الرواية الصهيونية قد يبشر بها عرب

بكلماتٍ أكثر وضوحاً فإن مصداقية موقف أيّ طرف فلسطيني من صفقة القرن التصفوية سوف تتحدّد من الآن فصاعداً ، ليس بناء على مواقف لفظية ، بل على ضوء قيامه باتخاذ موقف واضح من الأطراف العربية التي انضوت في حلف غير مُقدَّس مع الأميركيين والإسرائيليين لتمريرها وفرضها على الشعب الفلسطيني. 

وزير خارجية سلطنة عمان يوسف بن علوي

التصريحات التي أدلى بها يوسف بن علوي وزير الدولة العُماني للشؤون الخارجية ،الذي كان يتحدّث في ندوةٍ سياسيةٍ عُقِدَت على هامش منتدى دافوس قبل يومين على شاطئ البحر الميت، من الجانب الأردني، طالباً فيها من العرب تقديم بوادر حُسن نيّة إزاء الإسرائيليين لتبديد خوفهم ، كونهم يعيشون وسط 400 مليون عربي، ، من خلال اتخاذ إجراءات وعَقْد اتفاقات، تشكّل تجاوزاً لما يُسمَّى بالهرولة نحو التطبيع لتُلامِس اعتناق وتبني الرواية الصهيونية التي تقول بأن كل الحروب والجرائم التي ارتكبتها الحركة الصهيونية ، وتجسيدها المادي دولة الكيان ضد الشعب الفلسطيني والشعوب العربية ، وما نجم عنها من تشريدٍ ومذابح ومجازر وسفك دماء ، لم يكن سبُبها إديولوجياً عنصرياً توسّعياً بل حالة دفاع مشروعة عن النفس.

وهذا التبنّي لأهم المُرتكزات التي استند إليها الصهاينة لتبرير الجرائم التي ارتكبوها على مدار أكثر من قرن تحت عناوين مُضلّلة، وأدّت إلى استشهاد أكثر من 100 ألف فلسطيني وربما مثلهم وأكثر من العرب ، وإصابة مئات الآلاف بجراح وتشريد 6 ملايين شخص من ديارهم، والاستيلاء على كل فلسطين التاريخية وزرعها بالمستوطنات، يؤكّد بما لا يدع مجالاً للشك بأن المُتصهينين العرب انتقلوا من مرحلة التبعية لأميركا والغرب الاستعماري إلى مرحلة التصالح مع الإديولوجيا الصهيونية والاندماج بمشروعها الكولنياي وتبنّي مُنطلقاته الإديولوجية والفكرية.

وهذه الانتقال المهم يعني على أرض الواقع بأن قوى الرجعية العربية مُمثّلة ببعض نُظمها السياسية ، قد انخرطت في بنية ومنظومة المشروع الصهيوني، وتبنّت أهدافة ومنطلقاته ومرتكزاته الفكرية بصرف النظر عما إذا كانت فعلت ذلك قناعة منها أو لضمان الحماية الأميركية ، لإيمانها بأن إرضاء إسرائيل هو أقصر الطُرُق إلى واشنطن وقلب ترامب.

وإذا ما تحدَّثنا بلغة المنطق فإن ذلك يعني بأن بعض نُظُم الرجعية العربية أصبحت تمارس العمالة لإسرائيل بوضوحٍ وعلنيةٍ ومن فوق الطاولة بعد أن كانت تفعل ذلك لعقودٍ طويلةٍ بسرّيةٍ وتكتّمٍ ومن تحت الطاولة. الأمر الذي يعني بأن المصلحة الوطنية والقومية للشعب الفلسطيني والشعوب العربية باتت تطلب وبشكلٍ مُلحٍ التعامُل معها على اعتبارها، كما هي على أرض الواقع ، جزءاً من معسكر الأعداء.

من هذا المُنطلق فإن تصريحات بن علوي هي عبارة عن حال تعرٍ سياسي "ستربتيز" حتى آخر قطعة ، والسكوت عنها تحت مُسمَّى عدم التدخّل في الشؤون الداخلية للدول العربية أو غيره من المُسمّيات ، بات أمراً غير مقبول لأن مصيرية المرحلة لم تعد تسمح بمسك العصا من النصف..

بكلماتٍ أكثر وضوحاً فإن مصداقية موقف أيّ طرف فلسطيني من صفقة القرن التصفوية سوف تتحدّد من الآن فصاعداً ، ليس بناء على مواقف لفظية ، بل على ضوء قيامه باتخاذ موقف واضح من الأطراف العربية التي انضوت في حلف غير مُقدَّس مع الأميركيين والإسرائيليين لتمريرها وفرضها على الشعب الفلسطيني. 

وأخيراً فإن وكما سبق أن قلنا فإن المواقف التي عبَّر عنها بن علوي في منتدى دافوس ، وعدا عن كونها تشكّل غطاءً عربياً لكل الجرائم التي ارتكبتها وترتكبها إسرائيل تحت ذريعة أنها تمّت وتتمّ بذريعة الدفاع عن النفس ، فإنها وهذا هو الأهم تندرج في إطار موقف صهيو-عربي لأن الصهيوني ليس بالضرورة أن يكون يهودياً فقد يكون من أية قومية أو إثنية كانت وكذلك من أيّ دين كان.