انتهاكات حقوق الإنسان في السعودية.. مَن يستطيع حماية السعودية من نفسها
إطلاق سراح النساء البريئات المُعتقلات، إقامة مُحاكمات عادِلة للنشطاء، تقديم تقارير واضحة وعادلة حول عملية قتل خاشقجي، وقف حصار قطر واليمن، محاولة إعادة ما تمّ تخريبه في سوريا ..إلخ كل ذلك يشكل أركاناً رئيسية لعملية إصلاحية حقيقية في المملكة العربية السعودية ولولي العهد "محمد بن سلمان". في حال تمّت هذه العملية الإصلاحية ستجدنا أول مَن يمتدح هذه العملية الإصلاحية ويدعو لاتباعها وسنعتبر أن محمّد بن سلمان قدوة يُحتذى به في المنطقة. هل لديهم الإرادة لفعل ذلك؟
في الوقت الذي تشهد فيه المنطقة توتّراً حاداً، وتُقرع طبول الحرب على حدود الخليج بين إيران والولايات المتحدة، يُطل الشيخ "القرني" ويعتذر عمّا سمّاه "الصحوة" وفتاواها، كما يُعلن انتسابه إلى ما يُسمَّى الإسلام الوسَطي الذي يدعو إليه وليّ العهد محمّد بن سلمان، ويعتذر بدوره للسعوديين عما بَدَر منه من أخطاء. إن النظر إلى مثل هذا التصرّف "إن كان صادِراً عن غير القرني وفي غير السعودية وفي غير الموضوع الذي طرحه، هو أمر مُحبّذ ويستوجب الإشادة به".
أما أن يكون هذا الاعتذار صادراً عن القرني وموضوعه قَتْل الناس الأبرياء في كل مكان في العالم بل وحصر اعتذار الشيخ على السعوديين، يعتبر مشكلة بحد ذاته. فمن حيث الشخص، فالقرني الرجل الذي تسبّب فكره التكفيري والجهادي هو وغيره، بقتل العديد من الأبرياء في كل العالم ولا يقتصر الأمر على، أفغانستان، العراق، سوريا، اليمن، ليبيا، الجزائر، مصر وحتى الولايات المتحدة الأميركية في أحداث 11 من سبتمبر (الحادي عشر من سبتمبر) هو عمل إرهابي قام به 17 شخصاً، 15 منهم من السعودية وحدها، نكرّر إنه عمل إرهابي بامتياز راح ضحيّته آلاف الضحايا الأبرياء، وليس أبداً كما وصفته "إلهان عمر النائب في الكونغرس الأميركي سواء عن قَصْد أو غير قَصْد حيث قالت في وصفها لذلك الحدث: بعض الأشخاص الذين فعلوا شيئاً ما «some people did something»). هو وجماعاته المُتشدّدة مَن تسبّب بقتلنا وقتل أهلنا وسبب ظهور داعش والقاعدة وغيرهما. ففي بداية الحرب السورية كان عائض القرني يؤكّد ويشدّد على ضرورة محاربة الرئيس بشّار الأسد ودعم المعارضة بكل السُبل والطُرق وأن الجهاد في سوريا ضد بشّار فرض وواجب وأهم من جهاد "اليهود" في هذا الوقت، حسب وصفه. وكما دعا للجهاد في أفغانستان في الثمانينات، الذي كان دعم "الجهاديين" أمراً عادياً في السعودية. هو وأصحابه المتشدّدون مَن تسبّب بمقتل "فرج فودة" في مصر و"محمود محمّد طه" في السودان ومحاولة اغتيال "نجيب محفوظ" وغيرهم الكثير. أما من حيث الموضوع، فالشيخ أعلن انتسابه للإسلام الوسَطي الذي يدعو إليه وليّ العهد محمّد بن سلمان. تعالوا معنا لنرى ما هو الإسلام الوسَطي لمحمّد بن سلمان. سنتناول في ما تبقّى من مقالتنا أوضاع حقوق الإنسان في السعودية:
بعد الصمت الطويل الذي اختارته السعودية تجاه الجرائم التي حصلت وتحصل ضد مسلمي الروهينغيا، وصل بعض الأشخاص من الروهينغيا إلى السعودية وتم إلقاء القبض عليهم بعد فترة وجيزة بتاريخ 20/4/2019، وتخطّط الحكومة السعودية لإعادة هؤلاء الأشخاص إلى بلادهم. لهذا السبب، أضرب هؤلاء الأشخاص عن الطعام في السجون السعودية ويطالبون بإطلاق سراحهم. السعوديون يعذّبون هؤلاء اللاجئين في محاولة منهم لكَسْرِ إضرابهم عن الطعام.
