العلاقات الإسرائيلية البرازيلية.. بين صراع الرؤساء والشعوب

من المفارقات أنه عندما وصل بولسونارو إسرائيل، نزل مئات الشباب البرازيلي إلى شوارع ساو باولو لإحياء ذكرى يوم الأرض والتضامن مع الشعب الفلسطيني، وأعلن المتظاهرون عن رفضهم لزيارة رئيسهم إلى إسرائيل.

بولسونارو على حائط المبكى (أ ف ب)

البداية مع ما أثاره الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو من انتقادات في "إسرائيل" بعد قوله إنه من الممكن مغفرة إبادة النازيين لليهود خلال الحرب العالمية الثانية. أتى ذلك في حديثه لمجموعة من أتباع الكنيسة الإنجيلية بالبرازيل، عندما قال "بوسعنا أن نغفر لكن لا نستطيع أن ننسى. هذا هو موقفي. فالذين ينسون ماضيهم محكوم عليهم بألا يكون لهم مستقبل". لكن الرئيس ريئوفين ريفلين، الذي يعد دوره شرفياً إلى حد بعيد، قال على تويتر "لا يمكن لأحد، سواء كان فردًا أو منظمة أو رئيس حزب أو رئيس دولة، أن يصدر صك غفران نيابة عن الشعب اليهودي ولا يمكن الحصول على ذلك من خلال أي مصلحة كانت".

هي نتائج زيارة برازيلية للكيان الإسرائيلي حملت معها الكثير من التوجهات.. وإن كانت البرازيل لديها سفارة في تل أبيب وقنصلية شرفية في حيفا، كذلك لدى إسرائيل سفارة في برازيليا وقنصلية عامة في ساو باولو، وتحافظ الدولتين على علاقات وثيقة في المجالات السياسية والعسكرية، ولديهما درجة من التعاون في مجال التسلح، البرازيل دولة كاملة العضوية في تجمع حلفاء إسرائيل، وهو منظمة دعاية سياسية داعمة لإسرائيل عبر نواب البرلمانات في حكومات حول العالم.

نعم الجالية اليهودية في البرازيل التاسعة في العالم من حيث العدد حتى 2010، وفقًا لإحصاء المعهد البرازيلي للجغرافيا والإحصاء. ويُقدَر اتحاد البرازيل اليهودي عدد اليهود في البلاد بحوالي أكثر من 120,000 يهودي، وفي إسرائيل، يعيش حوالي 20,000 برازيلي. وخلال عمل أوسفالدو أرانها وزيراً للعلاقات الخارجية من 1938 إلى 1948، مُنح العديد من اليهود تأشيرات دخول للبرازيل. في 1939، مُنح اليهود 4,601 تأشير دائم ومؤقت. في هذا العام، مثلت التأشيرات الدائمة لليهود 9% من إجمالي التأشيرات الدائمة الممنوحة، و14% كانت نسبة التأشيرات المؤقتة الممنوحة لليهود. في 1940، مُنح 2,500 مهاجر يهودي تأشيرات للبرازيل.

من المفارقات أنه أثناء الحرب على غزة 2014، قامت البرازيل بسحب سفيرها في تل أبيب في 24 تموز/ يوليو وذلك احتجاجاً على العملية الإسرائيلية، وقبلها أصدرت الخارجية البرازيلية بياناً ورد فيه "دولة البرازيل تحتج وبشدة على الممارسات التى يقوم بها الجيش الإسرائيلي واستخدامه القوة المفرطة ضد الفلسطينيين الأمر الذى أدى إلى سقوط مئات الضحايا الأبرياء". وفي 28 تموز/ يوليو وصفت الرئيسة ديلما روسيف العملية الإسرائيلية بأنها مجزرة، وقالت "ما يجري في غزة أمر خطر.. لا أعتقد أنه إبادة ولكن أعتقد أنه مجزرة. هو إجراء غير متكافئ". وعلق المتحدث باسم الخارجية الإسرائيلية على مسألة سحب السفير بالقول إن سحب السفير "هو تجسيد مؤسف للسبب الذي يجعل البرازيل، العملاق الاقتصادي والثقافي، تبقى قزماً دبلوماسياً".

مرت السنوات ليثير الرئيس البرازيلي جائير بولسونارو، الذي قام بزيارة إلى إسرائيل، قبل أسابيع قليلة من الانتخابات الإسرائيلية، ويبدو أنه يرد بالمثل على زيارة رئيس حكومة الكيان الإسرائيلي بنيامين نتانياهو إلى البرازيل قبل الانتخابات التي قادت بولسونارو إلى كرسي الرئاسة، وكان نتانياهو أحد قادة الدول القلائل الذين قدموا الدعم لبولسونارو في ذلك الوقت.

