التركي، فالفصائل الإرهابية ومع تقدّم الجيش العربي السوري في عدّة مناطق في ريف حماه الشمالي وتحرير بلدتيّ تل ملح وجبين، يقابله تعزيز الضربات الإرهابية في ريف حلب الغربي عبر استهدافٍ للمدنيين، وفي ريف اللاذقية الشمالي الغربي، يأتي في إطار خشية الفصائل الإرهابية من فُقدان السيطرة على المناطق التي بقيت خاضعة لسيطرتهم، والتي تشكّل عقدة الوصل إلى محافظة إدلب، خصوصاً بعد كمّ الهزائم التي لحقت بمجموعاتهم إن كان بالاستهداف المباشر من قِبَل الجيش العربي السوري، أو عبر النزاع القائم بين مجموعاتهم، فعملية تصفية المجموعات الإرهابية لبعضهم البعض كانت قد بدأت منذ عام 2018، وعملية الانحسار القسري الذي اتبعته تركيا لهذه الجماعات عبر تفضيل جماعة على أخرى، هذه السياسة التركية أُعتمدت للإبقاء على الجيش الحر ليكون الذراع الأولى لها في جولتها الأخيرة، ولتُظهر عدم علاقتها بالمجموعات الأخرى المُصنَّفة إرهابية، إضافة إلى إضفاء صفة الشرعية السياسية لهذه المكوّنات الإرهابية، تمهيداً لجلوسها على طاولة التفاوض السياسي.
الطريق إلى إدلب سيقود حتماً إلى شرق الفرات، حيث الورقة الأخيرة التي تلعب بها تركيا لجهة اشتراكها في الحرب على سوريا، يأتي هذا ضمن نقيضين، أولهما إنها محتلة لأراضٍ في الجمهورية العربية السورية، والثاني إنها ضامِنة للحل السياسي في سوريا، ومسألة الكرد تمّ اقتسامها بين الأميركي والتركي وفق منظورين:
*الأول - تستغلّ تركيا الملف الكردي بذريعة حماية الحدود والأمن القومي، فتحتل مناطق من سوريا وتثير الملف في مجلس الأمن والأمم المتحدة على خلفيّة العلاقة السيّئة بين تركيا والكرد، وتتواطأ مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب على إقامة مناطق آمِنة تُرحِّل إليها اللاجئين السوريين في تركيا، لتكون الحد الفاصل بينها وبين الكرد.
* الثاني - أميركا ووفق خطّتها للحرب على سوريا، وبعد انتصارات الجيش العربي السوري والحليفين الروسي والإيراني، وبعد عملية استخباراتية أميركية استطاعت استغلال بعض الكرد ممَّن يتبعون لميليشا "قسد" وتحريضهم على الانفصال عن الجسد السوري تحت بند تقديم الحماية وتحقيق الحلم الانفصالي، وبالتالي ضمن الخطة الأميركية والتي تقتضي استمرار الوضع في سوريا على ما هو عليه لحين كَسْر شوكة محور المقاومة واستمرار نزيف الدم السوري وإنهاك الدولة السورية سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، خاصة مع تواجد الحليفين الروسي والإيراني ضمن منظومة العلاقة مع سوريا.
واشنطن وأنقرة اصطدمتا خلال سنوات الحرب على سوريا بالكثير من المطبَّات الاستراتيجية السورية، وما تبقّى من حلول إن كانت سياسية أو عسكرية فإن ترامب وأردوغان يحاولان استغلال التعقيدات والتناقُضات للحصول على مكاسب من أنواعٍ مختلفة، وذلك عبر سياسة وضع العصي في عجلات الحل السياسي، ريثما يتمكّنان من تحقيق الانتصار المعنوي الذي باتا يعلمان جيّداً أنه قد زال ميدانياً، فلا ضَيْر في كَسْب السمعة السياسية الإعلامية عبر زعمهم بأن كلاً من البلدين قد حقّق النصر على الإرهاب في سوريا.
في المحصّلة، بات من الواضح أن ما يجري على الأراضي السورية هو إرهاب أميركي غربي وبمساندة العدو الإسرائيلي، والحرب على سوريا كانت البند الأصعب في خارطة تغيير الشرق الأوسط، ولكن سوريا كانت ومازالت تؤكّد على تنفيذ قرار مجلس الأمن 2254، والذي يؤكّد على سيادة واستقلال ووحدة أراضي سوريا جمعاء، لتكون كافة التعقيدات الإقليمية والدولية المُحيطة بالشأن السوري، تسعى في مجملها إلى تأخير الحل السياسي ما أمكن، حتى تتوضَّح كافة مسارات الشرق الأوسط سياسياً وعسكرياً.