مؤتمر المنامة الاقتصادي، صفقة القرن، والحرب على إيران

نتنياهو منذ سنوات وهو يطرح ويتبنّى فكرة السلام الاقتصادي كبديلٍ عن الحل السياسي، ولقد جاءت صفقة القرن لإحياء فكرة نتنياهو، وهو ما سيحوّل المنطقة إلى سوق فيه باعة ومُشترون ، وبذلك يتم تفريغ المنطقة من منظورها وبُعدها الوطني والقومي والعقائدي والسياسي، لتتحوّل إلى مكان تجاري استثماري يعجّ برجال الأعمال ، فيصبح الوطن يُباع ويُشترى وتصبح العقيدة هي الدولار، وهذه تماماً هي عقيدة ترامب وعقيدة بعض الدول العربية النفطية للأسف، والفلسطينيون قطعاً لن يتحوّلوا إلى باعة ومُشترين في سوق الوَهْم.

محاولات تصفية القضية الفلسطينية تسير على قدمٍ وساقٍ وبأشكال مختلفة، إما بالعسكر أو بالسياسة أو بالاقتصاد (الرشوة)، حتى الرشوة الاقتصادية تبقى مُحتمَلة وليست ناجِزة وهي الأقرب لأن تكون أوهاماً، تماماً كما حدث قبل اتفاق أوسلو عندما قالوا بأن مناطق السلطة الفلسطينية ستصبح سنغافورة وإن كثيراً من البشر قد آمن بذلك.

جوهر القضية والصراع والخلاف هو سياسي، ومن المعلوم أن الحل السياسي يأتي أولاً ثم بعده يأتي السلام بأنواعه بما فيه السلام الاقتصادي وليس العكس، وأن تناول الحلول للصراع القائمة من جوانب اقتصادية أو قانونية أو إنسانية بعيداً عن الحل السياسي، لا يمكن أن تستقيم وتؤشّر بقوّة إلى عدم توافر الحل بعد

المقاربة الإنسانية لحل الصراع من بوابة تحسين الشروط المعيشية للشعب الفلسطيني تحت الاحتلال ، باتت مرفوضة من الكل الفلسطيني، لذلك طرح الحل الاقتصادي قبل الحل السياسي مرفوض بدرجة امتياز، فالشعب الفلسطيني ليس شعباً متسوّلاً، حتى لو تمّ تحسين وضع الشعب الفلسطيني المعيشي وهذا حقه، لكن لا يمكن أن يتم حل القضية الفلسطينية من خلاله.

البحرين تبكي حال الشعب الفلسطيني وحال البؤس التي يعيشها من جوع وحصار، وهي بذلك برّرت انعقاد الورشة الاقتصادية على أراضيها، البحرين التي لم تساهم بدعم الأونروا هي ذاتها الآن تريد أن ماسورة المليارات للشعب الفلسطيني في تلك الورشة الاقتصادية، إذن الكذب والتضليل والخداع واضح، أيها النظام البحريني اذا أردت مساعدة الشعب الفلسطيني، إفتح له آفاقاً في التشغيل بدلاً من طرده من البحرين، إدعم الفلسطيني بشكل مباشر، أو إدعم الأونروا بالحد الأدنى، أو إدعم صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته، أما أن تبكي على الشعب الفلسطيني لتظهر الحرص على تحسين وضعه!!!.... إن ما تريده هو تحسين الوضع المعيشي الفلسطيني ولكن بثمن سياسي من خلال تبنّي الشقّ الاقتصادي لصفقة القرن، أما الشق السياسي للصفقة فهو تمّ الإعلان عنه سلفاً والمتمثّل بإعلان القدس عاصمة للدولة اليهودية وتجاهل قضية اللاجئين وضمّ الكتل الاستيطانية بالضفة.

حتى البنية التحتية التي يُراد جمع الأموال لأجلها وهي بالمناسبة أحد العناوين البارزة لمؤتمر المنامة الاقتصادي، مَن يضمن من تلك الدول ألا يقوم العدو الصهيوني بتدمير البنية التحتية مرة أخرى كما يفعل في كل مرة؟ حتى بناء المصانع والملاهي والحدائق، مَن يضمن ألا يدّمرها الإسرائيلي؟ حتى لو تمّ بناء مطار وميناء مَن يضمن ألا يتمّ تدميرهما؟ فكل ما سبق هو رهينة للمزاج الصهيوني، إذن المؤتمر الاقتصادي هو لبيع الأوهام من جديد، والمؤتمر الاقتصادي هو تطبيع إضافي ومزيد من العلاقات ومزيد من التطبيع الاقتصادي مع العدو الصهيوني وهو ليس للإنعاش الاقتصادي ولا لإبرام حل سياسي، وهو بمثابة خارطة طريق لكنها بالمقلوب، ثم سيقول العرب كعادتهم: نحن عرضنا على الفلسطينيين الحلول لكنهم هم مَن يرفضون ويتمرّدون وينكرون الجميل.

