ترامب يسقط مُجددَّاً في قِمته مع الرئيس الروسي على هامش اجتماع قِمة ال20

منذ قمة هلسنكي وحتى اجتماعهما الأخير في اليابان، لا يمتلك الرئيس الأميركي الكثير من النجاحات في جُعبته ليستعرضها على الإعلام في مؤتمرٍ مُشترك مع رئيسٍ مُحنَّكٍ مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

مَن منا لا يذكُر اللقاء الشهير الذي ألغاه الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في قِمة دول ال20 التي عُقِدت العام الماضي في الأرجنتين، مُتحجّجاً بتطوّراتٍ شهدتها الساحة الأوكرانية!!!
حقيقة الأمر لم تكن كذلك أبداً، فبعد ما شهدته قمّة هلسنكي بين الرئيسين الأميركي والروسي من ردود فعلٍ سلبيةٍ على مستوى العالم، أصبح الرئيس الأميركي يحسب كثيراً قبل لقائه نظيره الروسي وجهاً لوجه بشكلٍ مُنفَتحٍ أمام الصحافيين. هذا الأمر كان واضحاً في القمة الأخيرة التي عقدها الرئيسان على هامش اجتماع قمة دول ال20 في اليابان والتي شَهِدَت فكاهة قريبة إلى التهرّب عند الرئيس الأميركي مقابل دبلوماسية معهودة في الإجابة الدقيقة والمدروسة من قِبَل الرئيس الروسي.
منذ قمة هلسنكي وحتى اجتماعهما الأخير في اليابان، لا يمتلك الرئيس الأميركي الكثير من النجاحات في جُعبته ليستعرضها على الإعلام في مؤتمرٍ مُشترك مع رئيسٍ مُحنَّكٍ مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. حتى إنَّ وجهات النظر يمكن اعتبارها أصبحت أكثر بُعداً عما كانت عليه سابقاً، وعلى مختلف الساحات، إذا لم نعتبر أنَّ المُخطّط الكبير للرئيسين هو في عداد المُتناقضَين خاصة على مستوى الرؤية الإستراتيجية التي يحملانها في السياسة والعلاقات الدولية.
لم يستطع الرئيس ترامب الوقوف إلى جانب نظيره الروسي لإطلاق موقفٍ ضدَّ إيران مثلاً، فالطرفان لا يمكنهما التوافق في هذا الإطار أبداً، الأمر الذي يؤكِّد الحيثية الإستراتيجية التي تتمتَّع بها إيران اليوم، وحلفها المتين والإستراتيجي مع دولٍ كبرى كالصين وروسيا وغيرهما، وهو حلف يُثبت أهمية إيران على الساحة العالمية ودورها كلاعبٍ أساسٍ لا يستطيع أحد العَبَث بدورِه.
أما في الملف العربي، فلم يتّفق الرجلان على موقفٍ موحَّدٍ من القضية الفلسطينية والتي تُشكِّل في عُمقها بُعداً إستراتيجياً حقيقياً للرئيس الروسي غير المُنحاز للعدو الصهيوني وهو وسيط أساسي قد يظهر دوره في أوقاتٍ لاحِقةٍ، في وقتٍ تبقى فيه الولايات المتحدة عرَّابة إسرائيل والداعِم الأول للكيان الصهيوني.
وفي سوريا التي شَهِدَت الانكفاء الأميركي العام المُنصَرِم من الشمال السوري، لا يسمح الرئيس الروسي لمَن شارك في قتل جنود روس في سوريا بشكلٍ مباشرٍ أو غير مباشر عبر دعم الإرهاب أن يُملي عليه تسويات تؤثِّر على العُمق الإستراتيجي الروسي في الشرق الأوسط، والذي تُساهم الولايات المتحدة علناً بضربه.
أما على المستوى الآسيوي، فالتحالف الروسي الصيني يُثير حفيظةَ الرئيس الأميركي الذي يبحث كل يومٍ عن أوراقٍ جديدةٍ يلعبها ضدَّ الصين. أما الموقف الروسي تجاه الصين فهو واضح جداً ولا يمكن أن يُسمَح لأحدٍ أن يزعزعه، فالصين أولوية روسية في سبيل تحقيق سياسة عالمية جديدة مُتعدِّدة الأقطاب، تُشكِّل الصين أحد أركانها. من دون أن ننسى أنَّ الصين لعبت دوراً أساسياً في سوريا إلى جانب روسيا، وتُحضِّر نفسها اليوم للعب دورٍ أساسي في إعادة الإعمار.
من الواضح جداً اليوم أنَّ القمّة الرئاسية الروسية الأميركية لم تحمل في طيَّاتها أيّ جديد، حتى أنها أثبتت الشَرْخَ الكبير بين الدولتين النوويتين الأقوى في العالم ، وأنَّ الجانب الروسي بات أكثر حدّية في تعاطيه مع نظيره الأميركي ولا يقدِّم له أية تنازلات، خاصةً وأنَّه اليوم يقف موقف الحاصِد لنجاحات المحور المقاوِم إلى جانب إيران في سوريا واليمن والعراق، والتي تصبُّ جميعها ضدَّ سياسة الأميركي وحلفائه في منطقة الشرق الأوسط، الأمر الذي لا يريده الرئيس الأميركي في هذه المرحلة تحديداً والتي يبحث فيها فقط عما يخدم حملته الانتخابية للانتخابات الرئاسية.
لقد سقط ترامب مُجدَّداً في قمّته الأخيرة مع الرئيس الروسي، فهو لم يرتقِ أبداً إلى المستوى الذي يصبو إليه ليزيد أسهمه في الداخل الأميركي.