هل قرار اندماج الحشد الشعبي في الجيش فخّ أميركي لمحور المقاومة؟

في النهاية لكي نستطيع أن نُحلّل هذا الأمر بشكلٍ دقيقٍ يجب علينا أن نفهم مُحدَّدات العلاقة بين إيران والحشد الشعبي، وكيف توازِن الحكومة العراقية بين علاقتها مع أميركا وعلاقتها مع إيران وآلية إتخاذ القرار داخل الحشد الشعبي، تلك العوامل هي التي ستُحدِّد لنا مآلات هذا القرار والاحتمالات وارِدة الحدوث مستقبلاً بخصوصه.

من الوارد أن يكون هذا القرار قد تم بالتنسيق بين إيران والعراق من أجل منع أية عقوبات أميركية محتملة على الحشد الشعبي

أصدر رئيس الوزراء العراقي السيّد عادل عبد المهدي قراراً بضمّ كافة فصائل الحشد الشعبي المُقاتِلة إلى القوات المسلّحة العراقية، وأن تتلقّى فصائل الحشد الأوامر حَصْراً و فقط من قيادة القوات المسلحة العراقية ، ويتم إغلاق مقار الحشد ومنعه من تأدية أيّ دورٍ سياسي في العملية السياسية العراقية، فهل هذا القرار يُضرّ بالتحالف الإيراني العراقي وبالعلاقات الوثيقة بينهما؟

أولاً: العلاقة بين إيران و بين الحشد الشعبي هي علاقة أيديولوجية عقائدية لا تخضع للضغوط السياسية أو الصفقات و المساومات السياسية، فنظرية ولاية الفقيه التي ابتكرها و أحياها الإمام الخميني هي الرابِط الأيديولوجي بين إيران و جميع حلفائها في الوطن العربي وليس في العراق فقط، فحلفاء إيران يتبعون قيادة روحية حكيمة مُتمثّلة في قائد الثورة الإسلامية الإيرانية علي الخامنئي، و هذا يعني أن اندماج فصائل الحشد الشعبي في الجيش العراقي لن يقطع صلتهم بإيران، لأن تلك الصلة ليست سياسية فقط بل لها جوانب أيديولوجية و عقائدية وروحية لا داع لذِكرها هنا، مما يعني أن علاقة الحشد بإيران ستظلّ كما هي حتى لو تعرَّضت تلك العلاقة لضغوطٍ أميركيةٍ في إطار الحرب الهيستيرية التي تشنّها أميركا على إيران و حلفائها في الوطن العربي.

ثانياً: من الوارِد أن يكون هذا القرار قد تمّ بالتنسيق بين إيران والعراق من أجل منع أية عقوبات أميركية مُحتَملة على الحشد الشعبي، فاندماج الحشد في الجيش العراقي سيمنع أميركا من فَرْضِ عقوباتٍ عليه لسببين، السبب الأول أن بعد عملية الإندماج لن يكون هناك كيان إسمه الحشد الشعبي فكيف تفرض أميركا عقوبات إقتصادية على كيانٍ غير موجود من الأساس؟ أما السبب الثاني فهو أن أميركا لن تستطيع فَرْض عقوباتٍ على الجيش العراقي لأنه لا توجد عَداوة بين الحكومة العراقية وأميركا، وتوجد بعض القواعد العسكرية الأميركية داخل الأراضي العراقية بالتنسيق مع الحكومة العراقية ، و هذا ما يعني أن أميركا إذا رأت أن قرار الاندماج هو لعدم فَرض عقوباتٍ إقتصاديةٍ منها على الحشد، فهي لن تستطيع فرض عقوبات على العراق لأنه ليس عدوّاً لها وفرض عقوبات عليه سيُهدّد التواجد العسكري الأميركي في العراق، وأميركا تسعى إلى التموضع عسكرياً في العراق لأنها تعمل على قطع التواصل البرّي بين الحكومتين السورية  والعراقية حتى تمنع التواصل البرّي الذي يُهدّد هيمنتها و يُهدّد أمن إسرائيل. و هذا الطريق البرّي يبدأ من إيران إلى العراق إلى سوريا وصولاً إلى لبنان، وهو التواصل الذي وصفته صحيفة هآرتس الإسرائيلية عام 2016 بأنه أخطر تهديد لأمن إسرائيل. 

ثالثاً: من الوارِد أن ترفض بعض الفصائل في الحشد الشعبي الإنضمام للجيش العراقي حتى تجسّ نبض هذا الأمر أولاً و تحكم عليه من خلال دخول بعض الفصائل الأخرى إلى الجيش، وهنا سيعمل الحشد الشعبي كمجموعاتٍ مُتفرّقةٍ في بداية الأمر، لكن تخضع لقيادة مركزية موحّدة عندما يصدر القرار النهائي، فبعض الفصائل توافق على الاندماج في الجيش و البعض الآخر يرفض الاندماج، وبالتالي تقوم جميع الفصائل بجسّ نبض قرار الاندماج عندما تدخل إلى الجيش وترى مآلات هذا الدخول على دور الحشد الشعبي وعلاقته مع إيران، فضلاً عن اكتشاف هل هناك خطوات أخرى مُتّفق عليها بين أميركا و العراق أم لا، ولكن هذا في حال إن كان هذا القرار ليس بدافعٍ وطني من الحكومة العراقية بل بضغطٍ أميركي، وهل هو قرار في صالح محور المقاومة أم فخّ له، و ما يُرجِّح هذا الاحتمال أن جزءاً من فصائل الحشد سترفض الاندماج، والمُتحدّث الإعلامي بإسم كتائب حزب الله العراق قال تلميحاً إن فصيله ربما يرفض هذا القرار ويرفض الاندماج في الجيش العراقي، وهذا يُدلّل على أن فصائل الحشد لن تتّخذ مواقف مُطلقة بل ستمسك العصا من المُنتصَف حتى يتبلور الهدف الحقيقي من هذا القرار، وهل تصحبه نيّة خبيثة مُبيَّتة للحشد ومحور المقاومة أم لا، وعلى هذا الأساس سيتّخذ الحشد قراره النهائي الموحَّد بعد مرور مرحلة جسّ النبض.

في النهاية لكي نستطيع أن نُحلّل هذا الأمر بشكلٍ دقيقٍ يجب علينا أن نفهم مُحدَّدات العلاقة بين إيران والحشد الشعبي، وكيف توازِن الحكومة العراقية بين علاقتها مع أميركا وعلاقتها مع إيران وآلية إتخاذ القرار داخل الحشد الشعبي، تلك العوامل هي التي ستُحدِّد لنا مآلات هذا القرار والاحتمالات وارِدة الحدوث مستقبلاً بخصوصه.