مؤتمر البحرين.. تحويل القضية الفلسطينية من سياسيةٍ إلى اقتصادية
لم يستيقظ الشعب الفلسطيني مما آلت إليه اتفاقية أوسلو التي حصرت كلِّ المقدرات الفلسطينية في بوتقةٍ صغيرة قابلة للصهرِ في أي وقت، هذه المساعي الإسرائيلية الواضحة منذ إقرار المشروع الصهيوني القائم على طرد الفلسطينيين وإحلال المستوطنين بدلًا منهم، مما يعيطهم السيادة الكاملة على الأرض.
بعيدًا عن الاستيطان الذي أودى بالضفة والقدس إلى طريقٍ مسدود بفعل ذلك، بجانب الاتفاقيات التي عزَّزت من السلامِ مقابل خيار المقاومة، والذي تلاشى شيئًا فشيئًا، وفي الأعوام الأخيرة 2017-2019، باتت كلِّ المساعي مُسخرةً لتصفية القضية بتطبيق صفقة القرن الموقعة مع الدول العربية مقابل الازدهار والسلام من أجله.
ولم يكن غيابُ النظام السياسي في فلسطين عن مؤتمر البحرين محض صدفة؛ وذلك بعد جولةٍ طويلة الأمد استمرت لربعِ قرن من أجل تحقيق السلام والإزدهار "اتفاقية أوسلو"، إذ أن الحكومة الفلسطينية اتخذت موقفاً بمقاطعة المؤتمر البحريني في العاصمة المنامة، برعاية الولايات المتحدة الأميركية، من أجل التنمية الاقتصادية في الأراضي الفلسطينية، هذه التنمية تم الحديث عنها ضمن بنود اتفاقية أوسلو، والتي تضمنت مبدأ حل الدولتين، لكن دون التطبيق مع الوصول لعام 2019، لذلك فإن الموقف كان بناءً على النتائج السلبية التي بُرهنت وكانت من مخرجات اتفاقية أوسلو، ولن تكون مخرجات المؤتمر بعيداً عن فشل تطبيق السيادة وإنهاء الاحتلال؛ لأن الولايات المتحدة لا ترعَ اتفاقاً لا يخدم المصالح الإسرائيلية في المنطقة، وقد سعت الإدارة الأميركية منذ توليها سيادة العالم على أن تجعل من إسرائيل قوةً في المنطقة العربية بالتحالف في الوقت الحالي مع الدول العربية التي شاركت بالمؤتمر، وهذا من شأنه أن يبدد الصراع حول خيار حل الدولتين أو إنهاء الاحتلال للأراضي الفلسطينية.
والهدف الأساسي من مؤتمر البحرين التصفوي المنعقد في الـ25 من حزيران لعام 2019، أن يحول القضية الفلسطينية من سياسةٍ إلى اقتصادية، خاصةً وأن الولايات المتحدة في عام 2007 نجحت من خلال خطة دايتون على إنهاء الكفاح المسلح في الضفة مقابل الدعم المالي للحكومة الفلسطينية أنذاك، وجعلت الفلسطينيين مرتبطين ارتباطاً مباشراً بالبنوك من خلال القروض المتراكمة عليهم، وحالياً تسعى الولايات المتحدة من خلال خطة كوشنر للسلام الاقتصادي في المنطقة العربية، إلى جمع 50 مليار دولار من الدول العربية المشاركة في المؤتمر لصالح الفلسطينيين، كنوعٍ من التنمية الاقتصادية والقضاء على البطالة من خلال توفير فرص العمل.
ومما تداركه الموقف الفلسطيني بأنه لم يفصل الجانب السياسي عن الاقتصادي نهائياً في امتناعه عن المشاركة في المؤتمر، إذ نادى بالحلول السياسية قبل الخوض في الأمور الاقتصادية، خاصةً وأنه في النظام السياسي لا يمكن فصل الاقتصاد عن السياسة، لذلك كان رفض الرئاسة الفلسطينية واضحاً في ذلك، بالرغم من أن فلسطين عنصراً أساسياً في المؤتمر المنعقد في المنامة. والموقف الرسمي يحتاج للدعم الفصائلي والشعبي المتمثل في وضع خطة استراتيجية طويلة الأمد لمواجهة التجويع والحصار المالي والاقتصادي لفلسطين في قادم الأيام، إذ أن الرفض هذا سيودي بالحصار المالي الأميركي الإسرائيلي على السلطة الفلسطينية، والخطة هذه من شأنها أن تتكفل في مواجهة صفقة القرن التي تتطلب فعلياً وأد الانقسام وتفعيل خيار المواجهة المباشرة على مبدأ الوحدة الوطنية لإسقاط المشاريع التصفوية للقضية.
وتسعى الولايات المتحدة الأميركية إلى تجاوز القرار الفلسطيني في هذا المؤتمر من خلال حشد الدول العربية المشاركة في المؤتمر مثل الأردن ومصر والمغرب ودول الخليج، وذلك لتمرير الخطة الأميركية الإسرائيلية، كما أعلنت سابقاً عن نقل السفارة الأميركية إلى القدس دون الموافقة الفلسطينية، وهنا تريد الولايات المتحدة جمع الأموال من أجل تمرير خطتها المتمثلة في صفقة القرن، والمؤتمر جاء بعد تراجع الولايات المتحدة عن إعلان بنود صفقة القرن في الأونة الأخيرة، واختارت هذا المؤتمر لتبرير الفشل الذي وقعت به الإدارة الأميركية، خاصةً وأن هذا المؤتمر هو لتنمية الاقتصاد فلسطينياً وتعزيز السلام إسرائيلياً أميركياً.
وإن اختيار البحرين كمُضيفةٍ للمؤتمر يُبين بأن الولايات المتحدة تريد أن تحول الأنظمة العربية الضعيفة إلى قوةٍ ومركز تأثير في المنطقة العربية من خلال فتح المجال أمام مصالحها، مقابل تطبيق القرارات الأميركية، ومما سهل من هذه العملية بأن البحرين أول دولة عربية فتحت الباب أمام إسرائيل في التطبيع وتعزيز التعاون بينها وبين الدول العربية، والموافقة العربية على المشاركة في هذا المؤتمر التصفوي ضمن سلسلة طويلة من المشاريع التصفوية، يعني الموافقة الفعلية على استمرار إسرائيل في التوسع الاستيطاني ومصادرة الحقوق الفلسطينية وإنهاء خيار حل الدولتين وإنهاء الاحتلال، ويجعلهم مطواعين للإدارة الأميركية ولإسرائيل في قادم الأعوام.