سلاح الجو الإسرائيلي لم يعد بيضة القبان

نتائج جولة القتال الأخيرة بين المقاومة الفلسطينية في قطاع غزّة والجيش الإسرائيلي أكّدت المؤكّد، وهو أن مقدرة إسرائيل على شنّ الحروب الصغيرة والكبيرة قد تراجعت إلى حد كبير بسبب عدم وجود عمق استراتيجي لها، وضعف جبهتها الداخلية وامتلاك الخصم لأسلحة متطوّرة لم يكن يمتلكها من قبل وعجز سلاحها الجوي عن حسم المعارك كما كان في السابق.

اعتادت إسرائيل في مواجهتها العسكرية وحروبها مع العرب على تحقيق انتصارات سريعة وخاطفة وفي مدّة زمنية وجيزة لا تتعدّى في حدّها الأقصى عدّة أيام أو عدة أسابيع من دون أن يصاب عمقها بأيّ أذى.
ولكن عندما ولّى زمن الحروب الخاطفة والسريعة وخارج الحدود، فأصبحت مواجهات وحروب اليوم حتى الخاطفة منها مكلفة انكشف ضعف إسرائيل وعدم مقدرتها على خوض أي قتال حقيقي.
وإذا ما أضفنا إلى ذلك تدني الروح المعنوية لجيشها وتراجع حافزيّته للقتال، فهذه الأمور مجتمعة هي التي دفعها كما كان يجري في الأعوام القليلة الماضية، لطلب وقف إطلاق نار سريع بوساطة مصرية لكي لا يؤدّي استمرار القتال لفترة طويلة لظهور انهيارات وتصدّعات ذات بُعد استراتيجي لا يمكن ترميمها أو تحمّل نتائجها...
فقوة إسرائيل العسكرية كانت تعتمد في المقام الأول ليس امتلاكها لسلاح بر وبحر متطوّرين، رغم أهمية ذلك، بل على امتلاكها لسلاح طيران متطوّر هو الأقوى بلا منازع في الشرق الأوسط، ولذلك فقد كانت تحقق انتصارات سريعة وحاسمة في كل المعارك التي خاضتها مع جيوش عربية تقليدية في حروب نظامية.
ولكن مع ظهور حركات مقاومة عربية فلسطينية مسلحة تعتمد في مواجهة إسرائيل على الجمع بين أسلوب حرب العصابات وأساليب الجيوش الكلاسيكية، وتتخندق في أنفاق عميقة وتخزّن أسلحتها الثقيلة فيها، على النمط الفيتنامي، فإن مقدرة سلاح الطيران الإسرائيلي على حسم الحرب كما حدث في حرب الخامس من حزيران عام 1967 مثلاً لم تعد موجودة.
فما الذي يستطيع أن يفعله هذا السلاح، رغم قوّته التدميرية الهائلة لأهداف مكشوفة فوق سطح الأرض، بمقاتل متحصّن داخل نفق أو معدّات عسكرية وصواريخ موجودة في ذلك النفق؟
وقد عبّر السيّد حسن نصر الله أمين عام حزب الله عن هذه الحقيقة عندما قال في الخطاب الذي ألقاه في ذكرى استشهاد القائد العسكري في الحزب السيّد مصطفى بدر الدين، عندما قال بأن سلاح الطيران الإسرائيلي لم يعد بمقدوره حسم المعارك والحروب، موضحاً أن زمن الاحتلال بالفرق الموسيقية قد ولّى إلى غير رجعة. 
ولعلّ الدليل الأكبر على أن سلاح الطيران لم يعد يلعب دوراً حاسماً في حسم المعارك وتحقيق الانتصارات فيها على مقاتل عقائدي صلب ويخندق فوق الأرض وتحت الأرض، هو عجز السعودية والإمارات رغم كل ما تملكانه من أحدث المقاتلات الأميركية عن حسم الحرب في اليمن التي دخلت عامها الرابع.
وإذا ما أضفنا إلى ذلك أن الصواريخ الموجّهة مثل صاروخ الكورنيت قد حيّد سلاح المدرّعات الإسرائيلي المتطوّر ، كما أثبتت مجزرة الدبابات الإسرائيلية في وادي الحجير في حرب ال 2006 وفي المواجه الأخيرة في قطاع غزّة، وهذا ما عبّر عنه السيّد حسن نصر الله أيضاً في نفس الخطاب حينما هدّد بأن فرق المشاهد والدبابات التي قد يدفع بها الإسرائيليون إلى لبنان في أية حرب قادمة ستدمَّر على الهواء مباشرة أمام شبكات التلفزة العالمية. 
ولذلك فعندما يقول وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل إن إسرائيل هي أعجز من أن تمد يدها على ثروات لبنان البحرية، ويقصد بذلك حقول النفط والغاز الواقعة ضمن المياه الإقليمية اللبنانية. فإنه يريد أن يوصل رسالة إلى مَن يهمّهم الأمر في تل أبيب على وجه التحديد، بأن المراهنة على وساطة أميركية لإجبار لبنان على تقديم تنازلات لإسرائيل في مجال تقليص رقعة حدوده البحرية لن تجد نفعاً، وبغير ذلك فإن المقاومة سوف تثبت تلك الحدود بالقوّة إذا لزم الأمر وليكن ما يكون...
أهمية هذا التصريح الذي أطلقه الوزير باسيل في أعقاب اجتماع عقده مع رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري في عين التينة يوم الجمعة الماضي، تكمن في جانبين أولهما أنه جاء كرسالة لبعض اللبنانيين بأن قوة لبنان لم تعد في ضعفه بل في قوّته المستندة إلى ثالوث جيش شعب مقاومة، والثاني أنه جاء بعد أيام قليلة من انتهاء جولة القتال الأخيرة بين المقاومة الفلسطينية في قطاع غزّة والجيش الإسرائيلي والتي أثبتت مرة أخرى أن يد إسرائيل في المنطقة لم تعد هي العليا.
 بكلمات أكثر وضوحاً فإن وزير الخارجية اللبناني أراد أن يقول للبنانيين الذين ترتعد آراؤهم من مجرّد ذكر إسم نتنياهو ولّى الزمن الذي كانت تفرض فيه إسرائيل شروطها على لبنان وتستبيح أرضه وتسرق مياهه وتفرض شروطا، عليه قد ولّى إلى غير رجعة فلا تراجعوا على الخارج لتعديل ميزان القوى في الداخل.
وهذا يعني أن المفاوضات التي ستجرى بين لبنان وإسرائيل ربما برعاية أميركية لترسيم الحدود البحرية وربما لتحديد وضع مرتفعات شبعا وتلال كفر شوبا والجزء اللبناني من قرية الغجر، ستكون مدعومة  بقوّة المقاومة اللبنانية ولا مجال لإسرائيل إلا أن تذعن لمطالب لبنان في هذا المجال سلماً وإلا فإنها ستضطر إلى الإذعان بالقوّة. 
فالأيام دول يوم لك ويوم عليك .....