العلاقات الإيرانية الإماراتية بين انفتاح تجاري وركود سياسي
في واحدٍ من عدّة عوامل تجمع بين المصالح الاقتصادية بين الجارتين (إيران والإمارات) حقيقة هي أنه إيران ترتبط منذ عقود بتعامُلات وتبادُلات تجارية ضخمة مع أغلب دول الخليج. لكن يبقى أكثرها وأضخمها مع الإمارات العربية المتحدة. ورغم ذلك، فإن التوتّر الحادِث بين البلدين يُعدّ غير مسبوق في علاقتهما المُضطربة، لكن لغة المعاملات الاقتصادية لا تعرف الهزيمة في أغلبها.
هذه هي البداية مع تصريحات رئيس رابطة التجّار الإيرانيين في الإمارات عبدالقادر فقيهي الذي حضر ليؤكّد أن الإمارات ستُعيد منح تأشيرة الدخول للتجّار الإيرانيين الذين أُلغِيَت تأشيراتهم في السنوات الأخيرة لأسبابٍ سياسية، وليُلفِت الأنظار إلى أن هناك انفتاحاً جديداً للتجارة بين (إيران والإمارات). مُصرِّحاً مع وسائل إعلام إيرانية، أنه خلال محادثات مع حكّام دبي "اتفقنا على فتح حسابات بنكيّة للتجّار والمُستثمرين الإيرانيين ومَنْحهم تأشيرات دخول تجارية".
نعم فقيهي حضر هنا سريعاً موضِحاً أن هناك انفتاحاً جديداً للتجارة بين (إيران والإمارات)، وإن عزا هذا الانفتاح الإماراتي إلى أن "الكثير من الإيرانيين غادروا الإمارات وبدأوا الاستثمار في تركيا وأماكن أخرى"، كذلك فحجم التبادُل التجاري بين (إيران والإمارات) انخفض من 40 مليار دولار إلى سبعة مليار دولار في السنوات الأخيرة. وبعد ستة أعوام على آخر اجتماع بين خَفْر السواحل (الإيرانية والإماراتية)، وإن سبق وصول وفد عسكري ضمّ سبعة من كبار مسؤولي خَفْر السواحل الإماراتيين في طهران للمشاركة في الاجتماع السادس للتعاون الحدودي بين خَفْر سواحل البلدين، وليتمّ توقيع اتفاقيات تعاون بين الجانبين. في عديد محاولات إنقاذ حجم من الضَرَر يمكن أن يلحق بالبلدين مع تطوّرات الأمور لما هو أبعد من المناوشات السياسية
قد يكون هو الدعم والمساندة الكبيرين من حلفاء لدولة الإمارات إثر حادث الأربع سفن في المياه الإقليمية أساسه مواقف الدولة الإيجابية في دعم الاستقرار، فقد حضر القلق بشأن صواريخ إيران وسياساتها في المنطقة، رغم ذلك حضر دائماً الاقتصاد كلغة حل فهذه إيران قبل الإمارات يخرج منها مَن يُحذّر بلاده بالفعل في مشكلة اقتصادية منذ فترة بسبب انخفاض معدّلات تصدير النفط وتهاوي العملة الوطنية ونقص العملة الأجنبية. فالحقيقة أن أيّ صراع آخر في المنطقة سيعني ضَرَراً اقتصادياً للجميع، لكن الإمارات ستتضرَر بشكلٍ خاص لأنها تعتمد على التصدير وتحتاج إلى مضيق هرمز لنقل البضائع وليس النفط فقط، وهو ما يخشى حدوثه إن أغلقت إيران مضيق هرمز إذا تعرَّضت لضربةٍ عسكرية.