ظل الشيخ "عوض القرني"، في الحبس الإنفرادي مذ تمّ اعتقاله أي منذ سبتمبر / أيلول 2017، حتى أن القرني ممنوع من زيارة زوجته في المستشفى.
رفع مكتب المدّعي العام السعودي دعوى بشأن إعادة محاكمة كل من سلمان العودة وعوض القرني وعلي العمري 24/4/2019. والسبب وراء تصرّف المدّعي العام، هو أن يكون قادراً على إيجاد أسباب ومبرّرات معقولة لإصدار عقوبة الإعدام بحقهم، وذلك من أجل إقناع الرأي العام بعدالة محاكمتهم. تجدر الإشارة إلى أنه في سبتمبر الماضي، طلب المدّعي العام في المملكة العربية السعودية عقوبة الإعدام لهؤلاء الأشخاص الثلاثة، بتهمة ارتباطهم بالإرهاب وعشرات التهم الأخرى.
في 24/4/2019، اعتقلت السعودية أربعة من أبناء الشيخ طالب بن شريم وخالهم. ادّعى بن شريم في بداية الأزمة القطرية أن آل ثاني في قطر قد سلبوه جنسيته هو وبعض رجال قبيلة آل مرة، السعودية كانت تسعى لاستغلال هذه القضية لاستفزاز قبيلة آل مرة في قطر. كان القبض على أبناء بن شريم من قِبَل السعودية بسبب حقيقة أن الشيخ غادر السعودية مؤخراً إلى قطر واعتذر للشيخ تميم أمير قطر.
وبدورها حذّرت وكالة المخابرات المركزية الأميركية "سي آي إيه" مؤخّراً، السلطات النرويجية من خطر تعرّض الناشِط السياسي إياد البغدادي، وهو لاجئ فلسطيني من مواليد الكويت، لتهديد سعودي.
وكشفت صحيفة "ذي غارديان" البريطانية قضية تعرّض البغدادي الذي يعيش في النرويج بصفة لاجئ أيضاً، لتهديد سعودي، بعد أن أجرت مقابلة معه مؤخراً.
وقال البغدادي المُعارِض بشدّة لسياسات وليّ العهد السعودي محمّد بن سلمان، إن السلطات النرويجية حذّرته في 25 نيسان/ أبريل الماضي، بعد أن وصل عناصر أمن إلى منزله، وأخبروه أنه مُعرّض لخطر مُحتَمل من تهديد سعودي غير محدّد.
أوضاع النساء والأطفال
في حوارٍ خاصٍ مع فرانس24، كشفت شقيقة الناشِطة السعودية المُعتقلة لجين الهذلول معاناة أختها وما تتعرّض له من تحرّش جنسي وتعذيب وتهديدات بالقتل في السجون السعودية. عائلة الهذلول كسرت حاجز الصمت ونقلت إلى العالم ما يُعانيه معتقلو الرأي في المملكة العربية السعودية من قمعٍ وسوء معاملة وعقاب جماعي يطال عائلات المُعتقلين.
شقيقتان سعوديتان، وفاء زايد السبيعي (26 عاماً) ومها زايد السبيعي (29 عاماً)، سافرتا من السعودية بتاريخ 19/4/2019 وهربتا إلى جورجيا وطلبتا اللجوء من بلدان أجنبية. هذا الفرار كان نتيجة لنظام "ولاية الرجل على المرأة" الذي يسلب المرأة جميع حقوقها في السعودية، الأمر الذي تسبّب في انتشار العنف المنزلي ضد المرأة. هذه القضية هي واحدة من أخطر تحديات حقوق الإنسان التي تواجه السعودية. وفي هذا الصَدَد، دعت منظمة هيومن رايتس ووتش، بتاريخ 22/4/2019، جورجيا إلى حماية الشقيقتين وعدم السماح للنظام السعودي بمُضايقتهما وإعادتهما إلى المملكة بما يتعارض مع إرادتهما، لأنه مصيرهما سيكون غامضاً في حال تمّت إعادتهما إلى المملكة.
