كوشنر والبحرين
كوشنر هذا لمَن لا يعرف هو يهودي الديانة يلتزم البيت يوم السبت، صهيوني الفكر، وولاؤه لإسرائيل يتقدّم على ولائه لبلده الأصلي، للولايات المتحدة الأميركية، وتحوم حوله وحول ترامب شُبهات فساد كبيرة بسبب العلاقات القوية التي تربطه بوليّ العهد السعودي ووليّ عهد الإمارات.
كوشنر زوج إبنة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إيفانكا، ومستشاره السياسي الذي يتولّى الإشراف على ملف تصفية القضية الفلسطينية من خلال ما يُسمّى بصفقة القرن التصفوية، التي هي في الأساس رؤية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للحل النهائي مع الفلسطينيين كما جاءت تفصيلاً في كتابه (مكان تحت الشمس)، هو المشرف على ورشة المنامة الاقتصادية التي عقدت في 25 و26 حزيران/يونيو الماضي.
كوشنر هذا لمَن لا يعرف هو يهودي الديانة يلتزم البيت يوم السبت، صهيوني الفكر، وولاؤه لإسرائيل يتقدّم على ولائه لبلده الأصلي، للولايات المتحدة الأميركية، وتحوم حوله وحول ترامب شُبهات فساد كبيرة بسبب العلاقات القوية التي تربطه بوليّ العهد السعودي محمّد بن سلمان ووليّ عهد دولة الإمارات العربية المتحدة محمّد بن زايد.
ولذلك فإنه يشكّ على نطاق واسع بأنه يريد من خلال إشرافه المباشر على ورشة البحرين الاقتصادية استكمال عملية الحَلْب التي بدأها ترامب لحكّام السعودية وبعض دول الخليج، للحصول على أكثر من خمسين مليار دولار هذه المرة لتصفية القضية الفلسطينية بأموالٍ عربية.
ويُخطئ مَن يعتقد بأن الأموال التي يجري الحديث عنها سوف تذهب إلى سَداد الدين الخارجي لبعض الدول العربية، أو لإنعاش اقتصادات فلسطين وبعض الدول العربية، فقد سمعنا ذلك عند توقيع كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة ولم نرَ أيّ شيء.
بالمبلغ الذي يجري الحديث عن استثماره لإنجاح صفقة القرن ، وقرابة نصفه عبارة عن قروض، هو أصلاً مبلغ تافِه، ولا يتضمَّن إنشاء حتى مصنع واحد، جزء منه سيذهب لتمويل مشاريع توطين للاجئين الفلسطينيين في بعض الدول العربية لشطب حق العودة، وهي العملية التي بدأها ترامب بوقف تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وجزء منها سيذهب على شكل رشى للحكومات العربية التي ستوافق على توطين الفلسطينيين، فيما سيذهب ما سيتبقّى منه للموظفين الأميركيين والأجانب الذين سيشرفون على إقامة طريق آمن بتكلفة (5) مليارات دولار بين غزّة والضفة، رغم أن مثل هذا الطريق الذي تحدّثت عنه اتفاقات أوسلو تحت عنوان الممر الآمن لا تزيد تكلفة إقامته عن بضع مئات الآلاف من الدولارات، فيما سيذهب ما تبقّى له ولترامب وربما لنتنياهو وسماسرة آخرين.
ولأن الصهيونية هي مشروع البرجوازية اليهودية الكبيرة المتحالفة مع أكثر الدوائر الامبريالية رجعية لنهب الأرض الفلسطينية والعربية، وسرقة ثروات العرب وتحويلها إلى خزائن جيوب هذا التحالف غير المُقدَّس، فإنه يجري توظيف الاقتصاد في خدمة السياسة من ناحية، كما يجري توظيف المكان والزمان بشكلِ يذكّر بمناسبات أو تواريخ مهينة أو مُذلّة للفلسطينيين والعرب من ناحية ثانية.
إنّ ورشة البحرين الاقتصادية هي امتداد لسياسة ونهج وعد بلفور في إعطاء مَن لا يملك إلى مَن لا يستحق، من دون أية مشاركة فلسطينية مع فارِق بسيط وهو أن بعض الدول العربية التي تورّطت ببيع فلسطين سراً في وعد بلفور، عندما أكّدت بأنها تؤيّد إقامة وطن قومي لليهود المساكين في فلسطين، توافق اليوم علناً على بيع كل فلسطين للصهاينة بأموالٍ تدفعها هي من وراء ظهر الشعب الفلسطيني.
ولكن بمُقاربة بسيطة يمكن القول بأن وعد المنامة لن يُكتَب له النجاح كما نجح وعد بلفور للأسباب التالية:
أولاً: لأن الشعب الفلسطيني موحَّد في رفضه لصفقة القرن بشقّيها الاقتصادي والسياسي.
ثانياً: لأن موازين القوى التي سمحت بتمرير وعد بلفور كانت تميل بشكلٍ مُطلَق لمصلحة التحالف الصهيو-امبريالي الرجعي العربي، بينما هي اليوم لا تميل لمصلحة تلك القوى.
ثالثاً: لأن هناك محور مقاومة تقوده إيران رافِض لذلك المؤتمر ولتلك الصفقة ولمشاريع الهيمنة الأميركية على المنطقة.
رابعاً: لأن الشعب الفلسطيني يرفض بيع أرضه حتى لو كان الثمن المدفوع كل تريليونات الأرض.
بقي القول إن اختيار كوشنر ومَن هم وراءه للعاصمة البحرينية المنامة لم يكن صدفة بقدر ما هو أمر له علاقة بإجماع تاريخية صهيونية بجعل البحرين والأحياء جزءاً من مشروع إقامة إسرائيل الكبرى... فهنالك حقيقة تاريخية مهمة ربما لا يعرفها الكثيرون ذكرها الباحث البحراني خالد البسام في كتابه الصادر بتاريخ 1-4-2005 تحت عنوان (البحرين والقضية الفلسطينية 1917-1948) أنه كان هنالك اقتراح بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين قبل شهرين من صدور وعد بلفور باختيار فلسطين لإقامة ذلك الوطن في الثاني من تشرين الثاني عام1917.
وتقول مصادر تاريخية أخرى أن طبيباً يهودياً تقدّم بطلب إلى الحكومة البريطانية أيضاً قبل صدور وعد بلفور لإقامة وطن قومي لليهود في البحرين والأحياء، إلا أن الحكومة البريطانية رفضت طلبه وأصرّت على اختيار فلسطين.