هل يعود بن علي إلى تونس؟
بعد أكثر من ثماني سنوات على هروبه من تونس، أكد الرئيس الأسبق لتونس زين العابدين بن علي المقيم في المملكة العربية السعودية أنه سيعود إلى تونس بعد أن نشر محسن مرزوق تغريدة ذكر فيها أن بن علي يعاني مشاكل صحية وحالته حرجة ويريد أن يعود إلى بلده، وذكر أنه ينبغي على التونسيين أن يقبلوا ذلك لاعتبارات إنسانية رغم ما حدث في عهده من قمع وإرهاب للشعب التونسي، ما أحدث جدلا كبيرا في الأوساط الثقافية والسياسية وحتى الشعبية في تونس، ولكن السؤال المطروح هو لماذا ظهر الرئيس الأسبق لتونس في هذا الوقت بالذات ويعلن أنه سيعود إلى تونس رغم أنفهم؟.
نعلم جميعا أن الانتخابات التشريعية والرئاسية على الأبواب ولم تبق إلا أشهر قليلة جداً، وقد بات السباق محموما بين الأحزاب التي يناضل بعضها من أجل البقاء كحزب نداء تونس، ويعزز البعض مكانته ويؤكد شعبيته المتزايدة والثابتة كحزب حركة النهضة، ويسعى الآخر إلى البحث عن مكان في قلوب التونسيين كحزب تحيا تونس الجديد، وهناك حديث عن حنين البعض إلى عهد بن علي ويعتبرونه أيام عزّ و فخر رغم ما شهده من تعسّف وقهر وظلم واستبداد، ورغم أن محامي بن علي فنّد ما قاله مرزوق إلا أن البعض مازال لديه أمل في أن يعود بن علي إلى تونس ويعيد إليها استقرارها الأمني والاقتصادي حسب زعمهم وما رأيك يا مرزوق أنت ومن يحب بن علي في قول الشاعر، وإذا أكرمت اللئيم تمردا.
لكن القراءة الجديدة للحدث، تجعل من الأمر صعبا، إذ أن أغلب الشعب التونسي يرفض رفضا قاطعا عودته إلى تونس مهما كانت الاعتبارات، أو يعود ليُقدّم للمحاكمة العادلة، وبالتالي فإن عودته تعدّ مجازفة وهو في هذه السن المتأخرة، ثم من يضمن له أنه سيكون بمنأى من أي اعتداء شخصي كالذي حدث مع القذافي، فالقلوب التي تسبب في انكسارها كثيرة، والنفوس التي أحدث فيها جرحا عميقا مترصّدة، والمشاعر التي مزّقها، ترغب في النيل منه بأية وسيلة، فكيف سيعود؟ ولمن سيعود بن علي؟ هل يعود لحتفه، أم يعود لمحاكمته؟ أم يعود ليقاضي الشعب التونسي أنه أجبره على الهرب؟ أم لديه حماية كبيرة تحميه من أية محاولة اعتداء.
إن بن علي وحسب كل القراءات كان دكتاتوريا في حكمه الذي جاء بانقلاب على الرئيس الذي سبقه الحبيب بورقيبة سنة 1987م، وهو رجل عسكري وليس مدنياً، حكم تونس بيد من حديد، من سنة 1989م في انتخابات يزعم الحزب الحاكم آنذاك إنها ديمقراطية، والكل يعلم كيف كانت، ثم اخترع حادثة باب سويقة في 17 فيفري سنة 1991 ليورّط حزب الاتجاه الإسلامي (حزب النهضة حاليا) في عملية حرق مكتب الحزب الحاكم في المنطقة ومقتل شخص واحد هو حارس المكان، ولتبدأ المعركة بين بن علي والإسلاميين في تونس ليقع إبعادهم عن المشهد السياسي بالقوة بعد أن كان الشعب التونسي متعاطفا جدا مع الاتجاه، واستطاع بن علي آنذاك تحويل الوجهة 180 درجة، فنكل بهم وعذّبهم ونفاهم وسجنهم وقتلهم، وفعل كل الأفاعيل المجرمة في حقّهم، وفي حقّ أسرهم، ومن يلتقي بهم ومن يحدّثهم، ومن يتعامل معهم، فعاشوا حياة البؤساء في بلدهم تونس طوال سنوات عديدة، حرمهم من العيش بكرامة فعاشوا مهانين أذلّاء تحت سياط بن علي، ولم تعد هناك أسرة في تونس لم تتلظّ بسياط بن علي وأعوانه، إذ شمل العذاب بعدئذ كل من يعارض سياسته وينقده من المعارضين من الأحزاب الأخرى كالحزب الشيوعي وغيره، وبقي متفردا في الحكم يعربد ويظلم ويعذّب ويغتصب ويأخذ حقوق الناس بالقوة والعنف.
أبَعْدَ هذا سيعود إلى تونس، أرى أنه يمنّي نفسه فقط بالعودة، أو أنه يريد من خلال هذه العودة إيقاظ الفتنة بعد أن كانت نائمة، وإيقاظ الصوت الذي ظل طوال ثماني سنوات متخفّيا خوفا من الانتقام، واليوم بعد أن انهارت القدرة الشرائية للمواطن التونسي نتيجة انهيار العملة التونسية إلى أدنى مستوياتها دبّ حنين البعض الذين مازالوا يوالون بن علي وأذنابه إلى ذلك العهد السيّىء في تاريخ تونس، يمنّون أنفسهم بأن يعود نظامه الذي فشل في تحقيق الازدهار والحرية والكرامة لشعب جاهد وناضل من أجل افتكاك هذه الحرية التي صادرها هو بالقوة والعنف والكبت، وبالتالي فلا مجال اليوم لعودة فيها إساءة للشعب التونسي من أي نوع، ولن يقبل الشعب التونسي أن يعود كما كان، بل يعود ليُحاسَب ويُعاقَب على ما اقترف من جرائم كبيرة في حق شعب بأكمله، ويودَع السجن ويقضي ما بقي من عمره بين القضبان ذليلا كما أذل شعبا بأكمله.