التطهير العرقي في ذكرى النكبة
في ذكرى النكبة، كانت المؤامرة أوضح، في مجريات الأحداث باتجاه فتح أبواب فلسطين أمام هجرة اليهود، واغتصاب الأرض، وكانت الساحة البريطانية مسرحاً للتحرّكات والترتيبات والاتصالات ومحور الرسائل حول المشكلة الملحّة على كل الأطراف، وهي مشكلة فتح أبواب فلسطين أمام الهجرة اليهودية.
يُعتبر ألان بابيه أشجع مؤرّخ إسرائيلي، وأكثرهم تمسّكاً بالمبادئ، وأبرزهم، فهو باحث رائد في سرّ إسرائيلي مكتوم بحرص، وإنجاز علمي تاريخي يعالج موضوعاً حرم البحث فيه بقلم واحد من أبرز المؤرّخين الإسرائيليين، الذي وصلت جرأته حداً كبيراً عندما اقتحم السياسة الصهيونية في كتاب حول التطهير العرقي في فلسطين المحتلة.
انتهجت إسرائيل في فلسطين التاريخية منذ سنة 1948، سياسة لا يمكن لأحد أن ينفيها أو يتجاهلها عرفت تحت إسم التطهير العرقي، إذ كان القادة الصهاينة يصدرون أوامر تقضي بتطهير المناطق التي كانت تستولي عليها قواتهم من مواطنيها الفلسطينيين، وذلك من أجل إيجاد مجتمع مُتجانِس عرقياً ويقتصر على اليهود.
ولم يخف هؤلاء القادة ذلك، فقد صرّح موشيه دايان في خطابه أمام طلبة المعهد الإسرائيلي للتكنولوجيا في حيفا عام 1969 إنه جرى تشييد القرى اليهودية على أنقاض القرى العربية، وقال مخاطباً الطلبة إنكم لا تستطيعون حتى معرفة أسماء هذه القرى، وأنا لا ألومكم لأن كتب الجغرافيا لم تعد موجودة، ليست الكتب فقط لم تعد موجودة، القرى العربية ليست قائمة أيضاً.
تواصلت سياسة التطهير العرقي بحق الفلسطينيين إثر سيطرة إسرائيل على ما تبقّى من فلسطين التاريخية في أعقاب عدوان 1967 ، فاستهدفت سكان البلدة القديمة في شرقي القدس على نحو خاص، وأقدمت قوات الاحتلال الأسرائيلي على هدم قرى اللطرون الثالث، عمواس، يالو، وبيت نوبا، الواقعة غربي القدس، وتهجير سكانها، تنفيذاً لقرار صادر عن الحكومة الإسرائيلية آنذاك، هذا بالإضافة إلى هدم حارة الشرف، التي شملت حيّ المغاربة وعدداً من الأحياء المحاذية لها داخل البلدة القديمة، وتهجير سكانها قسراً إلى مخيم شعفاط.
وتشير المُعطيات إلى إقدام سلطات الاحتلال على هدم حيّ المغاربة بالكامل، حيث أزيل آنذاك 135 منزلاً كان يقطنها 650 فلسطينياً، بالإضافة إلى هدم مسجد البراق ومسجد الملك الأفضل، قامت الحكومة الإسرائيلية بعدها ببناء أحياء جديدة مُخصّصة للمستوطنين اليهود، فضلاً عن توطين البعض منهم في المنازل التي هُجِّر الفلسطينيون منها.
مؤخّراً ادّعى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في فيديو نُشِر على صفحته في فيسبوك أن المطالبة الفلسطينية بتفكيك المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية في الأرض الفلسطينية المحتلة تمثل عملاً من أعمال "التطهير العرقي" ضد المستوطنين اليهود الإسرائيليين.
تسبّب استخدام نتنياهو المُصطلح وإسقاطه على المستوطنين بصدمة لدى محلّلين كثيرين، وأثار جدلاً محموماً في وسائل الإعلام الدولية، غير أن هذا الخطاب ليس إلا أحدث الشواهِد على استراتيجية إسرائيل المتمثلة في الاستيلاء على رواية الضحية من أجل حشد الدعم العام.
عندما نشبت الحرب عام 1967، رأى القادة الصهاينة فيها فرصة لإجراء بعض التحوّلات الديمغرافية في الأراضي المحتلة بشكل عام وفي بعض الأراضي بالتحديد، خلال الحرب وبعدها مباشرة تمّ ترحيل قرابة 420.000 من الفلسطينيين من ديارهم، ولقد تمّ الترحيل عبر عمليات حربية ثم تمّ تثبيت هذا الوضع عبر فرض تدابير قانونية تحول دون عودة المُهجَّرين إلى بيوتهم.
والوقائع والتي قدّمها الأكاديمي الإسرائيلي ”إيلان يابه” في كتابه عن التطهير العرقي «تطهير العرق الفلسطيني» ـ الإصدار الأول عام 2008. وهو يعدّ من أهم المؤرّخين الإسرائيليين، وينتمي إلى جماعة صغيرة حقّقت اختراقاً سياسياً ناجحاً في ما يُسمّيه المؤلّف «المعركة حول الذاكِرة في فلسطين» وهي جماعة "التاريخ الجديد" ويقوم هؤلاء المؤرّخون الجُدُد بمراجعة الإدّعاءات الصهيونية عن حرب عام 1948، ويذكر المؤلف في مقدّمة كتابه، أن مراجعات هذه الجماعة، نجحت في فضح زيف الإدعاء الإسرائيلي بأن الفلسطينيين تركوا بلادهم بَمحْض إرادتهم.
ويضيف المؤرّخ الإسرائيلي «إيلان بابه»: إن تطهير الأرض كان على الدوام خياراً قائماً بدءاً من تيودور هيرتزل مؤسّس الحركة الصهيونية حتى القادة الرئيسيين للمشروع الصهيوني في فلسطين، الأمر الذي يشرحه واحد من مفكّري الحركة في عام 1917 وهو «ليو موتسكين» إذ يقول: إن همّنا هو أن استيطاننا لفلسطين يجب أن يسير في اتجاهين: الاستيطان اليهودي في أرض إسرائيل، وإعادة توطين عرب إسرائيل في مناطق خارج الدولة، والحقيقة الواضحة هي أن الذين قاموا بطرد الفلسطينيين هم وافدون جُدُد على البلاد يشكّلون جزءاً من مشروع استيطاني يربط حالة فلسطين بتاريخ التطهير العرقي الاستيطاني في أميركا الشمالية والجنوبية وإفريقيا وأستراليا حيث ارتكب المستوطنون البيض جرائم مماثلة.
في ذكرى النكبة، كانت المؤامرة أوضح، في مجريات الأحداث باتجاه فتح أبواب فلسطين أمام هجرة اليهود، واغتصاب الأرض، وكانت الساحة البريطانية مسرحاً للتحرّكات والترتيبات والاتصالات ومحور الرسائل حول المشكلة الملحّة على كل الأطراف، وهي مشكلة فتح أبواب فلسطين أمام الهجرة اليهودية.