العدّ التنازلي لزوال إسرائيل

أعلن السيّد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله أنه يتوقّع إن أطال الله في عُمره أنه سيكون من المُصلّين في القدس أي بعد تحرير كامل فلسطين المحتلة و إزالة إسرائيل من الوجود، والسيّد حسن شخص منطقي وعقلاني ويبني مواقفه بناء على حسابات دقيقة وعلمية ولا يعتمد على بيع الوهم للجماهير سواء المُناصِرة أو المُناهِضة له، فما هي الحسابات الدقيقة والعلمية التي بنى عليها السيّد حسن موقفه غير المسبوق بشأن الصلاة في القدس وتحرير فلسطين المحتلة من الإحتلال الإسرائيلي؟. 

كان حزب الله قبل مُشاركته في الحرب السورية يُجيد حرب العصابات الدفاعية فقط ، أي أنه يقوم بالعمليات العسكرية المُباغِتة ثم يقوم بالإنسحاب من المواقع التي هاجمها، أما بعد مُشاركة حزب الله بفاعلية في الحرب السورية أصبح حزب الله قادِرأً على اقتحام المواقع  والسيطرة عليها و القيام بعملياتٍ عسكريةٍ بريةٍ هجوميةٍ كاسِحة، فحزب الله شارك بفاعلية في معارك القصير و غوطة دمشق الشرقية و الغربية و معارك البادية و جبال القلمون و اللاذقية، و بتلك المُشاركة أصبح حزب الله قادِراً على القيام بعملياتٍ عسكريةٍ هجوميةٍ، و المحوري في الأمر أن تلك العمليات تمَّت في بيئاتٍ جغرافيةٍ مختلفة، فأرض القصير تختلف عن أرض البادية، و أرض البادية تختلف عن جبال القلمون  وجبال القلمون تختلف عن تلال أرياف حلب كتلّة الحمام و تلّة السيرياتيل،  فحزب الله أصبح قادِراً على القتال في الأراضي المنبسطة و الوديان  والجبال و التلال، و تلك الخبرات العسكرية و الجغرافية التراكمية سيتم توظيفها و استغلالها حتماً في الحرب القادمة المُحتَملة بين حزب الله  وإسرائيل، و لذلك تخشى إسرائيل من تهديدات حزب الله بأنه قادِر على دخول الجليل لأنها تعلم أن حزب الله قادِر عسكرياً و برياً على فعل ذلك.

ومن الأمور التي زادت من قوّة حزب الله عسكرياً مُشاركته في تخطيط العمليات العسكرية إلى جانب ضباط من الجيش الروسي، فروسيا قوّة عُظمى ومتقدّمة في كافة المجالات بما فيها المجالات العسكرية، و من المؤكّد أن عناصر حزب الله استفادوا من التعامل معهم بشكلٍ مباشر، وليس بالضرورة أن تكون الاستفادة في جزء العمليات البرية فقط، فمن الوارِد أن الاستفادة شملت الجوانب التكنولوجية والاتصالاتية أيضاً، فاحتكاك عناصر حزب الله بقوّة عُظمى مثل روسيا يثقل خبراتهم العسكرية بشكلٍ شاملٍ، و التقارير التي وردت من الإعلام الغربي أفادت أن الظباط الروس أشادوا بانظباط مُقاتلي حزب الله وشجاعتهم وقدرتهم على التصرّف بشكلٍ جيّدٍ إذا انقطع الإتصال بقيادة العمليات، و هذا يدلّل على عُمق معرفة الروس بحزب الله، وتلك المعرفة لم تكن لتأتي إلا نتيجة احتكاك كبير و تنسيق حقيقي بين الروس و حزب الله. 

ووفقاً للتقارير الغربية فإن حزب الله أصبح يمتلك عدداً كبيراً من الصواريخ المُضادّة للدروع القادِرة على تدمير الدبابات الإسرائيلية،  وهذا أمر ليس بجديد، فحزب الله فعله في حرب تموز 2006 وفعله في عملية مزارع شبعا عام 2015، و لكن تلك التقارير الغربية تتحدّث عن امتلاك حزب الله أنظمة دفاع جوي حصل عليها من إيران وسوريا مثل منظومة بانتسير و عدد لا بأس به من صواريخ ستينجر حصل عليها الحزب من مخازن الإرهابيين المهزومين في سوريا، و هو ما يعني قدرة حزب الله على تحييد سلاح الجو الإسرائيلي، و جعل القوات البرية الإسرائيلية بلا غطاء جوي سيؤثّر عليها عسكرياً و نفسياً، فالجندي الإسرائيلي هشّ نفسياً على مستوي صلابة العقيدة وتضحيته بنفسه من أجل تلك العقيدة، فإذا شعر هذا الجندي أنه غير محمي جواً وأن عامل تفوّقه انتهى ، سينهار هذا الجندي نفسياً، و هذا حدث سابقاً أثناء محاولة الجيش الإسرائيلي الفاشلة اقتحام حيّ الشجاعية في قطاع غزَّة، لذلك إذا تم تحييد سلاح الجو الإسرائيلي في الحرب المقبلة لن تصمد القوات البرية الإسرائيلية أمام وحدة الرضوان في حزب الله عندما تحاول التقدّم نحو الجليل، ففي تلك الحال ستكون المواجهات في مساحةٍ صغيرةٍ و ضيّقةٍ  ولن تستطيع القوات البرية الإسرائيلية استيعابها نفسياً و ذهنياً ، فلم يسبق أن قام طرف عربي و إسلامي بمحاولة دخول فلسطين المحتلة برياً،  وهذا إذا حدث على أرض الواقع سيسبِّب انهياراً إدراكياً و ذهنياً للإسرائيليين عامة و ليس للجيش فقط ، و هذا رأيناه بشكلٍ مُصغَّر في مارون الرأس و وادي الحجير و الشجاعية.