في يوم السبت 28/4/2019، نشر حساب "المُعتقلات السعوديات"، المُختص بنشر أخبار النساء المُعتقلات في السعودية على حسابه على تويتر ما يلي: "تم إلقاء القبض على بعض النساء السعوديات الحوامِل، تلك النساء يضعن حملهن في السجون، لكن المسؤولين السعوديين لم يسمحوا لهؤلاء الأطفال بالخروج من السجن، حتى أنه في بعض الأحيان يعزلون هؤلاء الأطفال عن أمّهاتهم، لكنهم لا يسّلمون هؤلاء الأطفال إلى عائلات المُعتقلات خارج السجن. على سبيل المثال، إحدى هؤلاء السجينات تُدعى "فاطمة البلوشي"، أنجبت طفلها "كيان"، والآن هي وإبنها الصغير في السجن.
أخبرت المُعارِضة السعودية، السيّدة "منال الشريف"، سي إن إن بتاريخ 25/4/2019: أن النشطاء والإصلاحيين السعوديين يتعّرضون للسجن والتعذيب، والمملكة العربية السعودية في حال تناقض، لأنها تدّعي أنها حقّقت تقدّماً اجتماعياً من جهة، ومن جهةٍ أخرى، لا تعتبر المرأة إنساناً كاملاً ومواطناً كاملاً وتمارس ضدّها التمييز. منال الشريف هي نفسها الناشِطة التي دعتها سفيرة السعودية في الولايات المتحدة "ريما بنت بندر" في واشنطن لمقابلتها، لكن منال وضعت شرطين لعقد هذا اللقاء: الأول، إطلاق سراح السجينات في السعودية، وثانياً، أن يكون مكان هذه الزيارة خارج السفارة السعودية.
تقارير واحتجاجات وسائل الإعلام ومنظمات حقوق الإنسان حول انتهاكات حقوق الإنسان في السعودية
كتبت 18 عضوة من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي في 25/4/2019، رسالة إلى ريما بنت بندر سفيرة السعودية في واشنطن. دعت فيها إلى وضع حد للسلوكيات غير العادلة ضد الناشِطات السعوديات وإطلاق سراحهن جميعاً. كما دعت المندوبات الثماني عشر إلى إلغاء نظام ولاية الرجل على المرأة المعمول به في السعودية، الذي يؤدّي إلى انتشار العنف المنزلي ضد المرأة هناك.
دعت 12 منظمة حقوقية فرنسية وغير فرنسية بتاريخ 25/4/2019، الحكومة الفرنسية، إلى وقف مبيعات الأسلحة إلى السعودية لإنهاء الحرب في اليمن. ويبدو أن هذه الضغوطات جاءت بنتيجة إيجابية ، حيث نقلت وكالة رويترز عن مسؤول محلّي فرنسي قوله إن سفينة سعودية غادرت ميناء لوهافر الفرنسي من دون تسلّم أسلحة كان مقرّراً شحنها. وبحسب المصدر، فإن السفينة السعودية التي كان من المقرّر أن تُحمَّل أسلحة في فرنسا أبحرت إلى سانتاندير في إسبانيا.
الناشطون السعوديون في 28/4/2019 ومن خلال إطلاق هاشتاغ #إنقاذ_عوائل_المعتقلین، دعوا الحكومة السعودية إلى وضع حدٍ للضغوطات التي تمارسها الحكومة على عائلات السجناء. ونذكر بعض هذه الضغوطات التي تتعرّض لها عوائل المُعتقلين السياسيين ومُعتقلي الرأي من قِبَل الحكومة السعودية على سبيل المثال: حَظْر السفر أو وقف الخدمات الحكومية مثل إصدار بطاقات الهوية وخدمات التأمين ..إلخ، وإجبار النساء على طلب الطلاق من أزواجهن.
"هيومن رايتس ووتش" بدورها ذكرت أن السلطات السعودية أعلنت عن إعدام 37 رجلاً جماعياً في 23 أبريل/نيسان 2019 في أنحاء مختلفة من البلاد. 33 على الأقل من أصل الـ 37 من الأقلية الشيعية في البلاد ، وأدينوا في أعقاب محاكمات جائِرة لمختلف الجرائم المزعومة، منها الجرائم المرتبطة بالاحتجاج، والتجسّس، والإرهاب. هذا الإعدام الجماعي هو الأكبر منذ يناير/كانون الثاني 2016، حين أعدمت السعودية 47 رجلاً بتهمة ارتكاب جرائم إرهابية.
