أبعاد القمّة العربية الأوروبية

‎خمسون دولة عربية وأوروبية في شرم الشيخ تحت شعار "في إستقرارنا نستثمر" لتتباحث في عددِ من القضايا الإستراتيجية التي تؤثر على الإستقرار الإقليمي والعالمي. بعيداً عن الأجندات المُعلنة للإستهلاك الإعلامي المتمثلة بقضايا مكافحة الإرهاب والهجرة غير المشروعة وأزمات العالم العربي. ما هي الأبعاد الحقيقية لهذا الإجتماع الفريد بتوقيته وشكله؟ وهل هناك إرتباط بين جولة وليّ العهد السعودي التي أتت قُبيل هذا الإجتماع بهذه القمّة؟

بعد زيارة وليّ عهد أبو ظبي محمّد بن زايد التي تعهّد فيها دعم الإقتصاد الباكستاني بستة مليارات ومن دون تغافل عن إنتخابات كيان العدو في نيسان القادم التي تشى مبدئياً أن يسارها يمين عسكري متجدّد العناوين، ذهب وليّ العهد السعودي محمّد بن سلمان زائراً باكستان التي قامت بإزالة لافتات الاحتفال بالربيع الأربعين للثورة الإسلامية الإيرانية واستبدالها بصوَر للأمير الزائر المحمّل بـ 20 ملياراً دعماً للاقتصاد الباكستاني الذي يعاني من نقص السيولة ، مضارباً على بن زايد ومحاولاً كسر عزلته الدولية من جهة كما ببلورة مواقف مدفوعة الثمن من لاعب الكريكت عمران خان مستغلاً خوف باكستان من الإستثمارات الصينية المشروطة وكسب ودّ الشعب الباكستاني بإطلاق سراح 2100 سجين عشية استشهاد 27 شخصاً، عقب استهداف تعرّضت له حافلة لحرس الثورة الإسلامية مساء يوم الأربعاء 13 شباط من جهة أخرى.

ثم ذهب بعدها لمحاولة شراء "ڤيتو" وتحجيم موقف الصين بإستثمارات بلغت الـ 28 ملياراً وخاطباً ودّها بتأييد معسكرات "إعادة التأهيل" بها ما يقارب المليون من مسلمين مقاطعة "شينجيانغ" ، ليذهب إلى قمّة شرم الشيخ بعد إطلاق سراح والإفراج عن عدد من المواطنين المصريين الموقوفين والمسجونين ، ليكون متفوّقاً حينها على محمّد بن زايد وواضعاً أجندته الإقليمية والدولية التي يتشارك بتفاصيلها وأولوياتها مع كيان العدو والنظام الأميركي التي تتمحور حول إيران وفلسطين تحديداً. كما صرف قبل ذهابه إلى شرم الشيخ راتب شهر مكافأة للعسكريين المشاركين في الصفوف الأمامية للأعمال العسكرية العدائية ضد اليمن ، ليقول بأن نهجنا باليمن لن يتغيّر كرسالة للأوروبيين الذين يلعبون على وتر عدم تصدير السلاح للنظام السعودي ، ودعماً للضغوطات التي يمارسها وزير خارجية النظام البريطاني "جيرمي هانت" على نظيره الألماني "هيكو ماس" لرفع الحظر عن تصدير السلاح، باللعب على وتر قدرة أوروبا على التزامات "الناتو".

فهذا الإجتماع له غايتان رئيسيتان، سياسية وعسكرية. من الجانب السياسي يحاول الإتحاد الأوروبي صناعة هوامش جديدة لسياسته الخارجية المأزومة ، ومحاولة إستخدام هذه القنوات لمُحاباة السياسة الخارجية للنظام الأميركي ومنعها من الإستفراد بهذه الساحة ، وخصوصاً ألمانيا وبريطانيا التي تتحضر للخروج من الإتحاد من جهة، ومحاولة بلورة مفاهيم  ومواقف مشتركة في ما يخصّ إيران حزب الله وفلسطين تحديداً ، لأنها الملفات الأكثر إلحاحاً بالنسبة للنظام السعودي، والنظام الأميركي وكيان العدو. يعني كأننا نتحدّث عن بداية تبلور جبهة علنية واضحة المعالم تجاه هذه الملفات تحديداً بأجندة أميركية وواجهة سعودية. فأوروبا هنا تحاول تخفيف الضغط الأميركي بصناعة هوامش جديدة من خلال هذا المؤتمر، فيما سيحاول النظام السعودي فرض الأجندة الصهيو-أميركية المعادية لإيران وحزب الله ، وإتمام صفقة القرن التي ستكون ملفاً ساخناً من الممكن أن يتطوّر لمشهد عسكري بعد انتخابات كيان العدو في نيسان القادم.

