تهديدات نتنياهو لغزّة تَلِد وساطة مصرية

أبقى رئيس الوزراء الإسرائيلي على دور الوفد الأمني المصري ليُحافظ على قناة اتصال غير مباشرة مع المقاومة في غزّة بما يساعده على النزول عن الشجرة العالية التي حاول الصعود إليها بسبب تصريحاته الحادّة وعالية النبرة إزاء غزّة الذي يعرف هو أكثر من غيره بأنه عاجز عن تنفيذها.

نتنياهو عاجز ببساطةٍ عن تطويع غزّة وكَسْرِ إرادتها

مَن شاهدَ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وهو يُغرِّد من واشنطن، بعد تلقّيه نبأ قيام المقاومة الفلسطينية في قطاع غزّة في ساعةٍ مُبكرةٍ من صباح الإثنين الماضي بإطلاق صاروخٍ متطوّرٍ وذي قوّة تدميرية كبيرة على شمال تل أبيب قائلاً "سوف اختصر زيارتي وأعود إلى إسرائيل لأكون إلى جانب مواطني دولتي في المعركة ضد الإرهاب".

تهيّأ له أن الرد على ذلك الصاروخ سيكون ساحِقاً ماحِقاً وقد يصل إلى حد شنّ حربٍ على قطاع غزّة للقضاء على حُكم حركة حماس، وإعادة الاعتبار لقوّة الردع الإسرائيلية التي بات يؤكّد قادة عسكريون وسياسيون إسرائيليون سابقون مُتحرِّرون من قَيْد الوظيفة على أنها تآكلت بل وحتى انهارت. لكن ما حدث على أرض الواقع أن الرد الإسرائيلي بقيَ في أضيق نطاقٍ وتحت السيطرة، بحيث لا يستدرج ردّاً فلسطينياً واسع النطاق يؤدّي إلى اتّساع نطاق العمليات العسكرية أو نشوب حرب، وبالتالي إلى المزيد من انكشاف عورة إسرائيل الاستراتيجية ومواطِن ضعفها، ما قد يؤدّي إلى سقوط وإسقاط نتنياهو في انتخابات الكنيست الإسرائيلي القادمة في التاسع من نيسان أبريل المقبل.

ولذلك فقد أبقى رئيس الوزراء الإسرائيلي على دور الوفد الأمني المصري ليُحافظ على قناة اتصال غير مباشرة مع المقاومة في غزّة بما يساعده على النزول عن الشجرة العالية التي حاول الصعود إليها بسبب تصريحاته الحادّة وعالية النبرة إزاء غزّة الذي يعرف هو أكثر من غيره بأنه عاجز عن تنفيذها. وقد باتت خطة نتنياهو في هذا المجال واضحة المعالم ومكشوفة، فهو يُطلِق تصريحاتٍ ناريةٍ حادّةٍ متوّعِداً مقاومة غزّة بالويل والثبور وعظائِم الأمور، للاستهلاك الإسرائيلي، فيما يبلغ غزّة أن القصف الذي ستقوم به طائراته لمواقع وأهداف في القطاع لن تتجاوز الخطوط الحمر التي تحدّث عنها رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنيّة في تصريحٍ صحافي مُقتضَب مساء الإثنين الماضي كالقيام باغتيالات لقادة في المقاومة أو ما شَاكَل.

هذه "المشهدية" غير المألوفة في التعامُل بين احتلالٍ وحركة تحرّرٍ وطني، أو مقاومة مسلّحة، والناجِمة عن حالة توازن رُعب على المستوى العسكري من ناحية، وعن عدم توافر حالة فلسطينية وعربية ودولية مواتية لانتصار المقاومة، بعد، من ناحيةٍ أخرى أدّت إلى ظهور بعض الأصوات الإسرائيلية التي تقول بأن نتنياهو أضعفَ قوَّة الردع الإسرائيلية في مواجهة حماس، وخضع لإملاءاتها، وبعض الأصوات الفلسطينية التي ادّعت في اليومين الماضيين بأن مقاومة غزّة متواطِئة مع نتنياهو وتسعى إلى فصل غزّة عن الضفة وتمرير صفقة القرن.

ولكن الحقيقة أن هذين التحليلين خاطئان، فعلى المستوى الإسرائيلي فإن بنيامين نتنياهو يتمنّى القضاء على مقاومة غزّة أو يستيقظ من النوم ويرى غزّة قد غرقت بالبحر كما قال ذات يوم سلفه المقبور إسحق رابين، ولكن ما يمنعه عن ذلك ليس كَرَم أخلاقه بل القوّة الرادِعة التي باتت تملكها غزّة لا سيما على صعيد الصواريخ، ولن يُغيِّر من هذه الحقيقة أياً كان رئيس الوزراء الإسرائيلي المقبل، أمّا على المستوى الفلسطيني فإن مَن يزعَم بأن مقاومة غزّة متواطِئة مع نتنياهو وضالِعة في مخطّط فصل غزّة عن الضفة وتمرير صفقة القرن هو مُخطئ ومُلتبس ومُشتبه، وكلامه مردود عليه لأن نتنياهو عاجز ببساطةٍ عن تطويع غزّة وكَسْرِ إرادتها لأنها تملك قوّة ردعٍ تمنعه من استباحتها كما يحصل في الضفة.