ورشة المنامة الطريق إلى المُستحيل
ورشة المنامة هي محطّة لاحِقة لمؤتمر وارسو ولن تكون المحطّة الأخيرة، وستشهد الساحة الدولية مؤتمرات مُشابِهة وعلى أراضٍ خليجيةٍ وصولاً إلى مؤتمر يُعقَد في القدس كعاصمةِ إسرائيل وبحضور العرب كمرحلةٍ أخيرة من التطبيع ، وكمرحلةٍ جديدةٍ من مراحل الازدهار الإسرائيلي سياسياً واقتصادياً وإقليمياً ودولياً. إن الضامِن لاستمرار مُسلسل التطبيع هو استمرار الاستثمار الأميركي الإسرائيلي لوَهْم التهديد الإيراني لدول الخليج.
قاوَمَ الفلسطينيون العديد من المُبادرات الأميركية خلال العشرات من السنين والتي كان آخرها قبل سنة وثلاثة أشهر بالضبط حين انعقد مؤتمر وارسو في بولندا ، والذي كان قد دعا إليه الأميركيون بالتنسيق مع إسرائيل وحَضَرته بعض الدول العربية وإسرائيل بالإضافة إلى بعض الدول الأوروبية وغاب عنه الفلسطينيون وروسيا والصين. الهدف من هذا المؤتمر، على المدى المتوسّط، كان لتوحيد الجيوش والجهود عربياً وإسرائيلياً برعايةٍ أميركيةٍ لمواجهة الخطر الإيراني. أما الهدف الاستراتيجي فكان لإشهار الزواج بين دولٍ خليجيةٍ وإسرائيل ، تلاه شهر عسل على شكل زياراتٍ حميميةٍ علنية لمسؤولين إسرائيليين للعديد من هذه الدول. وفي حين احتوت أجندة المؤتمر على العديد من العناوين مثل مُستقبل الأمن والسلام في الشرق الأوسط ومُحاربة الإرهاب والقرصَنَة الالكترونية ، إلا أنه لم تتم متابعة أيّ من تلك المواضيع، بل على العكس فلا أمن ولا سلام في الشرق الأوسط وإنما فقط تم الاستمرار بتعزيز العلاقة الخليجية الإسرائيلية على طريق التطبيع الشامل العَلَني.
ورشة المنامة هي محطّة لاحِقة لمؤتمر وارسو ولن تكون المحطّة الأخيرة، وستشهد الساحة الدولية مؤتمرات مُشابِهة وعلى أراضٍ خليجيةٍ وصولاً إلى مؤتمر يُعقَد في القدس كعاصمةِ إسرائيل وبحضور العرب كمرحلةٍ أخيرة من التطبيع ، وكمرحلةٍ جديدةٍ من مراحل الازدهار الإسرائيلي سياسياً واقتصادياً وإقليمياً ودولياً. إن الضامِن لاستمرار مُسلسل التطبيع هو استمرار الاستثمار الأميركي الإسرائيلي لوَهْم التهديد الإيراني لدول الخليج. إيران تُدرِك ذلك تماماً وإلا فما كانت لتتجرّأ لتُسقِط الطائرة التجسّسية الأميركية ، إلا لأنها كانت على ثقة مُطلَقة باستحالةِ الردّ العسكري الأميركي حتى لو قرَّر الرئيس الأميركي او تظاهَر بأنه قرَّر ضرب إيران وتراجَعَ في آخر لحظة. منذ أكثر من عشر سنوات ونتنياهو يُهدِّد إيران ويُحذِّر العالم من الخطر النووي الإيراني ولا زال يُحذِّر وسيبقى يُحذِّر، ومنذ سنواتٍ وأميركا تتعامل تفاوضياً وعِقابياً مع الخطر النووي الإيراني، وستظلّ تتعامل مع إيران تفاوضياً وعِقابياً، في حين في عام 1981 وحين كانت العراق في أوجّ قوَّتها نفَّذت إسرائيل وفي أقل من ساعتين عملية أوبرا وهي الضربة العسكرية التي وجّهتها إسرائيل للمفاعل النووي العراقي ودمَّرته بالكامل. لن يتم توجيه ضربة عسكرية لإيران حتى لو قصفت واشنطن وتل أبيب في آنٍ واحد، أو على الأقل ليس الآن أو ليس طالما وَهْم تهديدها قائماً، وطالما ليست كل أموال الخليج في جَيْبِ أميركا، وطالما التطبيع الخليجي مع إسرائيل ليس مُنجَزاً تماماً.