واستكمالاً للشق السياسي يأتي الشق العسكري ليكون هذا الإجتماع كحلقة تشاورية للبتّ بترتيبات موضوع (الناتو العربي) الموجّه ضد إيران ، التي أعتقد أن وليّ عهد النظام السعودي حاول أن يضمن مقاتلين باكستانيين لحرب محتملة مع إيران، كما استطاع جلب مقاتلين سودانيين لحرب اليمن كمقابل للدعم الاقتصادي والاجتماعي الذي قدّمه بزيارته الأخيرة. كما للتباحث بموضوع غاية بالأهمية للنظامين السعودي والمصري وهو تأمين خواصر البحر الأحمر والبحر المتوسّط لتقليم نفوذ تركيا المتصاعد تحت مظلة إنشاء "مجلس الدول العربية و الإفريقية المشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن" التي سيحوي كيان العدو لمشاطئته البحر الأحمر على خليج العقبة كرد على وجود قاعدة عسكرية تركية في الصومال ومحاولة إنشاء قاعدة بحرية في سواكن السودانية.

أريد أن أختم بالتالي: وليّ عهد النظام السعودي قادر على شراء الذِمم، ومع ذلك هناك حدود للنتائج التي لا أعتقد بأنها ستتعدّى (تبذير المال) في ما يخصّ باكستان ، لأن التماهي مع النظام السعودي مسقوف بأمن باكستان القومي وعلاقته في محيطه وحفاظاً على أمنه القومي مقابل الهند. كما أن التخطيط لمحاصرة إيران من جهة باكستان لن يجدي، فالنظام الأميركي نفسه مع الأوروبيين لم يستطع فعل ذلك على مدى عقود، كما أن باكستان لن تغامر بأمنها الإجتماعي وتحرق نفسها لأجل النظام السعودي. أما محاولة شراء "الڤيتو" الصيني ومحاولة تأطير موقفها لمصلحة النظام فهي لن تنجح لأن النظامين السعودي والإماراتي بإيعاز من النظام الأميركي يحاولان منذ ثلاث سنوات التحكم بطريق الحرير الصيني من خلال التحكّم بمضيق باب المندب البوابة الرئيسية لأوروبا ، كما لاعتبارات أمنية وعسكرية أخرى لكيان العدو المصلحة الأكبر بها، والصين تعلم ذلك جيداً وسترد عليه.

لذلك أعتقد أن هذه القمّة العربية الأوروبية، ستكون أقرب لإعلان تحالف منها بوجود تحالف حقيقي على الأرض ، وهو مشابه بطريقة إدارته بتحالف العدوان السعودي ضد اليمن. كما أن تركيا ستكون لها ردود على "مجلس الدول العربية  والإفريقية المشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن" من منبج ، وعندما نذكر منبج جنوباً يجب التفكير بالمضائق شمالاً بعد النظر بمعاهدة لوزان وقرب إستحقاق ضخم بالعام 2023 التي حتى بعد تعديلها بإتفاقية "مونترو" مازال الغرب يحاول استصناع نقاط للمفاوضات ، فهذه المنطقة من البحر المتوسّط، حاولت مصر مناهضة تركيا الإستفراد بها بدعم إسرائيلي-أميركي ولم تستطع بسبب موقف تركيا الذي كان أقرب للعنف منه بالرد السياسي المتشدّد والذي من الممكن أن تدفع ثمنه قبرص.

فهذه القمّة كشفت شيئاً عن الطلاق المستور بين الناتو وتركيا، المُحافَظ عليه فقط من أجل التأطير السياسي إلى نضوج بيئة يصح معها إعلان الطلاق البائن. كما أن عملية بناء التحالف برمّتها والتحضير لهذه القمّة كان من دون المستوى المطلوب لتحقيق نتائج حقيقية. فمن الممكن أن نسمع قريباً عن رفع الحظر الألماني عن تصدير السلاح للنظام السعودي وتغطية إعلامية ضخمة عن السيطرة على البحر الأحمر. فما يهمنا كحلف المقاومة والممانعة أن نعلم بأن أعظم الإنجازات التي ستخرج بها القمّة ستكون فوق تكتيكية ومن دون إستراتيجية، من دون خطة واضحة قابلة للتطبيق على الأرض ، كما أنها ستكون بداية تبلور جبهة علنية واضحة المعالم ستجعل خياران للجميع لا ثالث لهما عند قدوم الإستحقاقات الكبرى.