لقد بدأ الأميركان بالحل الاقتصادي بعدما انتهوا من فرض الشقّ  السياسي لصفقة القرن بفعل القوّة.

نتنياهو منذ سنوات وهو يطرح ويتبنّى فكرة السلام الاقتصادي كبديلٍ عن الحل السياسي، ولقد جاءت صفقة القرن لإحياء فكرة نتنياهو، وهو ما سيحوّل المنطقة إلى سوق فيه باعة ومُشترون ، وبذلك يتم تفريغ المنطقة من منظورها وبُعدها الوطني والقومي والعقائدي والسياسي، لتتحوّل إلى مكان تجاري استثماري يعجّ برجال الأعمال ، فيصبح الوطن يُباع ويُشترى وتصبح العقيدة هي الدولار، وهذه تماماً هي عقيدة ترامب وعقيدة بعض الدول العربية النفطية للأسف، والفلسطينيون قطعاً لن يتحوّلوا إلى باعة ومُشترين في سوق الوَهْم.

 

صفقة القرن تعني ثلاث قضايا أساسية،  القدس واللاجئين والاستيطان، وعلى تلك القضايا لم يتغيّر شيء ولا يوجد جديد، فلا تزال القدس محتلة واللاجئون مهجرون والاستيطان موجود، لكن الجديد الآن هو أن صفقة القرن تضفي المزيد من الشرعية للاحتلال والمزيد من الغطاء العربي لعدوان صهيوني على فلسطين، وأن مؤتمر المنامة الاقتصادي جاء ليقول للعالم بأن القدس ليست عقبة في تحقيق السلام ولا الاستيطان ولا اللاجئين ، وإنما العقبة الآن هي الوضع البائِس للشعب الفلسطيني... هذا الذي يُراد أن يوصله مؤتمر المنامة الاقتصادي إلى العالم، وهذه نظرة للصراع غير صحيحة وماكِرة ومُخادِعة، نحن الفلسطينيون لازلنا نؤمن بأن لدينا أرضاً لابدّ من أن تحرّر ودولة لابدّ من أن تقوم وهناك لاجئ فلسطيني يعيش في بؤسٍ من حقّه أن يعود إلى أرضه، وهذا كله بحاجةٍ إلى نضالٍ ومقاومةٍ وهو قدر الشعب الفلسطيني، وإن الجيل الذي يريد أن يبيع ويشتري بالوطن لم يولَد بعد، حتى لو جاء هذا الجيل، فالله تعالى يقول: "وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم"....بمعنى أنه في حال جاء جيل يبيع ويشتري، فإن الله سيأتي بجيلٍ أفضل منه يؤمن بحقّه ويناضل من أجل قدس الأقداس، وإن أيّ حل سواءً كان سياسياً أو اقتصادياً أو عسكرياً لا يُلبّي طموحات الشعب الفلسطيني لن يُكتَب له النجاح من كل فئات الشعب الفلسطيني، حتى من منظمة التحرير الفلسطينية والتي يصفها العالم بأنها الأكثر اعتدالاً،  هي أيضاً لن تقبل بحلول من هذا النوع.

هذا من جانب، أما على المستوى الاقليمي والصراع مع إيران والقمتين العربية والإسلامية المُزمّع عقدهما في شهر 6 المقبل،  هذا كله يُعدّ تسخيناً للجبهة وتلويحاً بالجزرة والعصا، الجزرة هي للفلسطينيين والمليارات المزعومة في المؤتمر الاقتصادي، وجزرة الإيرانيين هي العودة للاتفاق والمفاوضات وإلا فإن العصا جاهزة مُتمثّلة بالقذائف والبوارج والأساطيل وحاملات الطائرات الموجودة في عرض البحر، وبالتقديرات السياسية حتى التهديد الجاري لإيران ربما يندرج كجزء من صفقة القرن، حيث من المعلوم أنه من أجل عيون "إسرائيل" كل شيء عند الأميركي يهون، ولو أن هناك إمكانية لضرب إيران من دون أن تتأذّى "إسرائيل" فسيتمّ ضرب رأس الأفعى (من وجهة نظر العدو الصهيوني والأميركان)،  وإيران ليست لقمة سائِغة ولها حلفاء كثر في المنطقة، وإن تسخين المنطقة سواء بالأساطيل الأميركية أو بالتحالف العربي الخليجي الذي يرى إيران هي العدو وأن "إسرائيل" حبيبة وصديقة، وإعادة انتشار القوات الأميركية وتسيير حاملات الطائرات، كل هذا يحدث من أجل الحرب، أو من أجل السلام الاقتصادي أو من أجل فرض شروط ومُعادلات جديدة في المنطقة، لذلك المرحلة الآن هي مرحلة العضّ على النواجِذ بالمقاومة والعضّ على النواجِذ بالوحدة الوطنية وهي مرحلة صمود ومقاومة.