خسائر التجارب النووية "الفرنسية- الإسرائيلية" في الجنوب الجزائري؟

لقد بلغت تكاليف أول قنبلة ذرية فرنسية مليار و260 مليون فرنك فرنسي، تحصّلت عليها فرنسا من الأموال الإسرائيلية بعد الاتفاقية المُبرَمة بين فرنسا وإسرائيل في المجال النووي. ففي صبيحة ذلك اليوم المشهود، تمّت عملية التفجير تحت إسم "اليربوع الأزرق"، تيّمناّ بلون الكيان الصهيوني وأول لون من العلم الفرنسي، هذا التفجير الذي سُجِّل بالصوت والصورة بعد الكلمة التي ألقاها ديغول في نقطة التفجير بحموديا (65 كلم عن رقان المدينة)، قبل التفجير بساعة واحدة فقط، وتم نقل الشريط مباشرة من رقان إلى باريس ليُعرَض في النشرة الإخبارية المُتلفَزة عند الساعة الثامنة من نفس اليوم بعد عرضه على الرقابة.

هي التجارب النووية التي قامت بها فرنسا خلال فترة احتلال الجزائر في منطقة "رقّان" وباقي المناطق في الجنوب الجزائري التي خلّفت ما يزيد عن 150 ألف ضحية طيلة الفترة الممتدة بين 1960 و1962، فالكثير من هذه العمليات الخطيرة والمُحرّمة على الصعيد الدولي التي قامت بها فرنسا في الصحراء الجزائرية لا تزال غامضة وسرّية، ولم تتسرّب بعد خرائطها والوثائق المتعلّقة بطبيعة نشاطها.

البداية القاسية جاءت عندما استيقظ سكان منطقة "رقان" الواقعة في الجنوب الغربي الجزائري صباح يوم 13 شباط/ فبراير 1960 على وَقْع انفجار ضخم جعل من سكان الجزائر حقلاً للتجارب النووية وتحويل أكثر 42 ألف مواطن من منطقة رقان ومجاهدين، حُكِمَ عليهم بالإعدام، إلى "فئران" تجارب للخبراء الإسرائيليين وجنرالات فرنسا على رأسهم الجنرال ديغول. فهذا الجنرال "لافو"، يصرّح أن اختيار منطقة "رقان" لإجراء تجربة القنبلة الذرية، وقع في 1957 حيث بدأت الأشغال بها سنة 1958 وفي أقل من ثلاث سنوات وجدت مدينة حقيقية برقان يقطنها 6500 فرنسي و3500 صحراوي كلهم كانوا يشتغلون ليل نهار لإنجاح إجراء التجربة النووية في الآجال المحدّدة لها!!.

لقد بلغت تكاليف أول قنبلة ذرية فرنسية مليار و260 مليون فرنك فرنسي، تحصّلت عليها فرنسا من الأموال الإسرائيلية بعد الاتفاقية المُبرَمة بين فرنسا وإسرائيل في المجال النووي. ففي صبيحة ذلك اليوم المشهود، تمّت عملية التفجير تحت إسم "اليربوع الأزرق"، تيّمناّ بلون الكيان الصهيوني وأول لون من العلم الفرنسي، هذا التفجير الذي سُجِّل بالصوت والصورة بعد الكلمة التي ألقاها ديغول في نقطة التفجير بحموديا (65 كلم عن رقان المدينة)، قبل التفجير بساعة واحدة فقط، وتم نقل الشريط مباشرة من رقان إلى باريس ليُعرَض في النشرة الإخبارية المُتلفَزة عند الساعة الثامنة من نفس اليوم بعد عرضه على الرقابة.
نعم ارتكبت فرنسا جريمتها الشنعاء مع سَبْق الإصرار، ذلك أنها كانت تسعى إلى الالتحاق بالنادي النووي آنذاك بغية إظهار عَظَمتها للعالم مع مدّ الكيان الصهيوني بالتسلّح النووي سرّاً بأيّ ثمن. كانت أول قنبلة نووية سطحية بقوّة ثلاثة أضعاف قنبلة هيروشيما في اليابان عام 1945. تلتها قنبلة "اليربوع الأبيض"، ثم "اليربوع الأحمر" حسب ترتيب الألوان الثلاثة للعلم الفرنسي لتختتم التجارب الاستعمارية النووية في منطقة حموديا رقان بالقبنلة الرابعة والأخيرة التي سُمّيت "باليربوع الأخضر".

لقد صادق مند فترة نواب البرلمان الفرنسي على مشروع القانون المُتضمّن تعويض ضحايا التجارب النووية التي أجرتها فرنسا في صحراء الجزائر. ويتضمّن مشروع القانون مَنْح تعويضات مادية إلى الضحايا الذين أصابتهم أمراض إثر تواجدهم حينها في مناطق التجارب النووية. وقد اقتصرت دراسة الملف على أعضاء ممثلين لعدد من الوزارات من دون إشراك ممثلي جمعيات الضحايا. ولم يخف الضحايا وذوي الحقوق استياءهم من تركيبة اللجنة المكلّفة بدراسة ملفات طلب التعويض، حيث تمّ التنديد بشروط تعويض الضحايا.
يأتي هذا بعد ما كرّرت الجزائر طلبها بخصوص الاعتراف والاعتذار من فرنسا مما بدر منها خلال الحقبة الاستعمارية التي دامت من 1830 التحركات السياسية، ويعتبر التحرّك السياسي نحو هذا الملف جامداً وغير فعّال ويقتصر فقط على المطالبة بطلب الاعتذار الرسمي الفرنسي بصفة محتشمة وهذا راجع لأسباب سياسية، ويتم تذكّر ملف التجارب النووية بين الحين والآخر.