الرئيس البرازيلي سبق أن قال لدى وصوله إلى تل أبيب، لنتانياهو بالعبرية "أنا أحب إسرائيل"، كذلك جاءت زيارته لحائط المبكى ما شكل في الأعراف الدولية تجاهلاً لصفة القدس كمدينة محتلة، كما أنه لم يحاول الاتصال بالرئيس الفلسطيني أو السلطة الوطنية كما يفعل كافة قادة العالم في حال زيارتهم لإسرائيل، كذلك لم يتضمن البرنامج أي زيارات للأماكن المقدس المسيحية والإسلامية، مما يشكل اعترافاً بتهويد القدس.

لقد كان بولسونارو تعهد خلال حملته الرئاسية باتباع خطى نظيره الأمريكي ترامب ونقل السفارة البرازيلية إلى القدس، ولكنه تراجع نسبياً عن هذا الموقف خلال زيارته إلى إسرائيل، واكتفى بفتح "مكتب تجاري" في المدينة المقدسة. وأرجع البعض هذا التراجع لأسباب تكمن في أن ناخبي الرئيس البرازيلي ينقسمون بين المسيحيين المتشددين الذين يؤيدون إسرائيل ولوبي تجارة اللحوم القوي، والذي يخشى من أن يؤدي نقل السفارة البرازيلية إلى القدس إلى حملة مقاطعة عربية للحوم البرازيلية الحلال، والتي تشكل جزء رئيسياً من عائدات هذا اللوبي.

من المفارقات أنه عندما وصل بولسونارو إسرائيل، نزل مئات الشباب البرازيلي إلى شوارع ساو باولو لإحياء ذكرى يوم الأرض والتضامن مع الشعب الفلسطيني، وأعلن المتظاهرون عن رفضهم لزيارة رئيسهم إلى إسرائيل. ونددت كذلك السلطة الفلسطينية بأشد العبارات بافتتاح المكتب –الذي أعلن عنه في وقت سابق– حيث قالت إنها ستستدعي سفيرها لدى البرازيل احتجاجًا على ذلك. وفي وقت سابق أعلنت وزارة الخارجية البرازيلية، إن مهمة مكتبها الجديد في القدس تهدف إلى "تعزيز التجارة والاستثمار والتكنولوجيا والابتكار ليكون جزءاً من سفارتها في إسرائيل".

"لقد افتتح بولسونارو (مكتباً تجارياً) دبلوماسياً في القدس بعد المجر وجمهورية التشيك وهندوراس الذين حاولوا أيضاً الالتفاف حول مسألة ضم إسرائيل الغير قانوني للقدس. إن ترامب وأمثاله ينتهكون القانون الإنساني الدولي ويديمون النزاع". هكذا كتبت حنان عشراوي. حتى الآن، كانت الولايات المتحدة وغواتيمالا هما البلدان الوحيدان اللذان قاما بنقل سفارتيهما إلى القدس. في العام الماضي قامت البارغواي بنقل سفارتها إلى المدينة، لكنها أعادت نقلها في وقت لاحق إلى تل أبيب. ويبقى أنه يمكن اعتبار هذه الزيارة التي قام بها بولسونارو إلى الموقع موافقة ضمنية على السيادة الإسرائيلية على المكان. في حين أن إسرائيل تعتبر القدس بشطريها عاصمة لها، يعتبر الفلسطينيون القدس الشرقية عاصمة لدولتهم المستقبلية.

ما أحدثه بولسونارو جاء الرد الإسرائيلي عليه في بيان منفصل "ليس من حق أحد أن يقرر من يمكن الغفران له وما إذا كان ينبغي مغفرة جرائم المحرقة". وفي السياق، قال متحف تاريخ الهولوكوست "ياد فاشيم" في بيان له: "لا يمكن لأحد أن يقرر من يمكن مسامحته وما إذا كانت تجب المسامحة عن جرائم الهولوكوست". وليس هذا التصريح الأول الذي أثار جدلاً في إسرائيل، حيث افترض بولسونارو خلال زيارته لمتحف "ياد فاشيم" هذا الشهر أن النازيين في ألمانيا كانوا "يساريين". العلاقات الإسرائيلية البرازيلية بين الرئاسة والشعب.