و التطوّر العسكري البري لحزب الله صاحَبه تطوّر على المستوى الصاروخي ، فحزب الله نفسه و التقارير الغربية و إسرائيل تقول ، إن عدد صواريخ حزب الله أصبح كبيراً ، فالمراكز الاستراتيجية الغربية تقول إن عدد صواريخ الحزب من 120 إلى 150 ألف صاروخ ، و أن دقّة صواريخ حزب الله ارتفعت و قدرتها التدميرية زادت ، و المُلاحَظ هنا أن أهم نقطة قوّة لحزب الله هي أهم نقطة ضعف لإسرائيل ، فإسرائيل مساحتها صغيرة و عرضها ضئيل و عُمقها الإستراتيجي محدود ، و هو ما يعني أنه في حال قام حزب الله بإطلاق عشرات الآلاف من صواريخه على إسرائيل سيحدث دمار هائل في إسرائيل نتيجة عُمقها الإستراتيجي المحدود و الصغير ، و حتى لو كان جزء من تلك الصواريخ غير دقيق ، فعددها الكثيف قادر على إحداث تدميرٍ هائلٍ داخل إسرائيل ، لذلك يمكن القول إن نقطة قوّة حزب الله هي نقطة ضعف إسرائيل و هذا الأمر له علاقة ببرنامج إيران الصاروخي أيضاً ، فالغرب يريد القضاء عليه من أجل أمن إسرائيل .

و من الناحية الجيو سياسية فإن إسرائيل في موقفٍ ضعيفٍ و هشِّ ، فالمقاومة الفلسطينية تحاصرها عبر قطاع غزَّة ، و هناك خلايا نائِمة في الضفة الغربية ، و حزب الله يحاصرها عبر جنوب لبنان ، و يتم العمل من محور المقاومة لجعل الجولان جبهة فاعِلة في أية حرب مقبلة مع إسرائيل ، و التطوّر الخطير الذي حدث مؤخّراً هو امتلاك جماعة أنصار الله في اليمن صاروخاً قادِراً على الوصول إلى داخل إسرائيل و مشاركة أنصار الله في اليمن في أية حرب مقبلة أمر ألمح إليه الأمين العام سابقاً  وأدنى شيء إذا شاركوا سيقومون بفعله هو تدمير السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر و هم قادرون على فعل ذلك ، و إسرائيل بسبب مساحتها الصغيرة و تنوّع حدودها غير قادِرة على خوض حرب على جبهتين فكيف سيكون مصيرها إذا خاضت حرباً على أربع جبهات مُشتعلة ، قطاع غزَّة و جنوب لبنان و الجولان و ربما جبهة البحر الأحمر عبر أنصار الله أو جبهة العراق عبر حزب الله العراق . 

ومن ضمن الأمور التي تُدلّل على وضع إسرائيل الجيو سياسي السيّىء هو قول صحيفة هآرتس الإسرائيلية عام 2016 ، إن الطريق البري الذي تسعى إيران لتأمينه هو أكبر تهديد لأمن إسرائيل ، و هذا الطريق جزء كبير منه أصبح مؤمَّناً من طهران إلى بغداد إلى دمشق إلى بيروت حتى ساحل البحر المتوسّط ، و هذا الطريق البري سيُسهّل عمليات نقل المقاتلين و الأسلحة و الدعم اللوجيستي في الحرب المقبلة المُحتَملة ،  وختاماً يجب التذكير بمقولتين ، الأولى للسيّد عباس الموسوي الذي قال فيها إسرائيل سقطت ، و الثانية للسيّد حسن الذي قال فيها ، إسرائيل التي تمتلك قنابل نووية و أقوى سلاح جو في المنطقة و الله أوْهَن من بيت العنكبوت ، فهل يتّعظ مَن يُهرول للتطبيع مع إسرائيل التي ساء وضعها  وبدأ العدّ التنازلي لزوالها ؟