أحزاب الموالاة بين سندان الشعب ومطرقة السلطة
في قراءة مُبسّطة لمآلات الأوضاع السياسية في البلاد، فإن الشعب الجزائري أدرك حال التعفّن السياسي للأحزاب التقليدية التي كانت تتداول السلطة لمدّة عشرين سنة كاملة، بعد أن كان شاهد عيان وعايش الفساد الذي ضرب أطنابه في حياة السياسيين، ما ولّد ازمة ثقة بين الحاكم والمحكوم.
عرفت الساحة السياسية الجزائرية تطوّرات عديدة وحالة من الانسداد في دواليب السلطة بعد أن رفض الشعب كل مقترحات الحكومة لحل الأزمة القائمة في البلاد، واعتبرها كاقتراحات مُنتهية الصلاحية لا تخدم المرحلة التاريخية الحسّاسة التي تمر بها الجزائر، خاصة وأنها أتت متأخّرة نظراً لفارق التوقيت بين المطالب الشعبية والقرارات السياسية للحكومة باعتبارهم، كما أكّد بعض المتظاهرين في مسيرات الكرامة، الصمود، الرفض تلتها مسيرات التحدّي أن السلطة غائبة تماماً عن دورها في فَهْم المجتمع الجزائري بمختلف خصوصياته.
ومع تمسّك الجزائريين برفضهم القاطع في فتح أي باب للحوار والتعاطي مع الحكومة الجزائرية برفعهم شعارات مُندّدة ببقاء وجوه سياسية مارست لفترات ماضية الاستبداد النفسي عليهم ، وعزموا على التغيير الجذري لأوجه هذا النظام، تداولت وسائل الإعلام خبر رغبة مساندة أحزاب الموالاة التي كانت لها أياد امتدت إلى هرم السلطة وتشبّعت سياسياً من نظام بوتفليقة للحراك الشعبي ،هذا ما أثار حفيظة الجزائريين ونال قدراً من السخط من قِبَل النخب الجزائريين والكثير من السخرية لدى روّاد شبكات التواصل الاجتماعي من خلال منشورات فيسبوكية رافضة في فحواها انضمام هؤلاء المُتحزّبين وما أسموهم أبناء السلطة إلى الهبّة الشعبية العفوية.
تباينت الآراء واختلفت الرؤى حول إقرار هذه الأحزاب السياسية التي غرفت من نفس وعاء السلطة بمساندتها للشعب، بين مَن يراها خطوة جريئة للقفز من قارب مُهترىء كان بالأمس القريب طوق نجاة للموالين لحاكم الدولة، ويأتي قرارهم من تيقّنهم من انتهاء العهد البوتفليقي محاولين "ركوب الموجة" لكسب تعاطف شعبي يضمنون به مكاناً لهم للتموقع في المشهد السياسي للمراحل المقبلة.
وفي آراء أخرى عبّر عنها أصحابها على أن تصريحات هؤلاء المتحزّبين ما هي إلا مناورة سياسية جديدة لاستغلال آخر ورقة مُربحة بين أيديهم ومحاولة لاختراق الحراك الشعبي والاستثمار فيه من خلال التشويش على المتظاهرين وتحييد الحراك عن مساره الحقيقي وإجهاض تحقيق أهدافه التي انبثق من أجلها.
كما يرى بعض الحقوقيين والنشطاء السياسيين أن تاريخ 22فبراير كان آخر أجل لتحديد المواقف والانضمام لركب الحراك، كما اعتبروا أن الأحزاب الموالية أصبحت واعية بأن الوضع الحاسم الذي تعيشه الجزائر، لذلك توجّهوا في خطاباتهم إلى توظيف ما هو اجتماعي لخدمة ما هو سياسي كإعطاء الفرصة للشباب وللكفاءات لتسلّم المشعل، كنوع من التجديد في الخطاب السياسي الذي طاله التقليد عقدين من الزمن.
في قراءة مُبسّطة لمآلات الأوضاع السياسية في البلاد، فإن الشعب الجزائري أدرك حال التعفّن السياسي للأحزاب التقليدية التي كانت تتداول السلطة لمدّة عشرين سنة كاملة، بعد أن كان شاهد عيان وعايش الفساد الذي ضرب أطنابه في حياة السياسيين، ما ولّد ازمة ثقة بين الحاكم والمحكوم، وهو بحاجة ماسّة إلى تغيير كل من سحبت منه الشرعية الشعبية هذه الثقة مع المحافظة على مؤسّسات الدولة والتحوّل إلى إعادة بناء جمهورية جديدة أسّسها العدالة الاجتماعية، وإسناد المهام لأطراف ذات كفاءة ومصداقية تساعد على الانتقال إلى مرحلة التغيير الإيجابي.
وبرؤية إيمانية عميقة، انقشعت بها الضبابية عن مدى الوعي السياسي للشعب الجزائري خاصة جيل التسعين أو ما يُعرَف بجيل الويب الذي يعتبر الفئة الأكثر حضوراً في الهبّة الشعبية ، كما أنه يقدر بنسبة 70℅ من المجتمع الجزائري لامست فيه روح الوطنية وحب الآخر وتصالحه مع الذات، واعتبار تلك الشريحة المجتمعية الباحثة عن فرصة تترك بها بصمة لها على أرض المليون ونصف مليون شهيد وترسم صورة تاريخية مشرّفة للأجيال القادمة.
بلد الجزائر اليوم يعيش لحظة تاريخية لتصادم جيلين ،جيل يرفض التعدّدية ويميل إلى الفردانية، وآخر يؤمن بثقافة التداول وينادي بالديمقراطية الحقّة ، خاصة وأن الثاني وما إسميه جيل العصر البوتفليقي،هم شباب سلكوا مسلك الأبطال حينما تخلّوا عن ثقافة التعبير عن مطالبهم المشروعة بالتخريب والتكسير والعنف.
كما أعتقد أن هؤلاء الشباب كوّنوا بسلميّتهم ورقيّ أسلوبهم جداراً صلباً يصعب اختراقه لحماية الوطن، وقد أثبتوا بذلك تفوّق القاعدة على هرم السلطة الذي عرف مؤخراً حالة من العشوائية في اتخاذ القرارات ، وهذا راجع لتخبّطه وهشاشته التي تُحسَب عليه لا له.
أختم بمقولة شهيرة لألبرت أنشتاين التي تتضمّن بما معناه :"لا يمكننا حل المشاكل اعتماداً على العقلية نفسها التي أوجدتها" هذا ما ينطبق على حال السلطة اليوم التي أدت بالمسار السياسي إلى نفق مُعتم وهي التي أثبتت فشلها للمرة الألف بعدم قدرتها حتى على احتواء احتقان شعبي في الشارع الجزائري عُمره أربعة اسابيع كاملة، لذا أرى أنه من واجبها الانسحاب والوفاء للوطن من خلال عدم الأخذ به إلى مُنعرجٍ خطير عوض ذلك لا بد من أن يعيش مرحلة انتقالية أكثر انفتاحاً سياسياً لصناعة الديمقراطية الجادّة ولتحقيق التنمية الفعلية من طرف شباب أثبت كفاءته ونضجه السياسي الذي يكفل له الحق في بناء مستقبل الجزائر.