هنا يجب التحرّك بحيث لا يمكن لفرنسا أن تتهرّب من مسؤولياتها، فيجب أن تعيد السجلات الصحية، بما في ذلك سجلات "ريغان" الطبية والمناطق المحيطة بها فضلاً عن سجلات "عين أكر" بالهقار التي جمعها الجيش الفرنسي بين عامي 1960 و1966. ويجب أن تُقدّم أيضاً التقارير الطبية التي كتبها الأطباء العسكريون الفرنسيون في جنوب البلاد من 1962 حتى 1975. ومنها خصوصاً وبصفة عاجلة تسليم بطاقات مقابر المواد الإشعاعية.
الحقيقة أنه سبق أن تناقلت وكالات الأنباء في 23 آذار/ مارس 2009 خبر صحوة ضمير فرنسا بعد نصف قرن من إجراء تجاربها النووية في صحراء الجزائر، في بادرة تعدّ الأولى من نوعها انتظرها ضحايا الجرائم الفرنسية طويلاً. وسرى شعور بالارتياح وسط الشارع الجزائري. بعد سنوات من الجدل ورفض فرنسا الاعتراف بأنها تسبّبت بأضرار جسدية لمئات الآلاف من سكان الصحراء. وحسب ما أعلن عنه حينها وزير الدفاع الفرنسي "هيرفي مورين" لصحيفة لو فيغارو إن "فرنسا ستُصغي إلى ضميرها عندما تقرّ تعويضات إلى المتضرّرين جرّاء تجاربها النووية في ما وراء البحار".

الواقع أن الحكومات الفرنسية السابقة كانت تعتقد لمدة طويلة بأن فتح باب التعويضات من شأنه تهديد جهود فرنسا المهمة في الحصول على رادع نووي يحظى بالمصداقية ، وأن الوقت قد حان لكي تتصرّف فرنسا بما يُمليه عليها ضميرها، وأن الحكومة الفرنسية نشرت سجلاتها التي تضمّنت الظروف التي أجريت فيها التجارب وتأثيرها على البيئة ، كما كلّفت أطباء بارزين بدراسة هذه الوثائق، وأن مشروع القانون الذي أعدّته وزارته بشأن تعويض ضحايا التجارب النووية الفرنسية سيشمل الجزائريين أيضاً، مشيراً إلى أن حكومة بلاده تجهل إلى حد الآن عدد المتضرّرين من التجارب النووية في كافة مستعمراتها السابقة.

يبقى أنه على الرغم من الإيماءات المتكرّرة من قِبَل الباحثين والمُهتّمين بمتابعة مستجدّات الملف إلى بلوغ الضرَر الناجم عن الإشعاعات النووية ليشمل دول الجوار وبالذات مناطق الصحراء في الجنوب الجزائري، إلا أن خصوصية التفاوض وأحقية المطالبة والمتابعة ظلّت شأناً جزائرياً على المستويين الشعبي والرسمي. وللعِلم فقد وصلت سحابة قنبلة "رقان" لوحدها إلى الجنوب التشادي والجنوب الليبي لتشمل شعب الصحراء برمّته، ويبقى سكان تلك المناطق مُهدّدين بما تفرزه شظايا البلوتونيوم اليوم. ويشدّد خبراء على أنّ تجربة 13 شباط/ فبراير 1960 كارثة نووية بكل المقاييس، إذ "فاقت قوّتها التفجيرية سبعة أضعاف ما خلّفته قنبلتا هيروشيما وناكازاكي في الحرب العالمية الثانية"، وقد اختير زمن التفجير ليصاحب فترة هبوب الرياح الرملية في الصحراء، وهـو ما تؤكّده بيانات تاريخية محفوظة. وستظل رمال الصحاري المشّعة التي تنقلها العواصف خارج الأراضي الجزائرية مصدراً للضرر، وسيستمر تأثيرها الإشعاعي لآلاف السنين.

في النهاية فقد سبق أن اعتبر البعض التجارب النووية الفرنسية في الجزائر "جريمة حرب بكل المعايير"، وأنّ الإشعاعات التي خلّفتها تلك التفجيرات سوف يستمر تأثيرها 24 ألف سنة قادمة بحسب عِلم الفيزياء، واعتبار أنّ حديث فرنسا عن قانون يقضي بـ"تعويض المتضرّرين" من تلك التفجيرات لا يكفي، إضافة لأمراض ظهرت جرّاء تلك الإشعاعات وامتدّت حتى دول الجوار. وأنه لا ينبغي أن يبقى الملف ذكرى من دون توثيق. مع الدعوة إلى تشكيل إطار قانوني سياسي علمي وتكنولوجي، وإلى تأسيس مركز عال للدراسات المتعلقة بالإشعاع وتأثيرة على الحياة. فمتى تبدأ هذه المعالجات قبل التعويضات عن تجارب نووية "فرنسية- إسرائيلية" في الجنوب الجزائري؟.