صفقة القرن.. واللعبة الكبرى
رغم أن كل تلك الاتفاقات ربما حقَّقت مكاسب ثانوية للفلسطينيين، وحقَّقت مكاسب أكبر لساستهم وقادتهم وأحزابهم ومنظماتهم، لكن المكسب الأكبر الذي حقّقته هو إسفار العرب وإجهارهم برغبتهم بإقامة علاقة واضحة وبيّنة مع إسرائيل.. فبعد كل اتفاقية للسلام أو صفقة، تدخل دولة في رَكْبِ المتصالحين مع إسرائيل، والثمن المقابل دائماً ما يكون بَخْساً أو أن ما يتحقّق منه لا يساوي ربع ما تمّ الاتفاق عليه.. لكن المُهرولين للتطبيع يزدادون ويتكاثرون تحت ظل تلك الاتفاقيات وبحجّتها!
لم تحظَ قضية باهتمامٍ وجدلٍ وطالت فترة وجودها كمشكلة عصيّة على الحل، وتعدَّدت الأطراف اللاعِبة فيها، كما يحصل في القضية الفلسطينية أو لنقل " الصراع العربي الإسرائيلي".
رغم أن القضية في بدايتها لم تكن بتلك "العالمية" التي هي عليها اليوم، لكنها كنتيجةٍ حاصلةٍ صارت قضية فوق الكبرى، وصار كبار لاعبي العالم، يبحثون عن دور لهم فيها أو في الأقل منفعة يُستفاد منها لتدعيم موقفهم في قضيةٍ أخرى، أو ابتزاز طرف فيها، وحتى مَن هم ألأكثر تأثّراً بالموضوع.. الفلسطينيون أنفسهم والعرب.
على هذا الأساس وبناءً على ما رسمته أميركا لنفسها من دورٍ كشرطي للعالم ظاهراً، والمُدافِع الأول عن وجود "إسرائيل" صارت هي اللاعب الأكبر في القضية ، ومن دونها لا يحصل شيء في القضية الفلسطينية إيجاباً كان أو سلباً.
نتيجة لتناوب عدّة رؤساء أميركيين على القضية ومن كل من الحزبين الكبيرين تباينت طريقة تعاطيهم مع القضية الفلسطينية، وكيفية " حلّها".. رغم أن حلولهم وصفقاتهم لم تخرج عن إطار حماية إسرائيل وتمكينها وتحصينها بكل الطُرُق المُمكنة.
رغم ضخامة التسويق والتطبيل بل والتهويل الذي رافق فكرة "صفقة القرن".. والتي لم يعرف أحد منها أيّ بند على وجه الدقّة، إلا بضعة بنود سُرِّبت هنا أو هناك ، لا تعرف صحّتها من عدمه.. فالمؤيّدون لها صوَّروها كأنها الحل الأمثل والأفضل الذي أمكن تحقيقه ، وبما يأتي بالسلام والأمن لا للفلسطينيين وحدهم بل وحتى لدولة موزمبيق.. فيما الناقدون لها يصوّرونها على أنها الخاتمة في سلسلة الحقوق المهدورة للشعب الفلسطيني والكرامة العربية، إن كان تبقّى منها شيء لم يُهدَر لحد الآن!
قضية التفاوض بين إسرائيل والعرب والاتفاقات التي حصلت، كأوسلو ووادي عربة وغيرها، وما سبقتها من قرارت لمجلس الأمن حاولت وضع حلول تحقّق ما يمكن نيله من حقوقٍ للفلسطينيين.. لكن ما كان يحصل حقاً هو إنجاز بعض البنود الثانوية "للسلطة الفلسطينية" ويتحقّق معها موقف إعلامي "تضخيمي" يحفظ لعرَّابي تلك الاتفاقات من العرب بقايا ماء وجههم المُراق، وأما البنود النافِعة "إن وجِدَت" في تلك الاتفاقات فتبقى مُعلّقة غير قابلة للتنفيذ، لأنها تحتاج إلى اتفاقات جديدة حولها، فصرنا نحتاج إلى اتفاقات للتفاهُم حول بنود اتفاقات سابقة، والأخيرة تحتاج إلى وسيطٍ دولي أو أميركي ليتوسَّط بين الطرفين ، ليوقّعا اتفاقاً ثالثاً ليُفسِّر بنود اتفاق ثانٍ خاص بتفسير بنود الاتفاقية الأولى.. وهكذا!
بعد كل هذا.. ما الذي سيجعل صفقة القرن ستختلف عن سابقاتها، وهل ستحقّق شيئاً لم تحقّقه الأوليات؟! وهل حقَّقت الأوليات شيئاً أصلاً؟!
رغم أن كل تلك الاتفاقات ربما حقَّقت مكاسب ثانوية للفلسطينيين، وحقَّقت مكاسب أكبر لساستهم وقادتهم وأحزابهم ومنظماتهم، لكن المكسب الأكبر الذي حقّقته هو إسفار العرب وإجهارهم برغبتهم بإقامة علاقة واضحة وبيّنة مع إسرائيل.. فبعد كل اتفاقية للسلام أو صفقة، تدخل دولة في رَكْبِ المتصالحين مع إسرائيل، والثمن المقابل دائماً ما يكون بَخْساً أو أن ما يتحقّق منه لا يساوي ربع ما تمّ الاتفاق عليه.. لكن المُهرولين للتطبيع يزدادون ويتكاثرون تحت ظل تلك الاتفاقيات وبحجّتها!
لأن أميركا لا تريد حل أية قضية وإنما هي ترغب في التحكّم بها، واستخدامها عند الحاجة "وضعها في البرّاد لحين الطلب" فصفقة القرن كانت حركة مستشار الرئيس الأميركي ترامب الأخيرة، لا لإيجاد حل للقضية الفلسطينية، وإنما لإزالة آخر ورقة توت يحاول العرب الاحتفاظ بها لإخفاء "توقهم" ليقيموا علاقة كاملة علنية مع إسرائيل، وخصوصاً مع التوتّر المُزمِن مع إيران والذي زادته أميركا "إصطناعاً" لغاية في نفس ترامب.. ولم يكذّب العرب خبراً، فراح أغلبهم يؤيِّد صفقة القرن ويُطبِّل لها، رغم أنهم لا يعرفون بنودها الحقيقية المُعلنة ، فكيف بهم وبنودها المخفية؟!
يبدو أن ورقة التوت كانت تمثل عبئاً كبيراً على العرب. والفلسطينيون وحقوقهم أبعد ما يكون عن أن تستهدفهم الصفقة.. فكان الحل بهذه الصفقة التي سيرتاح العرب من خلالها ويتخلّصون من ورقة التوت المُزعِجة تلك.. وهذه لعبة ترامب - إسرائيل الكبرى.