وعليه، مُخطئ مَن نَعَتَ كوشنير وفريقه بالسُذَّج فهم لا ينطقون عن الهوى ولا هم وحدهم مَن خطَّط ويُخطِّط ونفَّذ ويُنفِّذ، ومُخطئ مَن ظنَّ فعلاً بأنهم اعتقدوا بأن القضية الفلسطينية تُباع وتُشترى ولديهم الكثير من التجارب السابقة ما يؤكِّد لهم ذلك، إنما هناك ماكينة إسرأميركية تُخطِّط وتُنفِّذ على الأرض ، ولا ترى سوى كيفية الاستمرار بالاستيلاء الصهيوني الشامل على فلسطين من دون الاكتراث بأيِّ من الحقوق السياسية والإنسانية للشعب الفلسطيني. الفلسطينيون قد فهِموا اللعبة وأيقنوا بأن ازدهارهم ليس المقصود وإنما ازدهار إسرائيل ، وعليه بنوا موقفهم الرافِض لمؤتمر وارسو وورشة البحرين. إن مَن خطَّط ورشة البحرين لم يكن ليعنيه فَهِمَ الفلسطينيون أم لم يفهموا، حضروا أم لم يحضروا، فهم ليسوا المُستهدَفين بهذه الورشة والادّعاء بغير ذلك ليس أكثر من ذرِّ الرماد في العيون. وحتى لا يُفسَح أمام الفلسطينيين أيُّ مجالٍ لاستثمار أية فرصة لتحسين أوضاعهم وظروفهم التفاوضية ، فلقد تم الاتفاق على تقاسُم الأدوار وظيفياً بين أميركا وإسرائيل منذ عشرات السنين ، ومن أول مبادرة وحتى ورشة البحرين وما يُسمَّى بصفقة القرن. وعليه، فإن دور أميركا أن تُبادِر ودور إسرائيل أن تُراوِغ كما تعاملت مع كل المُبادرات، فبرغم التنسيق اللا مُتناهي بين أميركا وإسرائيل في ما يخصّ ورشة البحرين ، إلا أننا نجد نتنياهو يعترض على كيفية توزيع المال وعلى مشروع شقّ طريق يصل بين الضفة الغربية وقطاع غزّة ، ولم يوضَع هذا البند أصلًا إلا لكي تعترض إسرائيل ولكي تبدأ من الآن المُماطلة الأبدية في تنفيذ ما يمكن أن يظنّ العرب أنهم اتفقوا عليه. وصفقة القرن ستنتهي إلى ما انتهىت إليه سابقاتها ، على الرغم من أن البنود المُتعلّقة بإسرائيل ستُطبَّق بالكامل حتى قبل الإعلان عنها مثل الاعتراف بالقدس كعاصمةٍ لإسرائيل وإنكار لحق اللاجئين ، وحتى وجودهم ومروراً بالاعتراف بالسيادة السورية على الجولان ، وقريباً سيتم الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على غور الأردن. المهم بالأمر أن أية مُبادرة يتم إطلاقها سيتم تنفيذ الشقّ الإسرائيلي منها فقط ، ومن ثم يتم إهمالها كليّة بانتظار المُبادرة اللاحِقة.
إن الرفض الفلسطيني كان مُحقّاً، والاحتجاج الفلسطيني كان ضرورياً، والتظاهُر الجماهيري العربي ضد ورشة البحرين كان بُرهاناً على التلاحُم المصيري القومي. منذ استقلّت جيبوتي، كآخر دولةٍ عربيةٍ مُستعمَرةٍ عام 1977 أي قبل 42 عاماً، لم ينجُ أيّ حراك جماهيري عربي من استغلال استعماري حَرَفَ بوصلة ذلك الحراك وأجهضه وأعاده إلى قبضة مَن يخدم الاستعمار وإن تبدَّلت الوجوه والأسماء، وحراكات الربيع العربي خير مثال على ذلك. بَيْدَ أن الرفض العروبي مطلوب ومحمود ولكن المأمول منه في ظل الهيمنة الاستعمارية محدود ومقموع وفي ظل غياب قيادة عروبية قادرة على استثمار الزخم الجماهيري وطنياً ، فستبقى كل الاحتجاجات محدودة التأثير والعُمر الزمني.
الفلسطينيون وإن وجدوا أنفسهم مُرغَمين على رفض ورشة البحرين ، إلا أن موقفهم لا يجب أن يتوقَّف عند رفض انعقادها فقط ، إذ غالباً ما تنتهي الاحتجاجات بانتهاء الحَدَث وعلى موعدٍ مع حَدَثٍ لاحِق. ولذلك فيجب أن يتطوَّر الردّ الفلسطيني، قيادة وشعباً، ومعرفة كيفية التعامُل مع مخرجاتها والتحضير الأفضل لأخواتها القادمات لا محالة. كما لا بدّ من الوصول، لو بالحد الأدنى، إلى صيغةٍ وآليةٍ تُنهي الانقسام البغيض والفساد الداخلي واللذان يُعتبران من أهم الأسباب التي أوصلت الحال الفلسطينية إلى ما هي عليه الآن. بالإضافة إلى ضرورة تكثيف الجهد الدولي لتحقيق مُعادلة تحدّ من تفرّد أميركا وإسرائيل بالقضية الفلسطينية والتعسّف بالواقع الفلسطيني، خصوصاً وأن الفرصة باتت أكثر إتاحة في ظلّ بدء تضاؤل دور القطب الواحد في العالم، فهناك دول عُظمى أخرى وحتى لو لم تستطع أن تؤثّر فُرادى فإنها أقوى إن تعاملنا معها مُجتمعة.