هي التبادُلات التجارية الضخمة، رغم العلاقات السياسية المُتوتّرة بين البلدين منذ عقود، إلا أن الإمارات تصدَّرت قائمة الدول العربية من حيث التبادُل التجاري مع طهران خلال عام 2017، بقيمة 13 مليار دولار تقريباً. كذلك تستحوذ دبي على نحو 90 في المائة من إجمالي حجم التبادُل التجاري، بينما بلغت الصادرات الإيرانية نحو خمسة مليارت دولار، فيما بلغت الصادرات الإماراتية إلى إيران نحو سبعة مليارات دولار. وكان من المفترض أن يصل الرقم إلى 30 مليار دولار بعد توقيع الاتفاق النووي بين طهران والدول الغربية.
بحسب المصادر الرسمية الإيرانية، فإن الامارات هي أكثر دول العالم تصديراً لإيران، إذ تشكّل صادرتها نحو 30 في المائة من واردات إيران. كذلك لإيران العديد من البدائل التي يمكن أن تلجأ إليها، مثل موانئ تركيا أو سلطنة عُمان، بخلاف توسيع التعامُلات الاقتصادية الكبيرة أصلاً مع دول شرق آسيا وصادراتها العالمية التي تتعدَّى 40 مليار دولار، وحدودها مع الكثير من الدول، وهو ما ليس مُتوافراً لدى الإمارات.
نعم قد يكون بالفعل يستثمر مئات من رجال الأعمال الإيرانيين ملايين الدولارات في إمارة دبي، وعليه قد تكون هناك ضغوط لكن لدى إيران بدائل وخيارات يمكنها من خلالها التغلّب على هذه الضغوط الأميركية، وهي في كل الأحوال لن تخضع أو تركع للإرادة الأميركية بل سيكون نتيجتها دفع إيران لاتخاذ مواقف أكثر راديكالية وتشدّداً.
مما لا شك فيه أن الإمارات مُستفيدة للغاية من التبادُلات التجارية مع إيران، حتى الفجيرة كانت قد حصلت على استثناء عندما فرض ترامب الحظر على النفط الإيراني، لتُواصِل إيران استخدام ميناء الفجيرة في تصدير نفطها مقابل مبالغ مالية باهِظة تحصل عليها الإمارات. كذلك الإمارات قائمة أساساً على التجارة وعلى الاستثمارات، وخصوصاً دبي. ومُجرَّد صاروخ أو لغم واحد في منطقة استثمارية في الإمارات سيجعل كافة المُستثمرين يفرّون بأموالهم وتنهار الدولة اقتصادياً. في الوسط قد تعوّل (الإمارات والسعودية) كثيراً على الحماية الأميركية التي لا يتوقّف ترامب عن الحديث عنها وضرورة أن تدفع دول الخليج مقابلاً لها. لكن يبدو أن القلق قد بدأ يتسرّب للبعض، لكن الواقع أن ترامب قد يركّز في حال توقيع اتفاق مع إيران على تأمين مصالح إسرائيل فقط من دون أي اعتبار للدول العربية الحليفة.
لقد عَمَدَ عدد من المُهتمين بالشأن السياسي، إلى التشكيك في الوقوف ضد إيران في الأزمة الحالية، بعضهم يرى في طهران صديقاً، وبعضهم من بلدان خارج دائرة الصراع، ولا يشعرون بالخطر. ولكن يبقى أن الأصوات المُتشكّكة أقلّية حتى الآن، وهنا يرى البعض أن (الإمارات والسعودية) لهما الحق الكامل في حماية مصالحهما والدفاع عن النفس، ويبقى وسط ذلك أنه لا يُخفى على أحد حجم التوتّرات التي حفل بها المشهد السياسي بين (إيران والإمارات) تصاعدت حدّتها مؤخراً. لكن على الرغم من ذلك، فإن في خلفيّة هذا المشهد المُلتَهِب تعامُلات تجارية بمليارات الدولارات.. فهل تطغى لغة المال على لغة القوّة؟. وعليه تبقى العلاقات (الإيرانية الإماراتية) بين انفتاح تجاري وركود سياسي.