أدانت "المحكمة الجزائية المُتخصّصة" 25 رجلاً من أصل 37 في محاكمتين جماعيتين، عُرفتا باسم "قضية القطيف 24" و"خليّة التجسّس الإيرانية"، وشملت كلتاهما مزاعم بأن السلطات انتزعت اعترافات عن طريق التعذيب. تلقّى أحد الرجال "السنّة" الذين أُعدموا أشدّ عقوبة بموجب الشريعة الإسلامية، والتي تشمل قَطْع الرأس والعَرض العَلَني للجثّة مقطوعة الرأس (الصلب). بهذا الإعدام الجماعي، تكون السعودية قد نفّذت أكثر من 100 إعدام حتى الآن في 2019، بما في ذلك 40 إعداماً لجرائم المخدرات، وهي نسبة أعلى بكثير من السنوات السابقة بحسب هيومن رايتس ووتش.
في الوقت الذي قال فيه مايكل بَيج، نائب مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: "ستصف السلطات السعودية حتماً أولئك الذين أُعدِموا بأنهم إرهابيون ومجرمون خطرون، لكن الواقع هو أن المحاكم السعودية، إلى حدٍ كبير، لا تتّبع أية إجراءات واجبة، والكثير ممَن أُعدِموا أدينوا فقط بناء على اعترافات يقولون بمصداقية إنها انتُزِعت بالإكراه. الإعدام ليس الحل للجرائم في أية حال، ويظهر إعدام السجناء جماعياً أن القيادة السعودية الحالية ليست مهتمة إطلاقاً بتحسين سجّل البلاد الحقوقي السيّئ".
أخيراً، هناك سؤال مهم يجب طرحه: هل لدينا مشكلة خاصة ضد السعودية ووليّ عهدها الشاب محمّد بن سلمان؟
الجواب: لا على العكس فنحن نشجّع القيادات الشابّة في المنطقة لقيادة دولنا نحو مزيد من الحرية والعدالة والديمقراطية. إلا أننا نُدين قي الوقت ذاته انتهاكات حقوق الإنسان وحقوق المرأة في بلداننا. نعم نعتقد أن الإصلاح في بلداننا يبدأ فرضه بطريقة عكسية، من قمّة الهرم نزولاً إلى قاعدته (نظراً للظروف الخاصة لدول الشرق الأوسط) إلا أن ذلك يمكن أن يتمّ من دون انتهاكات صارِخة لحقوق الإنسان واعتقال النساء وشنّ الحروب وحصار الدول. إن محاولة إصلاح الخطأ الكارثي (قتل جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول) بخطأ كارثي آخر (إعدام مَن قيل عنهم بأنهم قتلوا خاشقجي) لا يحل المسألة المتعلقة بحقوق الإنسان. إن الإعدام في حد ذاته يُعدّ عملاً ضد حقوق الإنسان يمكن تعديله بأحكامٍ أخرى في القوانين الوضعية. أما في ما يخصّ قضية خاشقجي فإلى اليوم لم تصدر الحكومة السعودية تقريراً واضحاً بشأن ما حصل للرجل في قنصلية بلاده، وما هو مصير جثته ومَن هو المسؤول عن قتله. يجب أن تستعيض السعودية أحكام إعدامها المتكرّرة، بتقارير واضحة ومحاكمات عادلة وضمان حق الدفاع للمتّهمين في أية قضية كانت.
إطلاق سراح النساء البريئات المُعتقلات، إقامة مُحاكمات عادِلة للنشطاء، تقديم تقارير واضحة وعادلة حول عملية قتل خاشقجي، وقف حصار قطر واليمن، محاولة إعادة ما تمّ تخريبه في سوريا ..إلخ كل ذلك يشكل أركاناً رئيسية لعملية إصلاحية حقيقية في المملكة العربية السعودية ولولي العهد "محمد بن سلمان". في حال تمّت هذه العملية الإصلاحية ستجدنا أول مَن يمتدح هذه العملية الإصلاحية ويدعو لاتباعها وسنعتبر أن محمّد بن سلمان قدوة يُحتذى به في المنطقة. هل لديهم الإرادة لفعل ذلك؟