الأهداف السعودية الحقيقية من امتلاك مفاعل نووي

بعد تولّي ترامب سدّة الحُكم في أميركا وإهانته للقيادة السعودية أمام العالم أجمع وابتزازه لها بورقة الحماية الأميركية لها ما يسمّيه ترامب الخطر الإيراني ، وبعد إدراك القيادة السعودية أن هناك فجوة بين زمرة ترامب الضيّقة والدولة الأميركية العميقة ، فتلك الفجوة هي التي منعت ترامب من إغلاق قضية مقتل جمال خاشقجي من التداول في الأوساط السياسية النخبوية الأميركية بشكل كامل.

أعلنت وكالة بلومبرغ الأميركية للأنباء أن السعودية اقتربت من الانتهاء من بناء أول مفاعل نووى لها فى مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتكنولوجيا في الرياض ، والتساؤل الذي تبادر في ذهن الكثيرين ما هي الدوافع الحقيقية التىي تجعل السعودية تخطو مثل هذه الخطوة المثيرة للجدل ؟

الأسباب الحقيقية لسعي السعودية إلى امتلاك مفاعل نووى :

أولاً: بعد هزيمة السعودية في حرب اليمن أمام جماعة أنصار الله وثبوت ضعف جيشها في الحسم البري العسكري على الأرض ، وهشاشة مخابراتها في تحديد بنك الأهداف الذي من المفترض أن يقوم الجيش باستهدافه ، فضلاً عن غياب الدقّة في الاستهداف عن طيّاريها ، أدركت القيادة السعودية أن الجيش السعودي جيش هشّ وغير قادر على حسم أية معركة يدخلها سواء كانت برية أو جوية أو مخابراتية ، فكان القرار ببناء مفاعل نووى لتعزيز هيبة السعودية في الاقليم ولتحقيق طموحات حاكِم السعودية الفعلي محمّد بن سلمان في جعل السعودية القوّة الاقليمية الأولى في المنطقة بالتشارُك مع إسرائيل ضد القوى الاقليمية الأخرى المنافسة للسعودية في قيادة الاقليم خاصة إيران وتركيا .

ثانياً : بعد تولّي ترامب سدّة الحُكم في أميركا وإهانته للقيادة السعودية أمام العالم أجمع وابتزازه لها بورقة الحماية الأميركية لها ما يسمّيه ترامب الخطر الإيراني ، وبعد إدراك القيادة السعودية أن هناك فجوة بين زمرة ترامب الضيّقة والدولة الأميركية العميقة ، فتلك الفجوة هي التي منعت ترامب من إغلاق قضية مقتل جمال خاشقجي من التداول في الأوساط السياسية النخبوية الأميركية بشكل كامل ، قرّرت القيادة السعودية حينها العمل على إيجاد أمر يزيد من قوّتها الذاتية ويجعلها أكثر صلابة في مواجهة الضغوط الأميركية عليها في عهد ترامب ، خاصة أن وضع السعودية الاقتصادي متدهور واقتصادها يعاني من عجز في الميزانية فأصبحت غير قادرة على دفع المبالغ الطائلة التي يطلبها منها ترامب عبر عملية ابتزاز مباشرة يقوم بها .

ثالثاً : شعرت القيادة السعودية بالخطر بسبب التنسيق الإيراني التركي عالي المستوى في سوريا والعراق ، فبعد أن كانت السعودية تنافس إيران وتركيا كلاً منهما بمفرده ، أصبحت السعودية الآن تواجه قوّتين اقليميتين متّحدتين ليستا حليفتين ، لكن هناك تنسيق عال بينهما في جبهات اقليمية ساخنة مثل سوريا والعراق ، ومع هزيمة السعودية في حرب اليمن ورفض مصر الانجرار خلفها ضد إيران وسوريا و حزب الله ، وتعمد مصر عدم ظهور وزير خارجيتها سامح شكري بشكل مكثّف إعلامياً في مؤتمر وارسو كرسالةٍ مصرية ناعمة للسعودية أنها لن تنضمّ لأية حملة سعودية ضد إيران وابتزاز ترامب المستمر لها ، شعرت السعودية أنها في حال عزلة اقليمية غير مُعلنة خاصة وأن الإمارات حليفها الظاهري يورّطها في ساحات استنزاف مثل اليمن وينسحب منها هو ، فمن وجهة النظر السعودية امتلاك مفاعل نووي يعزّز هيبتها اقليمياً ويُقلّل اعتمادها على القوى الخارجية في مواجهة خصومها في الاقليم .

صفقة أميركية سعودية مُحتمَلة :

مع اقتراب إعلان الرئيس الأميركي ترامب لبنود ما يُعرَف بصفقة القرن ربما نرى مُقايضة سعودية أميركية بحيث تنفق السعودية الأموال اللازمة من أجل تمويل المشاريع الاقتصادية التي تشملها الصفقة ، وأميركا تعتمد على السعودية اعتماداً شبه كلّي في إتمام بناء تلك المشاريع مقابل أن تعطي أميركا السعودية تقنيات التكنولوجيا الأميركية النووية المتطوّرة وفق المادة 123 من قانون الطاقة الذرية الأميركي الصادر عام 1954 ، والإشكالية هنا هل ستسمح أميركا للسعودية بإعادة المعالجة والتخصيب لليورانيوم ، فإذا سمحت بذلك تكون السعودية قادرة على إنتاج أسلحة نووية ، وهذا أمر وارد خاصة مع تعمّق العلاقات السعودية الباكستانية وقدرة باكستان على مساعدة السعودية في هذا المضمار ، وإذا لم تسمح أميركا للسعودية بإعادة المعالجة والتخصيب فلن تستطيع السعودية تحقيق هدفها وهو برنامج نووي عسكري ، لأنه ليس من المنطقي أن تقرّر السعودية فجأة إنشاء برنامج نووي من أجل توليد الكهرباء وتحلية المياه ، فمع الأزمات الداخلية والخارجية الكبرى التي تتعرّض لها السعودية ، يصبح من البديهي الإدراك أن برنامج السعودية النووي لن يكون للأغراض السلمية فقط ، والأزمة التي ستواجه أميركا إذا تساهلت مع السعودية في إعادة المعالجة والتخصيب لليورانيوم هي أن الإمارات ومصر وتركيا موقعة على المادة 123 من قانون الطاقة الذرية الأميركي الذي يتيح لها الحصول على التكنولوجيا النووية الأميركية ، فغضّ أميركا الطرف عن عدم تنفيذ السعودية للمادة 123 بشكل كامل سيؤدّي بالضرورة إلى حذو مصر والإمارات وتركيا حذو السعودية ، وهو ما سيؤدّي إلى سباق تسلّح نووي غير مسبوق في المنطقة ، لذلك محدّدات العلاقة الأميركية السعودية في الفترة القادمة ستكون دقيقة ومعقّدة لأن السعودية تشعر بالضعف وتسعى إلى ربط ملف مشاركتها في صفقة القرن بملف تساهل أميركا معها في تطبيق المادة 123 من قانون الطاقة الذرية الأميركي ، خاصة وأنها تمتلك بدائل عن أميركا تمكّنها من الحصول على التكنولوجيا النووية ، من الصين أو روسيا على سبيل المثال لا الحصر ، فهل يكون المفاعل النووي السعودي الشرارة التي ستشعل سباق تسلّح نووي في المنطقة ؟ .