ماذا بعد ورشة البحرين الاقتصادية
الورشة الاقتصادية في المنامة والتي خطَّطت لها وأدارتها عصابة فريق "السلام" الأميركي الذي يضمّ كوشنير، غرينلات وفريدمان بمُساعدةٍ من قادة دول الخليج العربي شعارها المُعلَن الازدهار والرفاهية للفلسطينيين في الضفة الغربية وغزَّة ما هي إلا جزء من صفقة القرن وخطة أميركية صهيونية لتصفية القضية الفلسطينية وحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم، وتطبيع العلاقات العربية مع دولة الاحتلال والتعامُل معها كقوّةٍ رئيسيةٍ في المنطقة في مواجهة إيران التي أصبحت بمقدرة الرئيس الأميركي ترامب العدو الرئيسي للعرب التي يجب الحشد ودفع الأموال لمواجهتها.
ورشة البحرين فتحت الأبواب على مصراعيها لحكّام الخليج للبَوْحِ علناً بما كانوا يقولونه سرّاً ومن تحت الطاولة، والتمجيد بدولة الاحتلال والدعوة للتطبيع العَلني والرسمي معها، كما سمحت للكثير من الجرذان الإعلاميين بالخروج من جحورهم والتمجيد بدولة الاحتلال والإقرار بحقّها في الأرض الفلسطينية وحتى التطاول على المسجد الأقصى، والتقليل من أهميته واعتباره معبداً يهودياً. وزير خارجية مملكة البحرين، خالد بن أحمد آل خليفة تحوَّل إلى ناطقٍ رسمي باسم العرب المُطبّعين مع الدولة العبريّة، وشَرَعَ في حملةٍ لتبييض صورتها والإقرار بوجودها وأحقيّتها في الأرض، والدعوة للسلام معها في مواجهة إيران. وسارعَ بعد يومين من عقد الورشة إلى استضافة وزيرة الخارجيّة الإسرائيليّة سابِقاً ليفني التي دُعِيَت إلى البحرين لإلقاء مُحاضرةٍ، فيما كان وزير الخارجيّة الإسرائيليّ يقوم بزيارة سرّية إلى أبو ظبي، واجتماعه إلى عددٍ من المسؤولين هناك.
لماذا جرى اختيار البحرين للورشة الاقتصادية:
مملكة البحرين تُعتَبر نموذجاً لكافة الدول العربية التي تُقيم علاقات سرّية مع إسرائيل. وحسب صحيفة "ذي أتلانتيك" الأميركية فإن البحرين تضمّ جالية يهودية لا يزيد عددها على 30 فرداً، جذورهم من العراق وإيران واليمن، وحين اعتلى حمد بن عيسى آل خليفة الحُكم في البحرين قبل 17 عاماً، أنشأ تقارُباً مع الولايات المتحدة.
واعتمد على هذه الجالية التي تُعتَبر ورقة رابِحة بهذه العلاقة، وأبقى على تمثيلٍ لليهود في برلمان بلاده، ثم عيَّن هدى نونو كي من أصلٍ يهودي سفيرة للبحرين في واشنطن. وكسفيرةٍ يهوديةٍ لدولةٍ خليجية، عملت نونو كي على توطيد العلاقات بشكلٍ أكبر مع يهود الولايات المتحدة، ومهَّدت لطُرُقٍ خفيّة بين البحرين و"إسرائيل"، ولاحقا شهد القصر المَلكي في البحرين إقامة علاقات سرّية مع الأجهزة الأمنية "الإسرائيلية"، لكنه عمل جاهِداً على بقائها سرّية. ولذلك وقع اختيار غاريد كوشنر، مُسشتار دونالد ترامب وصَهْره، وعرَّاب "صفقة القرن"، على دولة البحرين كمكانٍ لإطلاق هذه الصفقة ولإخراج العلاقات السرّية إلى العَلن.
وبالتالي فإن ورشة البحرين لم تكن من أجل الفلسطينيين، ولا هي محاولة لخلق مشاريع اقتصادية لهم، وبنى تحتية لتسهيل حياتهم، بل تهدف إلى خلق تحالف قوي ضدّ إيران، وتحسين أوراق نتنياهو الانتخابية ليفوز في الانتخابات المقبلة. ترامب وحكومته فشلا في كل معاركهما مع المنافسين الروس والصينيين وكوريا الشمالية وحتى الاتحاد الأوروبي ومع إيران ولم تنجح إلا في ابتزاز العرب الذين يستمتعون بالاسترخاء في الحضن الأميركي.
محاولات وزير خارجية البحرين تحسين صورة إسرائيل وتقديمها إلى المواطنين العرب بصورةٍ أفضل، قد باءت بالفشل، ولم تنجح في تسويق السياسة الإسرائيلية، بل إنها ارتدّت عليه شخصياً حيث كانت صورته وكرشه الضخم يبعثان على النفور قبل الإصغاء لكلماته، حتى أن الناشطين على وسائل التواصل شرعوا بحملة تهكّم وأطلقوا النكات عليه.
وأمام حال الفشل التي تعانيها صفقة العصر بسبب إجماع الفلسطينيين على رفضها فقد بدأ كوشنر بالتودّد للقيادة الفلسطينية من خلال الإيحاء بأن ترامب مُعجَب جداً بالرئيس محمود عباس في محاولةٍ لاستمالة الرئيس وشقّ الإجماع الفلسطيني الذي يرى بأن هذا الفريق الذي يرأسه كوشنير يعمل لصالح «إسرائيل» فقط، ويخدم دولاً في المنطقة مقابل عمولةٍ وأجر، ولا يمكن له أن يكون وسيطاً نزيهاً في أية عملية سلمية ، ويرفضون أية محاولات لتحسين وضعم الاقتصادي أو المعيشي كثمنٍ لتخليّهم عن أرضهم وقضيتهم.
السلام يبدأ بالحل السياسي الحقيقي وجوهره إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس والاعتراف بحق اللاجئين في العودة والتعويض وليس بمشاريع اقتصاد لن تكون أفضل من مشاريع سلام فياض، ومشاريع رفاهية نتنياهو الاقتصادية للمناطق الفلسطينية.